شعار قسم مدونات

جزر الكويت.. ذكاء أمير في صد الدبابير (1)

blogs الصين و الكويت

شعرت بسعادة حينما شاهدت خبر تطوير العلاقات الاقتصادية الكويتية الصينية وكانت النقطة الأبرز هي تطوير الجزر الكويتية ومشروع مدينة الحرير، حيث حدثتني نفسي أن هذه الخطوة ستسهم في إضعاف السيطرة الأمريكية على المنطقة العربية ورسم تحالف قوي يمنع استمرار الابتزاز الأمريكي الترامبي تجاه الدول الخليجية، ثم هتف بي هاتف قائلاً: وهل لدول الخليج أن تخرج قيد أنملة عن المسار الأمريكي؟، فرددت عليه: ولما لا؟! التاريخ يخبرنا بأن التحالفات تنبني على المصالح وأن عصر القطب الأوحد في طريقه للأفول وأن تعدد الأقطاب ضرورة لابد منها.

 

فهتف نفس الهاتف: أي أقطاب وأي تحالفات يا رجل هذه الدول مستعمرات أمريكية لا تملك من أمر نفسها شيء. ابتسمت قائلا: لا أيها الهاتف، الموضوع أكبر وأعمق من هذا الظن، هذه الدول ليست مستعمرات بدليل القضية المثارة حول التدخلات في الانتخابات الأمريكية والاتهامات التي تحوم حول ولي عهد (أبو ظبي) وتدخله لصالح ترامب، هذه الدول وإن كانت صغيرة ومتواضعة عسكرياً إلا أنها تملك ثروات هائلة وتلعب على التوازنات وللأسف هناك من انحرفت بوصلته وانزلق في وحل الصهيونية ظناً منه أن الدعم الذي يمكن أن تقدمه الصهيونية هو أمر فوق الخيال وهو الضامن لبقائه، بئس الظن ظنه!

لكن في حالة الكويت يمكنني أن أشرح لك عزيزي سبب إعجابي بما تصنع ولعب السياسة بذكاء كبير وحسن تدبير، وهذا ظني وما أحسب وقد بنيت هذا الاعتقاد على عدة أسس، دعني أتناولها بشيء من الإيجاز الذي يتناسب مع المساحة المخصصة هنا في المقال وأرجو من الله – سبحانه – ألا يكون إيجازاً مخلاً بالمعنى المراد توضيحه.

بداية لفهم خريطة التحالفات لدى الكويتيين لابد من إلقاء نظرة سريعة على نشأة الدولة الكويتية، العلاقات مع محيطها الخليجي، العلاقات الكويتية الإنجليزية، العلاقات الكويتية الأمريكية، العلاقات الكويتية الإيرانية، الاقتصاد الكويتي، تأثير شخصية الأمير في بلورة السياسة الكويتية.

أولاً: نشأة الدولة الكويتية:
العلاقات معقدة للغاية في منطقة الخليج وهناك مؤامرات ومكائد وسياسة الطعن في الظهر وقد ظهر ذلك واضحاً بعد تحالف بن سلمان مع بن زايد وتخريب مجلس التعاون الخليجي

كانت الحياة في شبه الجزيرة العربية تقوم على الترحال طلباً للرزق ، وآل صباح من العتوب والعتوب اسم يشمل مجموعة من الأسر في شرق الجزيرة العربية، وهم آل بن علي وآل صباح و آل خليفة وآل جلاهمة وأسر أخرى والعتوب ليسوا قبيلة وإنما هم أفخاذ عدة تنتمي لقبائل متعددة كان موطنها نجد فهاجرت بسب المجاعة أو الجفاف الذي أصاب أواسط شبه الجزيرة في منتصف القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر الميلادي واستقرت على شواطئ الخليج حيث تحالفت مع بعضها البعض وتصاهرت فيما بينها، وبالرغم من تباين النسب عندهم إلا أنهم يرجعون بأصولهم الأولى إلى قبيلة عنزة المعروفة في أواسط نجد، وللاستزادة يمكنك الرجوع لكتاب تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر للدكتور جمال زكريا قاسم.

