شعار قسم مدونات

العراق.. بين التنوير وجلد الذات

BLOGS العراق

بعد خروج العراق جزئياً من معمعة حرب المدن ومكافحة الإرهاب والمتشددين ودخوله دوامة إعمار المدن المنكوبة والمدمرة انتقل الصراع لمستوى جديد بين أطراف تتجاذب وتتنافر على وسائل التواصل الاجتماعي وأصبح تأثيرها ملحوظاً وصدى النقاشات توسع ليشمل الواقع وتفكير الشباب بالعراق عموماً والمدن المحررة خصوصاً. التنوير كما يطلق بعض الناشطون عليه هو تيار فكري صاعد تراه بالبداية براقاً وبه لمسة من تجديد لكن ما أن يأخذ مساحة في النقاش والحوار ترى أنك مشرف على نوع جديد من التطرف وقمع حرية الاعتقاد باسم حرية التعبير.

لا يكاد يختلف أحد على فشل أحزاب الإسلام السياسي بإدارة ملفات العراق بكل نواحيها ولا يمكن تحجيم تأثيرات التنظيمات المتشددة والمليشيات المسلحة بالعراق، لكن دعاة التنوير بدل أن يحاولوا جاهدين أدلمة نسيج المجتمع وإعادة الأوضاع لسابق عهدها من المودة على الأقل نراهم في هجمة شرسة ضد الدين الإسلامي وشخوصه وتأريخه بل وحتى على القومية العربية والحضارة الإسلامية العربية حيث تم اختزال جميع الأخطاء والكوارث بوجهة نظر المتنورين بهاذين العنصرين 
يمكنك ملاحظة النقد الذي وصل لمرحلة السخرية من الإسلام والعروبة بحجة أنهما لا يتواكبان مع العصر ويتم تجاهل أي مشاعر للعرب والمسلمين.

 

المشكلة أن أتباع هذا التيار لا يملكون الحيادية في التصنيف فتراهم ينبذون القومية العربية ويحطون من شأنها في وقت يعضدون وجود الحركات القومية الكردية والتركمانية والأشورية مما يجعل ميزانهم غير منصفاً بالمرة ومليء بالعنصرية وهذا يسقط ادعائهم الأول بابتعادهم عن التجمعات القونية ودعم الأفكار العنصرية والقومية المتشددة. دعم وتطبيع ومشاعر ودية واضحة مع إسرائيل مما حدا بالكيان الصهيوني لاستثمار هذا الترحيب بافتتاح صفحة على الفيسبوك لاستقطاب عدد أكبر منهم وهذا يسقط عنهم أيضاً ادعائهم الثاني بمحاربتهم للكيانات والدول القائمة على أساس ديني.

تنتهج بعض التيارات عملية تصغير وتسفيه للحضارة العربية والعرب بالموازاة مع وصفهم بإرهابيين عقديين وتستمر موجات السخرية والنقد اللاذع لهم

العلمانية مطلب يتردد على ألسنتهم دوماً لكن هل يملكون هيكلية لبناء العلمانية أو هل يعملون على برنامج لترسيخ هذه الأفكار بالمجتمع؟ لا طبعاً.. لذا فشل دعاة العلمانية بالانتخابات الأخيرة فشلاً ذريعاً. فكان تركيزهم على مواضيع غريبة لا تمس بناء الدولة ولا تقويمها ولا تقترب حتى من تكوين فكرة يتم العمل على أساسها كل المواضيع التي تم طرحها هي أفكار مستنزفة وسوقية بعض الشيء كحرية نقد الدين ودعم الملحدين كأن نقد الدين سيبني اقتصاداً أو يستصلح أرضاً محاولة اجتذاب المثليين بالدفاع عنهم وعن رغباتهم محاولة استغلال المراهقات والشابات بدعوى الحرية وتحرر المرأة لكن هل حرروها على مجال التعليم والإنجاز الوظيفي والمساواة فكرياً مع الرجل قطعاً لا كان فكرة التحرر لديهم لا تتجاوز حرية العلاقات والملبس والميول.

قد يظن القارئ بأني إنسان محافظ أو محارب لأي تجديد بالمجتمع.. لكنني لا أرى أي نوع من أنواع التقدم لا الفكري ولا العلمي ضمن توجهات المتنورين العراقيين كما يسمون أنفسهم ما رأيت من معظمهم سوى نقد الدين والتأريخ العربي الإسلامي وجلد الذات لترضية بعض الأطراف بالنسيج المجتمعي وتأليه للغرب رغم ماضيه وحاضره الدموي الانتهازي اللاأخلاقي ومحاولات لخلط الاوراق حيث لا تقدم علمي ولا فكري ولا أدبي بل محاولات متخبطة لمحاربة حرية العقيدة باسم حرية التعبير.

عادة ما تبدأ هذه الأفكار ومروجيها إلى نقد خفيف للدين متغلفاً بنقد الإرهاب والتطرف ثم يبدأ التطرق لأمور أخرى كالسبي والجهاد ثم تدور العجلة بسرعة ليتم استهداف حوادث تاريخية ورموز دينية بشكل مغلوط ومنقوص لإيصال فكرة عن أن ما قام به داعش ليس إلا ما قام به رموز الإسلام سابقاً. ثم تنتهج هذه التيارات عملية تصغير وتسفيه للحضارة العربية والعرب بالموازاة مع وصفهم بإرهابيين عقديين وتستمر موجات السخرية والنقد اللاذع ثم يركزون على تعظيم الحضارات السابقة كالأشورية والبابلية والسومرية وبعضهم يكني نفسه بأسمائها.

 

وهنا يقعون بتناقض أخر فلو فكرنا بالموضوع بحيادية متجردين من كل قيود النقد المتحيز سنرى أن الإمبراطوريات الأشورية والبابلية قامت بالتوسع أيضاً على حساب الأمم الاخرى بل وعملت على التغيير الديموغرافي والقسوة بالمعاملة ونهب الخيرات وهذا ما لم يقم به المسلمون سنرى أيضاً انهم مارسوا السبي والاستعباد والعمل القسري بأبشع أنواعه وهذا أيضا ما لم يقم به المسلمون لأنه يتنافى مع وصايا النبي بمعاملة الأسرى وملك اليمين. كخلاصة إننا الأن أمام موجة عارمة من التمرد الشبابي المدفوع لزيادة فرقة المجتمع ولإدخال أفكار منقوصة مشوهة لا تبني بلاداً ولا تعمر خراباً تحت مسمى الحريات والتنوير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.