شعار قسم مدونات

حبٌّ لَم يكتبه القدر

blogs الخاتم

طَالبةٌ جَامعيّة كَان هَمها الأكبرُ أن تُرضي أمرَ وَالديِها لاخْتصاصٍ لَم يَرغبهُ قَلبها ولَمْ يَتقبّله عَقلها وكَانتْ مُرغمةً أن تدرسَ ما اختارهُ القَدرُ ووالِداها.. فَتاةٌ لا تعرفُ إلاّ طريقَ جَامِعتها التي كانتْ تَبعدُ أميالاً تُقدرُ بِخمسةِ عشرَ دقيقة على مَشيتِها المُعتادةِ، كَانتْ وحيدةَ الجَسد قبلَ الروح لَمْ تتعرفْ على أيّ أحدْ؛ كأنّها غريبةِ الدِيارِ ولمْ تألف منهم أحد.. بَقيَتْ على ذلكَ الحَالِ حَتى منتصفِ السنّة الدراسيّة حَيثُ واجهتْ أمراً صَعباً في فَهمِ بعض النِقاطِ في الآونةِ الأخيرة، فَطلبتْ المُساعدةَ مِنْ صدِيقةٍ مُجاورةٍ لَها، ومِنْ هذه الأثنَاءِ تَحولّت إلى الصديقةِ الوحِيدة في هَذا الفَصل.

أمضتْ الفَتاةُ السنّة الدِراسيّة بِحالٍ يُرثَى لَها وتَنفَستْ الصُعداءَ لأنّها وأخيراً ستَخرجُ من الجَامعةِ لبضعةِ أشهرٍ؛ تَناستْ الفَتاةُ أيامَ الجَامعة ومَرارةَ سَاعاتِها ويَومها الطَويل في الجلوسِ على قارعةِ شاطئ البحر مع قَهوتِها وقُرطاسيتها وخَاليها الواسعِ؛ ثلاثةُ أشهر أجمل بِكثيرٍ من التِسعةِ التي قَضتها في ساعاتِ الجامعة التي لمْ ترغبها أبداً.

 

جَاءتْ السنّة الدراسيّة الثالثة ليلتقِي العاشِقان من جديدٍ في كُلّ صباح، كانَا غريبي الأطوار بخجلٍ يعلو عليها في كُلّ مرةٍ

مَضتْ الفَترة الزمنيّة للعُطلةِ الصَيفيّة بجمالٍ وسرورٍ غَير مُعتادٍ عليه! دقتْ أجراسُ سنةٍ جديدةٍ وعَادتْ حالةُ الاستياءَ المُروّع للفتاةِ مع ضيقِ صدرٍ شديدٍ؛ ولكن بعضَ الأحيان ِ يَنتابُها إحساسٌ غريبٌ كُلما دخلتِ الجَامعة.. أكملتْ الفَتاةُ الفصلَ بِحالٍ كَسابِقَتها مع ثقةٍ مُصطنعةٍ وكبرياءِ متمردٍ من أُنثى تَخشى أن يَنظرَ النّاس لها بعينِ الشفقةِ! مِن مَشيتها المُتعالية ونظرتها الحَادةِ أعجبَ بها شابٌّ مِن بلدٍ مُجاور أصبحَ يُراقبُ حَركاتِها، وهَمَساتِها، كُلُّ شيءٍ عنّها كانَ يُثيرُ انتباهه. كَان شابّاً وسيماً ذا سَوادٍ بشعرهِ مع لِحيتةٍ الخفيفةٍ، طويلُ القامةِ عريضُ المَنكبينِ، ذو نظرةٍ ثاقبةٍ، مِقدامٍ شُجاع إلاّ أمامَ عينيها!

كَانَ الشَابُّ الأوسمُ في الجَامعة ومَطلبُ الكثيرِ من الفتياتِ، عند الحديث عنّه مِن قِبل الكثير فَكان التجاهل عنوان الفتاة لأنّها رأته عاديّاً لا داعيّ للكلامِ الزائد المُثير عنّه؛ وبيومٍ أرسلَ لها مِرسالاً مع صديقٍ إن كانْت تقبله زوجاً لها، استغربتْ الفَتاةُ واستوحشتْ نفسها هي التي لَم تتكلم عنّه ولَم تره إلّا صدفةً مع خَطفةِ عينٍ أن يَختارها مِن بينِ الفتيات.