استقر العتوب في الكويت والتي كانت ضمن حكم بني خالد حكام الإحساء، ثم تحالف ثلاثة من أهم الزعماء وهم صباح بن جابر بن سلمان بن أحمد وخليفة بن محمد وجابر بن رحمة العتبي زعيم الجلاهمة على أن يتولى صباح الرئاسة وشؤون الحكم وأن يتشاور معهما ويتولى خليفة شؤون المال والتجارة ويتولى جابر شؤون العمل في البحر وتقسم جميع الأرباح بينهم بالتساوي ولكن ظل ذلك تحت الحكم الخالدي المباشر وللتدقيق في هذه الأمور ومعرفة تفاصيل أكثر يمكنك الرجوع لكتاب (بنو خالد وعلاقتهم بنجد) للدكتور عبد الكريم بن عبد الله الوهبي.

بعد أن تمكن العتوب من تعيين صباح بن جابر حاكما لهم، حاول أن يثبت مركزه بأن ذهب إلى والي بغداد العثماني سنة 1717 لكي يوضح لهم بأنهم لا يبغون ضُرا بأحد، فنجح في ذلك ومنحه الوالي لقب قائمقام في 1718م. ولما شعر أمير الإحساء سعدون بن غرير بنفوذ حاكم الكويت أرسل إليه طالبا المفاوضة معه، فأرسل ابنه عبد الله، فتم الاتفاق على: اعتراف أمير الإحساء بحكم الشيخ صباح على الكويت، وألا تنضم الكويت إلى خصومه.

وهكذا تشكلت ملامح دولة الكويت ثم تكون من أهم المراحل البارزة في تاريخ الكويت مرحلة مبارك الصباح والذي يلقب بمبارك الكبير وهو الحاكم السابع للكويت من أسرة الصباح والذي ينص الدستور الكويتي بأن جميع حكام الكويت من بعده هم من ذريته بأبنائه وأبناء أبنائه وكثير من المؤرخين يعتبرونه مؤسس دولة الكويت الحديثة، ثم تأتي بعد ذلك فترة عبد الله السالم المبارك الصباح وهو أمير الكويت الحادي عشر وفي عهده نالت الكويت استقلالها عن بريطانيا سنة 1961 ووضع الدستور سنة 1962 وأسس نظاماً يعتبر الأكثر ديمقراطية في محيطه الخليجي عبر تشكيل مجلس الأمة، كانت هذه أبرز الملامح في نشأة الكويت.


ثانياً: علاقات الكويت مع محيطها الخليجي:

تقع دولة الكويت شمالي شرقي شبه الجزيرة العربية، في أقصى شمال الخليج العربي، ويحدها من الشمال والغرب العراق ومن الجنوب السعودية ومن الشرق الخليج العربي. وفي العموم العلاقات معقدة للغاية في هذه المنطقة من العالم وهناك مؤامرات ومكائد وسياسة الطعن في الظهر وقد ظهر ذلك واضحاً بعد تحالف بن سلمان مع بن زايد وتخريب مجلس التعاون الخليجي ومحاولة تهميشه عبر مجلس سعودي إماراتي للتعاون المشترك، تاريخياً العلاقة مع السعودية متذبذبة نتيجة الحروب والثارات القديمة وأطماع حكام السعودية فلطالما كانت الكويت مطمعاً من جيرانها جميع جيرانها في العموم فمنذ تاريخ بعيد والكويت والسعودية بينهما حروب ودماء منذ معركة خكيكرة (1811) ضد الدولة السعودية الأولى وحتى الحرب النجدية الكويتية (1919–1920) التي وقعت ضد الدولة السعودية الثالثة وكان هناك المنطقة السعودية الكويتية المحايدة التي جرى ترسيم سنة 1967م، وفي المقابل وقف الكويتيون والسعوديون في معارك جنباً إلى جنب ضد عدو مشترك لهما.

