شعار قسم مدونات

مراجعات أم.. بين الحب والشدة!

blogs أمومة

ككل مساء.. أتأمل أبنائي بعد نومهم، أراجع يومي معهم بتفاصيله، ثم أترك لنفسي العنان لأن أغرق في حبهم! لست أما بسيطة طيبة! بل أنا الأم التي صنعتها بإرادتي، والتي أحب تفاصيلها. الأم الجادة الصارمة، الشديدة الحازمة! تلك التي يكون لصوتها أثره، ولحضورها هيبته. أعلم أن ذلك ربما يبدو صعبا على أبنائي، ولست أدري إن كنت في نظرهم فعلا أما مثالية! لكني أثق أنهم حين يكبرون سيفهمون أني كنت أصنعهم بإتقان، وسيعلمون فعلا أني كنت الأفضل لهم!

في المقابل أزعم أنه لا توجد أم تحتضن أبناءها بقدر ما أفعل، أو تحدث أبناءها عن حبها ومشاعرها بقدر ما أتحدث! يعلم كل واحد منهم قصة حياته منذ كان نطفة، كيف أحببته؟ وكيف انتظرته؟ وكيف كان حضوره لهذه الدنيا؟! يعلمونها كقصة جميلة، لا تعرف الألم في تفاصيلها! وإن استحضر أحدهم ألم الأم أو تعبها أو أوجاع الولادة، أؤكد لهم أني لم أعرف هذه المعاني، أو على الأقل لا أذكرها، فجمالهم يطغى على كل شيء. يتسابقون كل صباح ومساء على محادثتي، والتعبير عن حبهم. وأتلقى منهم يوميا عشرات القبل المباغتة! فأطمئن لحبهم رغم شدتي.

التعليم المدرسي عندي لا يتجاوز خبرة اجتماعية واختبارات ميدانية تدرب الطفل على مهارات متعددة في الذكاء الاجتماعي. وحدا أدنى من الأسس العلمية التي يحتاجها الطفل في عمرهم

أفكر بهم كما لا يتخيل أحد! أوراقي وملفاتي تضج بخطط تربوية وترفيهية وتعليمية وتقويمية تخصهم. أراقب تفاصيل تفاصيلهم، أشاركهم المعاني التربوية بأكملها، أواجههم بما أُقَوّمه فيهم. وكل واحد منهم يعرف ميزاته ويعددها كما لا يستطيع كثير من الكبار، أستشيرهم في أسلوب تربيتهم، وبعد كل موقف صارم أو بعد عقوبة شديدة، أستدعيهم وأواجههم، ونتبادل الأدوار. وأستمع إليهم بإنصات عن ماذا سيفعلون لو كانوا هم الأم في هذا الموقف؟ّ! يتمردون حينا، ويتطرفون لينا أو شدة حينا آخر! لكنهم في أغلب الأحيان يوافقونني، ولا ننتهي إلا باتفاق!

فلا أعجب بعد ذلك كله أن يتوجه ابني وليد -وهو حينها لم يتم عامه السابع- بعد مشادة بيني وبينه- أن يتوجه لمكتبتي التربوية، ويستخرج كتاب تربوي، ثم يفتحه على موضوع عن اختلاف طبائع الآباء والأبناء، وواجبات الآباء في استيعاب الأبناء!! ويضعه أمامي ثم يذهب! أتجاهل عمرهم حين أحدثهم عن أنواع الذكاءات المتعددة وأين تميزهم فيها وماذا ينقصهم، أحدثهم عن الوصلات العصبية الذهنية وسعيي معهم لتحفيزها وتفعيلها منذ ولادتهم! وعن الثقة بالنفس وأساليبها، وعن التنمر ومواجهته وفن الحديث وقوته، عن المثابرة والعزيمة والإصرار، عن طبائع الناس المختلفة وكيفية التعامل معها، عن أصدقائهم وطبائعهم وحدودهم، عن القوة ومفهومها، وعن كل ما يلزمهم أو يحتاجونه! بل إنهم يعرفون كل شيء بمسمياته العلمية!

أتجاهل صعوبة إدراكهم أو تفاوت أعمارهم! أحادثهم بثقة لأزرعها فيهم، أعتمد عليهم عن قصد، أحب أن أراهم يكبرون قبل أوانهم، أتركهم يعتمدون على أنفسهم، وأدعهم يتحملون نتيجة قراراتهم وتقصيرهم! لا أشغل وقتي ووقتهم بواجبات وامتحانات والتزامات مدرسية نضطر لتكرارها عشرات المرات خشية السهو أو نقص علامة..!

 

أبنائي.. هم مشروعي الأكبر في هذه الحياة، هم نبتتي التي تكبر، والتي أقضي وقتي أعتني بها، والتي مهما كان نتاجها سأظل أفخر بها!
أبنائي.. هم مشروعي الأكبر في هذه الحياة، هم نبتتي التي تكبر، والتي أقضي وقتي أعتني بها، والتي مهما كان نتاجها سأظل أفخر بها!
 

فالتعليم المدرسي عندي لا يتجاوز خبرة اجتماعية واختبارات ميدانية تدرب الطفل على مهارات متعددة في الذكاء الاجتماعي. وحدا أدنى من الأسس العلمية التي يحتاجها الطفل في عمرهم. فلو كان في جدولنا ساعة علمية، فإنني أفضل أن أقضيها في مناقشة كتاب علمي عن الفلك أو جسم الإنسان أو الزراعة على أن أقضيها في ترديد نفس المعلومة المدرسية خشية أن تنقصهم علامة دراسية! ففرحتي مثلا بتلخيص ابني مجموعة كتب علمية لا منهجية برغبة خالصة منه؛ تعادل أضعاف فرحتي في حصوله على معدل ١٠٠ واحتفاء مدرسته به بكونه الأول على مدرسته! وخسران ابنتي علامتين في امتحان نصف الفصل مثلا لأنها خلطت بين عدد آيات سورة الفلق والإخلاص، -ما جعلها الثالثة على فصلها بدلا من أن تكون الأولى- لا يساوي عندي شيئا مقابل ما أراه من ذكائها الاجتماعي وفطنتها ومهارتها المميزة في الإقناع وكسب العلاقات.

نرتب أولوياتنا سويا، وأشاركهم الخطط، هم يفهمون بالضبط ما كتبته في هذا المقال! بل وناقشتهم في تفاصيله كما أناقش الكبار. رغم أن أكبرهم توأم في عامهم الثامن، وأوسطهم أتم الخمس أعوام، وصغيرهم أتم حديثا عامه الرابع. لا أبالي إن عجز صغيرهم عن فهم بعض حديثي، فقد كان إخوته قبل ذلك مثله، يكفيني أنه حاول الاستماع، وأن ذلك يوسع مداركه، وأنه سيفهم قريبا مع نضجه ومع التكرار! هم مشروعي الأكبر في هذه الحياة، هم نبتتي التي تكبر، والتي أقضي وقتي أعتني بها، والتي مهما كان نتاجها سأظل أفخر بها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.