الفتاةُ رفضتْ فَهي غريبةُ الديارِ وهو كانَ غريبُ البلادِ ولا يجمعُ بينهما إلا اختصاصُ الجامعة، الشابُّ أعجبُ بالفتاةِ أكثر وأرسلَ لها مِرسالاً آخر مع أعزّ صديقةٍ لها؛ فاحتارتْ الفتاةُ من أمرها وأعجبتْ بإصرار الشابّ الغريب، فقررت أن تُدأدسَ عن أخباره ومَكانه ومن أيّ بلدٍ هو؛ كَان الشابّ صَادقاً وأراد أن يدخلَ قلبها من مِصراعيّه على الملأ فأرسلَ بِفتاةٍ لخِطبة الأنثى التي سَرقت فكره ليلاً؛ إلا أنّ أهل الفتاةِ كانت شروطهم صعبةَ المنال! فقررَ مُفاوضة ولِيَّ الفتاة؛ وكَانت في رحلةِ الشابّانِ مُحطاتٌ مُتنوعةٌ من فرحٍ وحزنٍ!

شَاءَ الله أن يُبعدَ الشابّ لسنةٍ بسببِ حَال البلادِ السيء ولكنّه لم ينسى الاطمئنان عليها من حينٍ لآخر عن طريقِ صديقتها؛ وهُنا بدأت بحُبّ الشابّ شيئاً فشيئاً إلى أن جَاءتْ السنّة الدراسيّة الثالثة ليلتقِي العاشِقان من جديدٍ في كُلّ صباح، كانَا غريبي الأطوار بخجلٍ يعلو عليها في كُلّ مرةٍ؛ إلا ذاتَ صباحٍ بطريقٍ مُعاكسٍ التقيا صدفةً فَلم يُحركْ الاثنان ساكناً، فَمن هُنا وصَلَ سهم الحبّ في القلبِ كُله!

اختار نصفاً لا يُناسب روحاً اعتادت على من أكملها برزانةِ عقلٍ وطيبةَ قلبٍ اختار من لا يهواهُ قلبه!
اختار نصفاً لا يُناسب روحاً اعتادت على من أكملها برزانةِ عقلٍ وطيبةَ قلبٍ اختار من لا يهواهُ قلبه!
 

أعَادَ الشابُّ طلبه من أولياءِ الفتاةِ وكالعادةِ كانَ الردُ صادماً مرةٍ أُخرى، أُصيبتْ الفَتاةُ بنزلةٍ صحيّة كانت ستُلقي بِحياتها في عدادِ الموتَى، ولكنّ فارسُ الفتَاة كانَ على أهبِّ الاستعداد  لِمواجهة ِ المَرضِ قَبلها، فَحاربَا معاً طويلاً ولكنّ للرفاقِ دوراً غادراً وللقدرِ حِكايّةٌ أخرى؛ ثلاثَ سنين من العذابِ من كِلا الطرفين ولكنْ دونَ جدوى! اختارَ كلٌّ منهما طريقٍ مجبراً عليه وقررا الابتعادَ راجيان من الوقت أن يخففَ عنهما آثار البعدُ والفِراق؛ كل يومٍ كانَ بِمقدار ألف سنّةٍ عليهما مع كبرياءٍ شديدٍ "فالحُبّ يموتُ قتيلاً بين امرأةٍ عَنيدة ورجل ذي كبرياء".

كُل منهما يُراقب الآخر خلسةِ على جرح ِكبرياءه وعَلاوة على شموخِ الرجل إلا أنه لم ينسَ الفَتاة يوماً وهي مالكةٌ قلبه ولم يرغبْ بأُنثى غيرها! شاءَ القدر أن يَعود الشابّ لِديار الفَتاة لِمناقشةٍ دراسيّة ولكنّ الثمن كانَ غالياً كثيراً فقدْ قررَ والدُ الشابّ تزويجه من ابنةِ رجلِ أعمال صديقٍ له حَتى يقطعَ الشكَ باليقينِ ألا ينبضَ قَلبه للفتاةِ أبداً! عَادَ الشابُّ واشتعلّ جمرُ الحبّ الذي أخمده الوقت والانتظار، عادَ بأشواقِه التَواقة لوصالٍ دامَ سنّة وثمانية أشهر ولكنْ الجرحُ هذه المرةِ كان عميقاً فقد عادَ بيمينه خاتماً فضيّاً لفتاةٍ أُخرى!

اختار نصفاً لا يُناسب روحاً اعتادت على من أكملها برزانةِ عقلٍ وطيبةَ قلبٍ اختار من لا يهواهُ قلبه! سبعةَ أيامٍ عادلتْ عذابَ ثلاثَ سنينٍ، بيومِ المنَاقشةِ كانت النظرةُ الاخيرةَ بينهما. نظرةٌ خطفت الكثير من الشوقِ والتقطتْ الكثيرَ من الصور حتى تخففَ نيرانِ البعد عنهما.. الشابُّ مَن بدأ الحربَ واختارَ إحراق نفسه بوضعِ خاتماً بيمنه، وبعد أن مضت بعضَ شهورٍ على رحيله قررت الفتاة أن تُكملَ حياتها دونَ قلبٍ ودونَ روح.. وأن تقبلَ بشابٍّ من ذات الديارِ ليكمل معها مسيرةَ حياتها بجسدٍ فقط لا قلباً لها ولا روح وأن يُدفن حُبّ لم يكتبه القدر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.