شعار قسم مدونات

هل ستفرض علينا "صفقة القرن" كما فرضت علينا السفارة؟

مدونات - السفارة الأميركية

"لا ينبغي عليكم الإعجاب بهذا القرار أو الترحيب به أو حتى قبوله؛ لكن عليكم الإدراك أن هذا القرار لن يتغير" قالت نيكي هايلي مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة لصائب عريقات كبير المفاوضين بالسلطة الفلسطينية في فبراير الماضي معلقة على قرار دولتها نقل سفارتها في "إسرائيل" للقدس. يبدو أن تأجيل "قضية القدس" في مفاوضات "إسرائيل" السابقة مع الفلسطينيين إلى "مفاوضات الوضع النهائي" قد أفرز فرض "وضع نهائي" للقدس على الفلسطينيين دون مفاوضات!

  
في نوفمبر عام 47 كان مشروع قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم أرض فلسطين بين أهلها الفلسطينيين والمستوطنين اليهود قد نص على وضع خاص لمدينتي القدس وبيت لحم تحت السيادة الدولية وتقسيم بين بقية مدن فلسطين، لم يفلح القرار في جلسة تصويت مجلس الأمن، ولم يقر، فرضت قوة الحرب أمرا آخر.

 

خلال حرب 48 فرضت المجموعات الصهيونية الإرهابية المسلحة التي أنشأت لاحقا دولة "إسرائيل" فرضت تقسيم المدينة بسيطرتها على الجزء الغربي منها، ليكون لاحقا ضمن الاراضي التي أعلن عليها قيام دولة "إسرائيل" التي لاقت لاحقا اعترافا دوليا من عدة دول، ولم تصنف دوليا الأراضي التي أقيمت عليها -ومنها اراضي غربي القدس- كأراض محتلة بموجب هذا الاعتراف.

 

هذه الخطوات الأمريكية المتمثلة بنقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل" وصفت بأنها مقدمة ل "صفقة القرن" التي يتوقع أن يعلنها ترامب بعد منتصف يونيو المقبل

يونيو عام 67، فرضت "إسرائيل" احتلالها على الجزء الشرقي المتبقي من المدينة، خلافا لبقية مدن الضفة المجاورة التي احتلها أيضا، أعلنت "إسرائيل" القدس كبلدية تابعة لها ونقلت لها بعض المقار الحكومية وأصدرت لأهلها بطاقات هوية إسرائيلية. بحلول عام 80 أصدر الكنيست الإسرائيلي قراره بتوحيد شطري مدينة القدس وتسميتها كعاصمة لـ "إسرائيل"، وهو القرار الذي لم يلق اعترافا دوليا من الأمم المتحدة كونها تعترف بشرقي القدس كأرض محتلة صدر قرار من الأمم المتحدة بالانسحاب منها. لم يلق فرض واقع "التوحيد" على المدينة في ظل الاحتلال اعترافا دوليا؛ لكنه ظل سياسة ممنهجة لدى حكومات الاحتلال المتعاقبة عبر توسيع الاستيطان في المدينة وتهويدها وهدم منازل لفلسطينيين بحجة عدم الترخيص وإضعاف دور السلطة الفلسطينية فيها.

   

يكفل القانون الدولي لكل دولة تحديد عاصمتها وهو ما استند إليه الكونغرس الأمريكي عام 95 عندما أقر قانون (سفارة القدس) القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، ونقل السفارة الأمريكية إليها بمسمى أن "إسرائيل" قد قررت أن تكون القدس عاصمتها؛ إلا أن أي من الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين من حينها قد وقع على تطبيق القرار؛ فكان الرؤساء الأمريكيون يوقعون كل ستة شهور على تأجيل تطبيق القانون حتى نهاية ولايته أو ولايتيه، إلى أن جاء ترامب متعهدا في حملته الانتخابية عام 2016 بتطبيق القانون، ووقع على تطبيقه في ديسمبر الماضي وسط غضب ورفض دولي.

