شعار قسم مدونات

في الوطن العربي.. أليس من حقنا أن نفرح!

blogs مشجعين تعساء

انتشَرَ مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لشاب يمني في دولة أوروبية يقوم بتحطيم مجموعة من أجهزة التلفاز الحديثة والباهظة غضباً من نتائج الفرق العربية في المونديال، قلت لنفسي الأولى أن يتبرع بثمنها بدل كل هذا التبذير في الغضب والإسراف في اللعنات بدون أي نتيجة. مراراً وتكراراً أعدت المقطع وهو يقول باللهجة اليمنية "من حقنا نفرح"، أدركتُ تماماً أن سلوكه لم يكن بداعي "البطر" ولا "التبذير"  في الغضب أو حُبا في الظهور كـ "مُختلف" مثلما اعتاد بعض نجوم مواقع التواصل الاجتماعي.

هو شعورٌ تفجّر بالغضب بسبب أبسط الهزائم من واقع عربي مُحبط، مليء بالفشل الذي أتقناه حد الإبداع، حد التميز بين الأمم فصار مقرونا بنا. فحالة اليأس والإحباط ما هي إلا انهيار أمام عجز صناعة أي انتصار أو تحقيق أي انجاز عربي كبير وفي أي مجال. الفكرة لا تكمن في هزائم وهمية تُسجل بالنهاية أرقاماً في أرشيف مؤسسة رياضية محلية أو عالمية تقرأُها فيما بعد أجيال المُهتمين بالرياضة، الفكرة هي أننا نعيش سلسلة من الهزائم في كل المجالات الواقعية في كل حقيقة من حقائق الحاضر التي تقول أننا "متخلّفون" وستقرأنا الأجيال اللاحقة في أرشيف "بؤساء الأمم"..!!

في حاضرنا اليوم لا نُقدم للعالم مشهدا واحدا يليق بوجودنا بين البشرية ولا نبدع إلا في لغة واحدة هي "الانهزامية" فنحن مهزومون في دواخلنا وفي بيوتنا وفي شوارعنا وفي أوطاننا، مهزومون في كل شيء. نعم ماذا قدمنا كأمة عربية للعالم اليوم؟  قدمنا الكثير ففي العلم مزيدا من الجهل وفي السياسة اختلاف وفي الاجتماع تخلّف وفي الإنسانية قتلٌ ودمار وفي الاقتصاد دروسا عالمية في الفساد والهدر وفي الرياضة " كمالة عدد" وحتى في الفن لدينا أبطالا من "الهَمَل والزعران"..!! 

كم تتغنى الشعوب العربية بنماذج شعوب أخرى نهضت واستفاقت وحرّكت عجلة الإصلاح والتنمية، خرجت من وحل الفساد، ونسينا أنفسنا كنموذج مُعتل بين الأمم

نعم في الفن قدمنا "الهَمَل والزعران" بمعناها الشعبي وبتفاصيلها السوقية، فأصبح تاجر المُخدرات بطلا، وتاجر السلاح أسطورة وفارض الأتاوات "زقرت" حتى في المبادئ النبيلة التي حاولنا تقديمها كانت نهايتها "بدي اشخطك عالبلوعة"..!!  تخيّل حتى في التمثيل لا يوجد لدينا بات مان وسوبر مان وسبايدر مان نواسي أنفسنا بهم ونبني أمجادا من الخيال!!، لدينا أرباب سوابق فقط، جبل وابراهيم الأبيض والأسطورة وكلهم أساطير في الهمالة والحشيش وغياب القانون..!! 

لماذا نعيش كل هذا الإحباط، وكل هذه المآسي والهزائم، أليس من حقنا أن نفرح ولو بانتصار وهمي على طواحين الهواء على الأقل؟! بماذا يختلف الأفريقي القادم من صحارى الفقر وسهول الحرمان الجافة حتى يقاتل ويبدع ويقدم نفسه للعالم كحالة إبداعية فريدة تستحق الاحترام؟! أما نحن فخائفون مذعورون وكأننا نقف عُراة بين الأمم؟!

عُراة..؟!! نعم إن عملية التعرية قائمة في الوطن العربي على قدمٍ وساق فعوامل الحت تأكل دواخلنا، وتتركنا رمادا تذروه رياح الإحباط واليأس حتى أصبحنا هياكل جوفاء قائمة بالإسم والشكل غائبة في الروح والمعنى، فالمضامين باتت فارغة والطموح بات معدوما والمُستقبل مجهول!! ما السبب؟ الأسباب كثيرة وفي كل شبر من المحيط للخليج نجد شماعات نُعلّق عليها كل خيباتنا، اختر ما تطيب له نفسك وما تُسر له عينك، لدينا العديد من نظريات التآمر من شرق العالم لغربه وكل أنواع التفرقة التي فرضناها على أنفسنا نحن، نعم نحن كلنا شركاء في الهرولة نحو القاع، القاع الذي لا يمتلئ إلا بنا، نحن المؤامرة ونحن السبب ونحن العلاج فقط.

"ما أسخف الصلعاء التي تتباهى بشعر جارتها" رحم الله من أطلق هذا المثل، فكم تتغنى الشعوب العربية بنماذج شعوب أخرى نهضت واستفاقت وحرّكت عجلة الإصلاح والتنمية، خرجت من وحل الفساد ومستنقع الظلم، طبقت القانون وحققت العدالة، ونسينا أنفسنا كنموذج مُعتل بين الأمم ونحن المتشدقون الذين صنعناه..! ولم نكتفي بذلك بل أصدرنا الاحكام، هؤلاء عملاء هؤلاء متآمرون هؤلاء كفرة هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار..!! ونحن ماذا؟؟! أترك لكم الإجابة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.