شعار قسم مدونات

الخيال المجنون يقودنا إلى مؤسسة زواج أم محرقة؟

blogs زواج

تقول الممثلة البريطانية أودري هيبورن عندما لا تجد أي شخص لتصنع له كأساً من الشاي، عندما لا تجد شخصاً بحاجتك، عندها أعتقد بأن الحياة قد انتهت. ومن يستطيع أن يمضي في هذه الحياة وحيدا بلا شريك أو عائلة أو أصدقاء؟ إن الحياة بلا مشاركة هي تجربة لا تستحق أن تروى حتى، هي تجربة فاشلة بجميع مقاييسها، من منا لا يحب أن يكون محاط بالأشخاص المحبين؟ بالأصدقاء؟ والأهم من ذلك شريك حياة نبني برفقته مستقبل يستحق أن نقوم بخطوة الزواج من أجله؛ أو أفضل تسميتها بخطوة الارتباط الأبدي.

إذا أردت ركوب الخيل صلّ مرة، وإذا أردت ركوب البحر صلّ مرتين، أما إذا أردت الزواج فصلّ ثلاث مرات. عندما يحين وقت الاختيار برأيي يجب على المرء ان يكون على علم تام بالشخص الذي سيربط معه مصيره مدى الحياة، وكم يحزنني أولئك الذين يتعاملون مع الأمر وكأنهم ذاهبون في نزهة قصيرة، هم لا يعلمون أن هذا قرار مصيري سيكون السبب في تعاستهم مدى الحياة أو سعادتهم مدى الحياة؛ بل إن الأمر له أبعاد أكبر من ذلك تطال المجتمع بأسره، هؤلاء الأشخاص سينتجون أفراد للمجتمع وعليهم حتما أن يكونوا على جاهزية تامة مادية وعقلية ونفسية حتى يستطيعون التعامل مع الأمر بأفضل صورة. 

يحزنني الأمر في مجتمعاتنا العربية حيث أن أرقام ومعدلات الطلاق مخيفة وتبعث على الحزن لأن تلك الأرقام هي نتيجة ظلم مجتمعي يمارس على الأفراد، بل أن الجهل هو أهم سبب يولد ذلك الظلم من ثقافة زواج القاصرات، وثقافة أن الشاب عليه الارتباط مبكرا لأن جده يريد أن يرى حفل زفافه قبل موته! أجل بإمكانك يا دام عزك أن تتخيل بأن سبب كهذا يتم ذكره كثيرا في حجج الزواج المبكر التي نراها في المجتمعات العربية!

 

 نحن كأشخاص نطمح لمجتمع أفضل وحياة أفضل علينا حتما أن نكون حريصين على اختيار شريك الطريق لأن ما سنعمل على بناءه لا يقل أهمية عن أكبر قرار دولي يصدر في حق أي مجتمع
 نحن كأشخاص نطمح لمجتمع أفضل وحياة أفضل علينا حتما أن نكون حريصين على اختيار شريك الطريق لأن ما سنعمل على بناءه لا يقل أهمية عن أكبر قرار دولي يصدر في حق أي مجتمع
 

لتجد أن الجد يشهد حفل الزفاف الذي توج شاب غير جاهز أبدا للزواج من فتاة غير جاهزة أبدا لتأسيس عائلة وماذا نجد بعد ذلك؟ نجد كارثة مجتمعية ضخمة يذهب ضحيتها الزوجين مع طفل حديث الولادة، وما يحدث هنا هو سيطرة الجهل والتسرع في اتخاذ القرار، وهنا يكون الناتج إما استمرار هذه العائلة في المضي قدما على مضد وتعاسة مدى الحياة، أو انفصال مبكر لزواج لم يشهد النور بعد.

لا أعلم الأن إن كان الأشخاص المعنيين في طرحي السابق سيقرأون كلامي ويعيدون التفكير في مبادئهم الخاطئة، ولكنني الأن بصدد إضافة طرح أخر من نوع مختلف يختص بالأشخاص المثقفين في هذا المجتمع والذين يدركون حتما ماهية الزواج وإلى أين يريدون المضي ومع من؛ وعلى الرغم من ذلك لا زال الكثير من الأفراد يقعون ضحية التسرع والخداع الذي يكون سببه ثقة زائدة في المشاعر الضحلة والتي ستختفي حتما عند أول مطب تفرضه مؤسسة الزواج التي تعتمد بشكل تام على العقل والمنطق، العقل والمنطق فقط لا غير.

ما أقصده هنا عزيزي القارئ أن الطبقة الجاهلة من المجتمع والتي تمارس ممارسات زواج القاصرات والزواج المبكر هي طبقة مولدة لمشاكل مجتمعية جمة لا أعلم إن كان يمكن الحد منها وتغيير الأفكار المتداولة في هذه الفئة، لكن نحن كأشخاص نطمح لمجتمع أفضل وحياة أفضل علينا حتما أن نكون حريصين على اختيار شريك الطريق لأن ما سنعمل على بناءه لا يقل أهمية عن أكبر قرار دولي يصدر في حق أي مجتمع يريد أن يتطور ويتقدم، جميعنا نعلم أن المجتمع يبدأ من الأسرة، وعلى تلك الأسرة أن تكون بنيت على خيارات صحيحة منطقية وبتوقيت مناسب حتى تستمر بالتطور والنمو في الاتجاه الصحيح.

وكأفراد فاعلين في مجتمعاتنا علينا حقا التفكير بالإضافة التي سنمنحها إياه عن طريق الخيار الصحيح والمنطقي؛ يقال الزواج هو انتصار الخيال المجنون على الذكاء. لكنني لا أحبذ هذه المقولة أبدا فالذكاء عليه أن يكون المحرك الوحيد لرغباتنا وخياراتنا في هذه الحياة، فالخيال المجنون لن يقودنا لمؤسسة زواج؛ لن يقودنا إلا إلى محرقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.