تشهد الحدود العراقية الكويتية توتراً على فترات متفاوتة لدرجة أن الكويت اتخذت إجراءات أمن مشددة جداً على امتداد الشريط الحدودي، كما أقامت الكويت منفذاً وحيداً لعبور المدنيين والبضائع للعراق
تشهد الحدود العراقية الكويتية توتراً على فترات متفاوتة لدرجة أن الكويت اتخذت إجراءات أمن مشددة جداً على امتداد الشريط الحدودي، كما أقامت الكويت منفذاً وحيداً لعبور المدنيين والبضائع للعراق
 

أما العلاقة مع العراق فهي في غاية التعقيد وخصوصاً في مسألة ترسيم الحدود وأخر ما تم الاتفاق عليه في عام 1993 صدر قرار مجلس الأمن رقم "833" لترسيم الحدود بين الكويت والعراق واعترفت الكويت به فيما اعترف العراق بالقرار في عام 1994 ،وهناك الأزمة العراقية الكويتية (1961) بعد حصول الكويت على الاستقلال، طالب رئيس وزراء العراق عبدالكريم قاسم في 25 يونيو 1961 بانضمام الكويت إلى العراق بحجة أنها قضاء تابع للبصرة وحدثت مناوشات، وأيضاً حادثة الاعتداء على الصامتة وهي هجوم قامت به القوات العراقية على مركز الصامتة الحدودي التابع للكويت، تبع الهجوم العراقي توغل القوات العراقية لمسافة ثلاثة كيلو متر داخل الأراضي الكويتية وكان ذلك في 20 مارس 1973.

 

وبعد انتهاء حرب الخليج الأولى عام 1988 (والاسم الأشهر لها الحرب العراقية الإيرانية) بدأت بوادر خلافات بين الحكومة العراقية والحكومة الكويتية، كانت الذرائع الأساسية للعراق هي خلافات حول بعض آبار النفط في المناطق الحدودية وفي 2 أغسطس 1990 اجتاحت القوات العراقية الكويت وأطاحت بحكم آل الصباح لحين عودتهم بعد هزيمة الجيش العراقي على يد قوى التحالف فيما عرف بحرب الخليج الثانية.

ولا زالت العلاقة متوترة إلى الآن رغم تطبيع العلاقات ومشاركة الكويت في إعمار العراق وذلك لقضايا عالقة أهمها التعويضات: وتقدر قيمتها بنحو 177.6 مليار دولار أميركي وهي التعويضات الناجمة عن الاجتياح العراقي للكويت عام 1990 وأقرت الأمم المتحدة منها 37.2 مليار دولار استلمت الكويت منها 9.3 مليار، ومن القضايا العالقة الديون: تقدر ديون الكويت على العراق بحوالي 13.2 مليار دولار أميركي بدون الفوائد المالية المستحقة على هذه الديون، وقضية حقول النفط المشتركة وتشهد الحدود العراقية الكويتية توتراً على فترات متفاوتة لدرجة أن الكويت اتخذت إجراءات أمن مشددة جداً على امتداد الشريط الحدودي، حيث أقامت موانع كثيرة تشمل خندقاً حدودياً وأنبوب حديد عائقاً للسيارات، وسوراً مكهرباً وأبراج مراقبة بصرية وحرارية. كما أقامت الكويت منفذاً وحيداً لعبور المدنيين والبضائع إلى العراق.

وأود الآن الانتقال إلى الحديث عن العلاقات الكويتية الإنجليزية لكن المساحة الباقية في المقال لا تكفي لذلك سأتناول بقية العناصر التي أريد الحديث عنها في المقال القادم – إن شاء الله – حتى تتضح الصورة ونفهم التحالفات الكويتية كيف تحدث وكيف تدار ولماذا الاتجاه نحو الصين في هذا التوقيت تحديداً وكيف أن هذا التحول له ما بعده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.