شعار قسم مدونات

وإن يَسْتَعْفِفْنَ خيرٌ لَهُنْ.. (١)

مدونات - حجاب 1

ممّا لا شكّ فيه أنّ الدّين الإسلامي حثَّ النِّساء على الحِشمة والسِتر، وما دعا اللّٰهُ سُبحانَه وتعالىٰ عبادَهُ لشيءٍ إلاّ لغايةٍ ساميَة ومنفعةٍ لهُم، وهكذا هو الحَال مَع دعوتِه لنِساءِ المؤمنين بالحشمة والسِتْرْ، وذلِك لسدّ الأذى عنهُنّ وعدَمِ انتهاك عرضِهِنَّ بقولٍ أو فعلٍ أو غيره، حيثُ قَالَ العزِيزُ الحَكِيم في سورة النُّور: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
    

وما أجملِ لذّةَ السِترِ والعفافْ، رُغم أنّ هنالِك الكثيرات مِمَّن أصبحْن يرتدينِ الحِجابَ على سبِيلِ الموضة أو بالإكراه من الأهل، ممّا يؤولُ بهِنّ إلى الاكتفاءِ بوضعِ غطاء الرأس ولِبسِ ما يحلو لهُنّ من ثيابٍ معه، ثياب لا تَختلِفُ كثيرًا عن ثيابِ المتبرّجات…، ثمّ نتساءل بعد كلِّ هذا عن سبَبِ انتشارِ ظاهرتيْ التحرُشِ والاغتصاب، ونُلقي باللّوم على الشباب دون أنْ نوجّه أصابع الاتّهام أيضًا إلى الضحايا اللّواتي هُنّ بالأساس إحدىٰ أسباب تفشي مثلَ هذهِ الظواهِر، بالرّغمِ أنّ هنالِك فئةٌ من الرّجال مهما تعففت المرأة واحتشمت فإنّ احتشامها لم يَمنعُهم من التحرُّشِ بها ولو بالقول. لكن، ألا يلعبُ المظهر الخارجي للمرأة دورًا هامًا أمام هذه الظاهرة؟ ألا ينجذِب الرّجال لما يرونه من مظاهر العُريّ والتبرّج فيقضي بهم الأمر لما لا يُحمدُ عُقباه؟ فأنّىٰ لهم أنْ يغضوا من أبصارِهم ونحن النّساء لم نساعدهم في ذلِك بل ساهمنا وبشكلٍ كبير في إثارتهم بما نرتديه من ملابس مخلةٍ بالحياء؟

  

مالهم إن لبست متبرجة فستانًا أسودًا قصيرًا جعلوه رمزًا للأناقة والجاذبية وإن احتشمت به مسلمة جعلوه كيس قمامة، إنّ أعظم نعم اللّٰه على الواحدة منّا أن يطعمها اللّٰه تعالىٰ لذة ارتدائه

قد ترى بعض الفتيات أنّ الحجاب قيد يمنعها من الاستمتاع بحياتِها وممارسة العديد من الأمور الّتي تشتهيها نفسُها، إلاّ أنّها لو تعطي لنفسِها فرصة ارتدائه لغيّرت رأيها، فهُنالِك بعضُ الأمور الّتي لن نتمكّن من استشعار لذّتها دون تجربتها، ولذّة السترِ لَن يستشعِرها إلاّ من جرّبها، فما أجمل أنْ يقذِف اللّٰه في قلبِ المرأة حبّ الحشمة والعفة، فلا ترضىٰ بغيرِ السّتر عملاً بأمر اللّٰه تعالىٰ ورغبةً في التقرُّبِ منه أكثر.