  
في منتصف مايو الحالي بالتزامن مع ذكرى إعلان قيام دولة "إسرائيل" المرادفة للنكبة الفلسطينية، وكذلك ذكرى سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على شرقي القدس بالتقويم العبري أقيمت رسميا مراسم افتتاح مقر السفارة الأمريكية الجديد في القدس. في مبنى القنصلية الأمريكية سابقا في القدس في حي "ارنونا" الواقع على حدود خط هدنة عام 49 بين شرقي القدس وغربها أقيمت مراسم افتتاح المبنى الجديد للسفارة بحضور رسمي أمريكي. 

 

وفقا للبروتوكولات الدبلوماسية المقرة في اتفاقية فيينا عام 61 فإن مساحة الأرض التي تقام عليها السفارات الأجنبية هي ضمن سيادة الدولة الأجنبية صاحبة السفارة وتسري عليها قوانينها وليست ضمن سيادة الدولة المضيفة التي تتبع لها الأرض. بحسب التصريحات الرسمية الحالية فإن المقر الحالي للسفارة في القدس هو مؤقت لحين العثور على مساحة مناسبة في موقع آخر في المدينة، ويبقى الموقع الذي سيتم تحديده معضل، حيث أن شرقي المدينة معترف به دوليا كأراض محتلة، ما يعني أن الولايات المتحدة ستفرض سيادتها على أراض محتلة بحسب القانون الدولي، ما سيصبح فعليا احتلالا دبلوماسيا للأرض!

   undefined

 

هذه الخطوات الأمريكية المتمثلة بنقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل" وصفت بأنها مقدمة لـ "صفقة القرن" التي يتوقع أن يعلنها ترامب بعد منتصف يونيو المقبل والتي قال مبعوثه للشرق الأوسط غرينبلات أن الفلسطينيين هم طرف فيها؛ لكن ليس الطرف المقرر، في إشارة إلى أنها ستفرض على الفلسطينيين.

  
الوصول إلى تسوية مفروضة على الفلسطينيين دون مفاوضات بات يعززه مواقف بعض الدول العربية التي ألمحت الولايات المتحدة أنها مستعدة للتطبيع مع "إسرائيل" مقابل تحالف الأخيرة معها في مواجهة ما أسمته "الخطر الإيراني"، والحصول على الحماية الأمريكية. حصول "إسرائيل" على التطبيع مقابل أوراق إقليمية أخرى غير ذات صلة بالشأن الفلسطيني يسقط إحدى أوراق التفاوض على حل القضية الفلسطينية؛ ف "إسرائيل" التي تسيطر فعليا على مجمل الأرض وتتحكم فيها ليست بحاجة إلا إلى الأمن والتطبيع والاعتراف بيهودية الدولة كما يصرح مسئوليها، وإذا ما حازت على التطبيع مع دول الجوار العربية والاعتراف بيهوديتها وفق صفقة بعيدة عن الشأن الفلسطيني؛ فإنه يمكن الافتراض أنها ستلجأ لفرض الأمن بالقوة أو العزل وبالتالي تصبح ليست بحاجة لشيء تفاوض عليه الفلسطينيين وعليه لن تعطيهم شيئا من حقوقهم، وسينشط فرض الأوضاع على الفلسطينيين.

   
توجه الفلسطينيون لمجلس الأمن للاعتراض على قرارات للولايات المتحدة التي تملك حق النقض فيه خيار معرف فشله مسبقا لا يجدي الفلسطينيين نفعا. سلسلة من الاعترافات تطالب بها "إسرائيل" الفلسطينيين ومن خلفها الولايات المتحدة بدأت بالاعتراف بدولة "إسرائيل"، وما تزال مستمرة بالمطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة وبالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وبإنهاء حق اللاجئين بالعودة، وهو ما يعني عمليا القضاء على القضية الفلسطينية وسحبها من على الطاولة واستبدالها برزمة قرارات مفروضة للتنفيذ.

 

وتبقى مدينة القدس خط أحمر في خارطة رفع الاحتلال منها بالحرب منذ نصف قرن الخطوط الخضراء التي وضعها سابقا بالحرب أيضا، مدينة احتلت بحربين يزعم الاحتلال أنها ستصبح عاصمة موحدة له تحت راية "النجمة الزقاء" و"النجوم البيضاء الدبلوماسية"! ويبقى للفلسطينيين "حق" و"قدس" و"أرض" و"قضية" يوثقهم التاريخ وينكرهم الاحتلال والسياسة الأمريكية المحتلة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.