شعار قسم مدونات

صراع الفايسبوك والكتاب.. من الفائز؟

blogs - facebook

وأحسب أني لو هويت فراقكم.. لفارقته والدهر أخبث صاحب
فيا ليت ما بيني وبين أحبتي.. من البعد ما بيني وبين المصائب

– المتنبي

ربما لم يخطر ببال المتنبي، وهو واقف في الصحراء العربية يُلقي بيته هذا، أن ما قاله سيُخلد ليكتبه شخص على موقع إلكتروني بعد قرون من موته، لكن هذا التخليد ربما يحتضر في غياب من يقرأ الشعر بصفة خاصة والأدب بشكل عام في المشهد العربي، ولعل المتنبي لو عاش في زمننا الحالي لغيّر كلمات بيته للشكل التالي:

وأحسب أني لو هويت فراقكم.. لفارقته والدهر أخبث صاحب
فيا ليت ما بيني وبين أحبتي.. من البعد ما بين العرب ومطالعة الأدب

لكن، بعيدا عن كيل الاتهامات للأخر والادعاء الفضفاض أن العرب لا يقرأون رغم أن نسبة كبيرة لا تقرأ وممارسة التعالي الأكاديمي الذي يوهم صاحبه أن قراءة كتاب تجعله أرقى من الأخرين وترخص له جواز نعت العرب بالجهل، بعيدا عن كل هاته الاتهامات التي لم تزد طول هاته السنين سوى من توسيع الهوة بين القارئ والذي لا يقرأ، سنحاول في هذا المقال النبش بين جذور الأسباب لعلها تكون شعلة للأخر في سبيل التغيير.

فما الأسباب التي جعلت الكاتب لا يقرأ له سوى زملاءه الكُتّاب الاخرون، وجعلت الكتاب الذي تباع منه 10 ألاف نسخة تطبع عليه عبارة "أفضل المبيعات" في عالم عربي، يبلغ تعداد سكانه 250 مليونًا، ومع ذلك يعجز أي كتاب عن الوصول إلى 1 بالمائة من هذا الجمهور، ولماذا هذا النفور من الكتب؟

لكل عصر أدواته الثقافية ووسائله المستخدمة في التواصل بين أفراده، ولا شك أن العصر الذي نعيشه باتت الصورة فيه حاضرة في الكثير من المجالات

أزمة تراجع القراءة ليست حصرا على منطقتنا العربية، فقد نشرت جريدة واشنطن بوسط دراسة أكدت أن عدد الأمريكيين الذين يطالعون الكتب من أجل الاستمتاع وليس الدراسة والبحث انخفض من 56 بالمائة سنة 1982 إلى 43 بالمائة حاليا، وحتى برامج الدكتوراه في دراسة الأدب والفنون في الجامعات الأمريكية قد انخفضت حسب نفس الدراسة بعد أن كان قد بلغ ذروته في السبعينيات بـ1400 برنامج دكتوراه في الجامعات، لكن العدد انخفض بنسبة الثلث منذ ذلك الحين.

ولا بد  أن التطور التكنولوجي عامل أساسي في هذا الانخفاض، خصوصًا بعد ظهور الإنترنت فبتحليل جميع الدراسات حول نسبة القراءة تُلاحظ تلك الطفرة التي بعدها تنخفض أسهم القراءة وهاته الطفرة تظهر دائما في الزمن الذي ظهر به الانترنت، فهو ربما المتهم الرئيسي في تردي نسب القراءة، فقد صارت الصورة والصورة المتحركة متاحة في كل بيت عبر الكمبيوتر والتلفاز، وفي كل يد عبر الموبايل، وربما استبدلنا بقراءة الأدب، قراءة مواقع التواصل الاجتماعي.

لكل عصر أدواته الثقافية ووسائله المستخدمة في التواصل بين أفراده، ولا شك أن العصر الذي نعيشه باتت الصورة فيه حاضرة في الكثير من المجالات، فلا يمكن نكران قيمة الصورة وتلخيصها لعدة مقالات، وقولها لما لا يمكن كتابته، صورة الشهيد الفلسطيني محمد الدرة وصورة الطفل الصومالي الذي يقف خلفه نسر، صور وأخرى أثبتت تفوقها على النص ووقوف الكلمات أمام القدرة على الوصف، وبكون الفايسبوك منصة واسعة للصور وتبادلها فلا بد أنه أرخى بضلاله على انخفاض القراءة حتى في أبسط الاشياء، بالفايسبوك انتقلنا من قراءة مقال اخباري حول نتيجة مباراة في كرة القدم إلى معرفة حتى نسبة الاستحواذ وليس فقط النتيجة عبر صورة واحد تشمل كل المعطيات.

يعتزل العرب الأدب العربي شيئا فشيئا، إن كان لأن العالم كله يعتزل النص لصالح المرئي، أو لأن العربية تموت أمام العامية
يعتزل العرب الأدب العربي شيئا فشيئا، إن كان لأن العالم كله يعتزل النص لصالح المرئي، أو لأن العربية تموت أمام العامية
 

ومن الطرق الأخرى التي تقتل الأدب، التطبيع مع لغة جديدة بمواقع التواصل الاجتماعي، ولا أقصد هنا اللغة الدارجة العامية فلأي لغة توجد نظيرة عامية، لكن أقصد ازدهار لغة جديدة مليئة بالأغلاط اللغوية التي كُرست لتصير قواعد نحو، ككتابة أنتي عوض أنتِ وغيرها الكثير من الأغلاط وكذا عدم مواكبة اللغة العربية للواقع المحكي اليومي وفقدانها لعدة كلمات فقط قارنوا بين العربية التي كُتب بها الشعر الجاهلي وعربيتنا الأن.. وكدا التطور التكنولوجي الذي يدخل كل يوم مصطلحات جديدة تجعل من قراءة كتاب باللغة العربية للذين يعيشون وسط هذا التسارع اللغوي شيئا صعبا وأكاديميا.

 

يعتزل العرب الأدب العربي شيئا فشيئا، إن كان لأن العالم كله يعتزل النص لصالح المرئي، أو لأن العربية تموت أمام العامية، وكل ما يقع الأن، يجعل التنبؤ بمستقبل الثقافة والأدب بالعالم كله تخمينا فقط، لكن ولنكون منطقين فالمستقبل الأدبي لا يبشر بالخير، ففي غياب ثقافة الكتاب وتقزيم قيمته وحصر دوره في اقسام الدراسة عوض كونه رفيقا للتسلية ومحفزا للتفكير سيفوز دائما الفايسبوك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.