  
فليس هنالكِ مَن صَدَقَت في نِية ارتدائه للّٰه عزّ وجلّ وطبقته كما جاء في الشّرع والسّنة ودخل في قلبِها النّدم، بل العكس سَتُحِسُّ بعد ارتدائه كأنّها ملكةٌ تمشي على الأرض تختلُجها مشاعرٌ كثيرة، من فرحٍ وبهجة وفخر وثقةٍ بالنّفس، كطائرٍ محلّق في السّماء بعيدًا عن كلّ البشر. فيؤثّر في نفسِيتها وشخصيتها وتتغيّر كلّ تعامُلاتِها من الحَسنِ إلى الأحسن، ويومًا بعد يوم قد نجدها تجاهِد في التغيير من مظهرها أكثر فأكثر رغبةً في كسبِ رضوان اللّٰه تعالىٰ والتقرُّب منه، فإن كانت تلبسُ مع الحجاب كعبًا عالٍ فستتخلى عنه، وإن كانت تضع طلاء الأظافر فستستغني عنه، وغيرها من الأمور الّتي قد تستخدِمها النّساء دون إدراك منهنَّ لربما، بأنّها تجلبُ لهُنّ الأذى من العبد قبل الرّب، فيبثُّ اللّٰه تعالىٰ في نفسِها السّكينة والطُمأنينة ويزيدُها إيمانًا وطاعة. وعن عبد اللّٰه بن عُمر رضي اللّٰه عنهما قال: (قال رسول اللّٰه صلّ اللّٰه عليه وسلّم: سيكون في آخر أمّتي نِسَاءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ، على رُؤوسِهِنّ كأسنمةِ البُختِ، العَنُوهُنَّ فإنَّهُنّ مَلعونَات.) رواه الطبري وصحّحه الألباني

 

ألا يكفي حديثُه عليه الصّلاة السّلام أن يزرع في قلوبِنا الخشية، فلا نتبرّج تبرُّج الجاهليةِ الأولى ونسعى لكلّ ما يقرّبُنا من اللّٰه تعالىٰ ويُجنِّبُنا نار جهنّم الّتي فضلها بعضُنا رغبةً في شهواتِ الدّنيا وملذّاتها. فما أسهل أن تُبدي الواحدةُ منّا زينتها والأعظم أن تستعف أمام كلِّ هذه المغريات لتكون لؤلؤة مصونة ورمزًا للعفّة والنّقاء. وقال جلّ جلالُه أيضًا في سورةِ الأحزابْ: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"-59- وفي هذه الآية يظهرُ جانبٌ آخر من السّتر والعفة، ألا وهو النّقاب فقوله تعالىٰ " يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْن"، وهذا ما اختلف عليه أهل التّفسير فالبعض فسّره على أنّ المقصود من الآية: (هو أن يغطين وجوههن ورؤوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا واحدة.) وآخرون فسّروه على أنّ إدناء الجلباب يعني: (أن تقنع وتشد على جبينها.)، ومن هنا اختلفت المذاهب في وجوب ارتداء النّقاب فمنهم من قال أنّ ارتداءه من سنّة الحبيب ومنهم من قال أنّ واجبٌ كوجوب الحجاب.

  
فمن اكتفت بارتداء الحجاب فقد سلِمت ومن اقتدت بلباس أمهات المؤمنين فقد زادها قربًا للّه تعالىٰ وعفةً، رُغم أنّ هنالك الكثيرون الآن ممّن يسخرون مِن اللّواتي يلبسن النّقاب ويتعجبون منهُنّ ويلقبونهُنّ بالخفافيش وأكياس القمامة السوداء، فمالهم إن لبست متبرجة فستانًا أسودًا قصيرًا جعلوه رمزًا للأناقة والجاذبية وإن احتشمت به مسلمة جعلوه كيس قمامة. إنّ أعظم نعم اللّٰه على الواحدة منّا أن يطعمها اللّٰه تعالىٰ لذة ارتدائه في زمنٍ أصبحت الحشمة والعفاف أمرٌ يثير عجب النّاس وغرابتهم وتلقبُ المنقبة منهُنّ بالمتخلفة، بيد أنّ من يكشِفْنَ أكثر ممّا يستُرْن يعِشْنَ بحريةٍ ويطلق عليهن بالمتحضرات والمتفتحات، فأين التحضر في ملابسِ الجاهلية الأولىٰ؟ وبينما تُجاهِد الكثيرات لإقناع أهلها بارتداء النّقاب نجِد أنّ المتبرجات يعشن بطلاقة ويحظين بقبولٍ ورحابة صدرٍ بين المجتمع، أيّ مجتمعٍ مسلمٍ هذا الذّي أصبحت الحشمة فيه جريمة والعريّ تحضرًا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.