شعار قسم مدونات

غريب في جيبي!

blogs mobile phone

غريبٌ في جيبي يشغلني عما حولي، ابقيه بجانبي طوال اليوم، اتفقده بين الحين والآخر، ابحث عنه إن لم اجده في جيبي، لا انساه أبداً. قد تتساءل من هو هذا الغريب لكنك لن تعرفه لمجرد اعتباره جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية التي لا تكاد تخلو من أي نشاط عليه، مثلاً: مكالمة صوت أو فيديو، رسالة نصية، إشعار فيس بوك، إلخ.

نعم إنه الهاتف المحمول الذي أصبح في جيبنا طوال اليوم لا يمكننا الاستغناء عنه أبداً، في الشارع، المنزل، العمل، المطاعم، المحلات التجارية، الدوائر الحكومية وغير الحكومية، في كل مكان يخطر في بالك قد تجده حتى أننا نبحث عن كلمة المرور لأي شبكة إنترنت تواجهنا لكي لا نفقد التواصل مع هذا العالم الافتراضي. فإن أراد احدنا على سبيل المثال محادثة شخص ما قمنا بإرسال رسالة نصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي في تزايد مستمر، من دون التفكير بإجراء مكالمة هاتفية وسماع صوته والاطمئنان عليه! لماذا؟

تذكر أن هذا الغريب قد يضعك في عزلة عن العالم الخارجي حت ى قد يبعدك عن نفسك أيضاً حيث اللارجوع، فكر وقرر أين تريد أن تكون من هذا العالم

ربما تكون الإجابة أنه أسرع ويوفر علينا الوقت والمال، نعم من الممكن أن تكون هذه الأسباب صحيحة لكنك فقدت من خلال هذا التفضيل المشاعر والصوت والضحكة والتعبير وكل ما يتصل بالقلب من احاسيس لمجرد كتابة رسالة قد لا تستغرق ثواني! من منا يخرج من دون تفقد ذلك الغريب ما إذا كان في جيبه أم لا؟! اعتقد أن الإجابة واضحة جداً أن لا أحد، بل على العكس فإننا نحرص جيداً على إبقائه بجانبنا طوال الوقت وفي كل مكان، وبهذا نكون قد نجحنا في بناء جداراً بيننا وبين العالم الخارجي لا يمكن تجاوزه إلا بترك ذلك الغريب جانباً ومحاولة العودة للواقع عن طريق التواصل مع من حولك بالكلام والحوار، أو سماع الأخبار من الراديو أو التلفاز، أو الذهاب إلى الأصدقاء بدلاً من المحادثات الجماعية، أو قراءة جريدة القدس مثلاً أو…

ومع ذلك لا يمكن نكران ما توصلنا إليه من تقدم وتطور في جميع مجالات الحياة بسبب هذه التكنولوجيا التي سهلت علينا حياتنا وأضافت طابع التطور العلمي والاجتماعي، لكن يبقى هناك خوف كبير من تحول حياتنا إلى أداة تتحكم بها هذه التكنولوجيا في كل جوانب الحياة بدءاً "بالروبوت الآلي" إلى ما لا نهاية. اسأل نفسك الآن هل يمكنني الاستغناء عن هذا الغريب ولو ليوم؟ فماذا يحدث إن قمت بإغلاقه ووضعه بعيداً؟ أو هل سبق وتفقدت هويتك الشخصية عند خروجك من منزلك كما تتفقد ذلك الغريب إن كان في جيبك أم لا؟!عن نفسي لم أفعلها، وأنت؟

لا تسعى إلى الهروب من واقعك فتبحث في المكان الخاطئ، لن ينفعك ذاك الغريب في شيء سوى الابتعاد إلى عالم مجرد من الواقعية، انظر إلى حياتك من بعيد وفكر ما إذا كنت لا ترغبها، بعدها قم بتصحيح ما تراه غير لائق بها المهم ألا تنسى أن عليك المواجهة يوماً ما مهما ابتعدت أو هربت. كن ممتناً لما تملك ولا تفقد جمال اللحظات السعيدة بالتقاط صورة سيلفي بل عش اللحظة فلن تتكرر ثانيةً. لا تحاول قراءة كتاب ما بواسطة ذاك الغريب، عبثاً لن تشعر بقيمة الكلمات ولا المعاني ولا أي شيء.. وإذا كان لا بد من تواجده في جيبك فاحرص على استخدامه ساعات قليلة من النهار أو الليل، اذهب إلى الطبيعة، مارس هواياتك، اخرج من المنزل وابقيه في خزانتك، قم بعمل غير اعتيادي، ارسم ضحكة على وجه طفل، ساعد محتاج أو يتيم، بر والدِيك، افعل ما يحلو لك المهم أن تستغني عن كونك أسير لذلك الغريب. تذكر أن هذا الغريب قد يضعك في عزلة عن العالم الخارجي حت ى قد يبعدك عن نفسك أيضاً حيث اللارجوع، فكر وقرر أين تريد أن تكون من هذا العالم!

 

ختاماً، ليس هدفي هو إثارة الشكوك حول أهمية هذا الغريب في حياتنا بل إنني أرغب في توضيح كم علينا أن نكون واقعيون في حياتنا، فأنت وأنا وهو وهم لن نتركه بين يومٍ وليلة، لكن فكر ملياً فيما ذكرت سابقاً لربما تعطيني الحق فنحن بشر نخطأ. المهم معرفة كيف اعطي الأشياء التي في حياتي قيمتها بحيث لا تكون واحدة على حساب أخرى، لا تجعل هذا الغريب يستحوذ عليك بوجوده، ما يذهب اليوم لن تجده غداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.