شعار قسم مدونات

بطولة وضيوف شرف!

مدونات - مسرح تمثيل بطولة

في كثير من مَراحل حياة النفس البشرية، ستشعر بَعد تمعن للمشهد من حولها بأنها تقوم بأداء دورها كبطل رئيسي في مسلسل الحياة، ومن فِطرة النَفس وتركيبتها البسيطة، أنها تحتاج لعلاقات تأنس بأرواح أصحابها، أرواح تؤدي بِرفقتها دور البطولة في بعض المراحل، فحسُبنا من رِحلة هذه الحياة رِفقةٌ تخفف عنا وطأة المشاهد المريرة، فمنهم من يتقن الدور والقُرب، ويتعاظم قدره مع كل فصل يقوم بتأديته، ومنهم من يذهب طي النسيان مع مخلفات العلاقات، صاحبة الأدوار الهزيلة البائسة.

   

بطولة مؤقتة

في هذا الدور تقوم مقتضيات المرحلة ومتطلبات المكان بوضع أصحاب تِلك البطولة داخل مشهد عدسة قَلبك دون اختيار مِنك، يتشاركون بِرفقتك بمواقف مَعدودة في مشاهد عظيمة، ما إن تتوسم النفس فيهم خيراً و تركن إليهم، حتى تعلم أن من الصعب تأدية دور البطولة طَويلاً من أرواح يختفي الود في علاقاتها قبل أن ينضج، دون أن تعلم أسبابه، ستعتاد النفس لاحقاً هذا النوع مع تكرار المشهد ذاته، حيث أنها عَلاقة مَرحلة لا يُمكن لها أن تركب أمواج مراحلَ مُتعددة.

 

الكومبارس الذي يرتدي ثوب البطولة

هذا الدور تلعبه الأرواح التي ليس لها دَور كَبير وحضور دائم في منعطفاتنا، وليس لدينا نحوها أي سقف توقع، بيد أن أرواحهم تكون بمثابة الروح التي ما ان لجأت إليها حتى احتضنت أحزانك وبوحك، فتَعود منها وقد صَفا ما تكدر بخاطرك، بِفعل ابتسامته وأذنه المُصغية لك دوماً، وثنائه عليك في أوقات مجدك. إن هذه الأمور قد تَجعله يتصدر المشهد بداخلك ويرتدي ثوب البطولة، ومن المؤسف أن النفس لا تَشعر بعظمة هذا الدَور البسيط وجماليته، إلا مع خِذلان من أعطيناهم أدوار البطولة الرئيسية.

    

الغريب الذي ينتزع البطولة
البطولة المُطلقة في كُل الفُصول ذلك الدَور الذي لا يستطيع أي الأشخاص تأديته، تِلك البُطولة التي تَحتاج أن تُعانق خطواتك خطواته مَع كُل مَرحلة، وأن تشعر بقربه وقرب ذراعه المقوسة كذراع المُحب المُعانق المحتضن

هذا الدور يختص به ذلك الغريب العابر الذي ظهر خِلسة عبر عدسة المشهد، مشاركاً إيانا فنجان قهوة، ابتسامة، حديثاً عابراً، مُلامساً أعماق ما في النفس، مغازلاً بريق عيون مفقود، دون تكلف بأن تكون هُنالك معرفة سابقة، نشَعر وكأن روحه مررنا بها في طريقنا دون انتباه، ثم عدنا ملتفتين نحوه وكأننا لمحنا عزيزاً مع تَعرج المراحل، ستجده يُحاول أن يحجب حُزنك عن الجمهور، يُحاول لملمة شُتات حيرتك، يُحاول دائما اشعار الجُمهور أنك بخير، يتشبث بنقاط الجمال فيك، حيث أن صِدق نوايا الغُرباء عادة ما تكون بمثابة الوقود لسُرعة وصولهم للبطولة، حينها ستوقن النفس أن البطولة لم تعد حِكراً على أحد، وأن الأشخاص ينتزعون ذلك بمواقفهم، وقد يكون هذا الدَور أكثر الأدوار التي تسحر الروح، فحسبنا من الأيام غُرباء سكنوا أرواحنا، وزرعوا الورود على شُرفات قلوبنا.

 

البطولة التي تحولت إلى ضَيف شَرف

هذا النَوع من البُطولات قد يكون الأكثر تأثيراً على إيمان الرُوح بالأشخاص، أولئك الذين شحبت ملامحهم مع الأيام بَعد أن كانت أدوار البُطولة لا تليق إلا بسواهم لسنين طوال، ستصبح مشاهد احتضان البوح، ثقيلة عليهم، ربما لن تعَلم ما هي أسباب وَهن تِلك البطولات التي اعتادتها أرواحنا، رُبما رياح الاختلاف ومنعطفات الطريق أتت لتجتث صدق ما كان في القلوب، رُبما تقدم طرف في تحقيق ذاته أو شعور طرف آخر بنقصه، يدفعه للتخلي عن المشاهد العظيمة التي اعتاد تأديتها، ليؤدي دور شَرفٍ ما وُجد إلا للتخفيف من وطأة انسحابه. وماذا عساي أن أقول لهذا الصِنف سوى إما أن تَبقوا قَريبين بعد ان اخترتم طريق القُرب الحميم، وإما لا تُقحموا أنفسكم بقُرب لستم أهلاً للوفاء فيه، فالتقليل من تعاطي جُرعات المودة مع بعض الأشخاص قد يُميت، والمجد ينحني لأصحاب البطولة في الحلقات الأخيرة، وفي مُسلسل القلوب، لا يُقبل لأصحاب البطولة أن يُصبحوا ضِمن ضيوف الشرف.
 

البطولة المُطلقة في كُل الفُصول

ذلك الدَور الذي لا يستطيع أي الأشخاص تأديته، تِلك البُطولة التي تَحتاج أن تُعانق خطواتك خطواته مَع كُل مَرحلة، وأن تشعر بقربه وقرب ذراعه المقوسة كذراع المُحب المُعانق المحتضن، مع كل تقوس لمنعطف الطريق، تأنس بِه وتُنكس شعارات الوحدة بداخلك، وتشعر بأن السنوات التي تقضيها بِرفقته لا تَود أن تنتهي، ستشعر النفس مع تتابع مراحلها، أن هذه البُطولة ليست مِلكاً لأحد، وستكتشف في حلقات الختام أن هذا الدور مخصص لك فقط، وأنك البطل المُطلق في كُل الفصول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.