شعار قسم مدونات

هل بدأت تهل بشائر الربيع بالأردن؟

blogs الأردن

يومُ الاربعاء الثلاثون من أيّار/مايو 2018، بدأ إضراب الأردن، ذلك الإضراب الذي دعتّ إليه النقابات المهنيّة كافة أطياف الشعب الأردني احتجاجا على سياسات حكومة المُلقي وآخرها قانون ضريبة الدخل. كانت البداية لهبّةٍ شعبية "عفويه" في وجه سياسات الإفقار والجباية؛ تعجز الكلمات عن وصف مشاعري وما اُريد كتابته، ويحضرني مقطعٌ من النشيد الوطني: "الشبابُ لن يكلَّ همّهُ أن يستقلَّ أو يَبيد"، شبابك يا وطني قاموا وهتفوا بصوتٍ عالٍ، وبحّت الأصواتُ وتعبت الأجساد لليالٍ؛ لأجلك يا وطناً عشقناه وما هان علينا تركهُ.

لأجلك يا وطن هبَّ الشيبُ والشباب، الرجالُ والنساء وبكافة الأطياف وفي نسيجٍ وطنيّ وبقلبٍ واحد ينبض بحُب الوطن، قالَ الشعبُ كلمته وأسمع العالم هدير صوته: "عاشَ الوطن…وعاشَ المواطن حُراً ابياً"، هذا الحِراك الشعبي الخالص الغير مُنتمي الّا للأردن، كانَ جديداً، غيرَ مسبوق في تاريخ الهبّات الشعبية في الأردن من حيث اعداد المُحتجين ومناطق الاحتجاج في كافة أنحاء المملكة، لذلك جاءت النتائج باكراً إذ لم ينتهي اليوم الخامس من الحِراك إلّا وقد استقالت الحكومة تحت ضغط الشارع، وسقوط الحكومة لم يكن سوى مطلب من عدة مطالب هتف بها الشعب وما زال.

من تلك المطالب على سبيل الذكر لا الحصر: سحب مشروع قانونيّ الدخل والخدمة المدنية، إعادة الدعم الحكومي للخبز، تغيير النهج الحكومي، ومُحاسبة الفاسدين الذين يعرفهم المواطن جيداً وتقديمهم للعدالة.. إلخ، لم يتوقف الحِراك والاحتجاج الشعبي لمُجرد استقالة الحكومة رُغم أن خبر الاستقالة كان مُفرحاً جداً وبدايةً مُبشّره بقوة الاحتجاج والحراك الشعبي، لكنّ الشعب يعيّ تماماً أهمية هذه الهبّة ونتائجها عَقب صمت طال أمدهُ.

البُشرى تكمنُ في "الوعي"، وعيٌ بدور المواطن في تقويم الخَلل إن وُجد وبأنهُ مصدرٌ للسلطات، وبأن احتجاجهُ حقٌ مشروع

تكمن البُشرى في "وعيّ" المُحتج وقوات الأمن وقد رأينا مشاهداً وصور من ميادين الاحتجاج، صِدقاً تقشعرُّ لها الأبدان، من المُحتجين الذين يهدونَ رجال الأمن ورداً، وماءً وابتسامات وتحياتٍ كـ"الله يعطيكم العافية وسامحونا"، كذلك وعي المُحتج وثباتهُ في وجه المُثبطين والمُدّعين، في عدم التراجع عن المطلب الأساسي وهو: "الإصلاح الحقيقي المبنيّ على اُسس متينة وفق خُطط معقولة" لا "تخدير" الاحتجاج بوعودٍ تكررت كثيراً، وبأشخاص كذلك تكرروا وأثبتوا عدم قُدرتهم على تحمّل المسؤوليات. كافة المُحافظات استجابت وخرجت للهُتاف والمُطالبة باسترداد خيّرات الوطن وإسقاط الفاسدين الذين عاثوا في الوطن فساداً وتمادوا في غيّهم وإفسادهم، وكبداية إشراق صباح يومٍ جديد في انبلاج الفجر وتبدد الإظلام شيئاً فشيئاً.. بَدى الجسم الوطني المُتماسك ثابتاً ومُقدماً على ما يُريد بلا تردد وتراجع.

بشائرُ الربيع، بَدت واضحة ووافرة؛ ربيعٌ طال انتظاره، وأتى مُبشراً بغد أفضل ويومٌ لا مكان فيه إلّا للذي يهتف: "موطني.. موطني"، يقف المواطن مُمسكاً علم الأردن مُنادياً بأعلى صوته ويقفُ الدركيّ أمامه يحول بينهُ وبين التقدم، يعلم المواطن جيداً بأنه يهتف بصوت الدركيّ وكل الأردنيين، لا فرق بينهم إلّا المسؤولية وكلاهما يعرفان بأن الوطن: أغلى ما يملكان، تسمعُ القيادة مُمثلةً بالملك الذي يُصرّح بحق المواطن في الاحتجاج وبتقصير المسؤولين.

مثلما ذَكرتُ سابقاً بأن البُشرى تكمنُ في "الوعي"، وعيٌ بدور المواطن في تقويم الخَلل إن وُجد وبأنهُ مصدرٌ للسلطات، وبأن احتجاجهُ حقٌ مشروع.. ولغياب الإعلام الرسمي عن الحَدث صارَ كل مواطن إعلاميّ ينقل الخبر تارةً بصورة وتارةً بفيديو مُسجل أو ببثٍ مُباشر لمشاهد الجماهير الاحتجاجية، فتحولت مواقع التواصل لمسَرح يَعرض طيلة الوقت -تقريباً- الاعتصامات في كافة أنحاء المملكة، ولهذا الأمر سلبيات بطبيعة الحال كتداول بعض الأخبار العاجلة والإشاعات ونشرها على المواقع والصفحات قبل التأكد من صحتها. ولكنني مُتفائلٌ رُغم كل شيء، ومؤمن بالقول السائد: "من رحم المعاناة يولد الأمل"، ذلك الأمل الذي وُلد منذ أيام، وُلد في ذروة العاصفةُ التي لم تكن سوى سحابةٌ عابرة، لكنها أمطرت وسَقت أرضاً عطشى للماء والغد الأفضل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.