شعار قسم مدونات

ياسمينة خضرا يخبرنا.. بم تحلم الذئاب؟

blogs بم تحلم الذئاب

"نتعامل في حياتنا مع أشخاص هم في الأصل بهائم في طور التحول إلى بشر. ومع ذلك هل نعي بأننا غالبا ما نلتقي بهائم هم في الأصل بشر في طور استرجاع طبيعتهم البهيمية؟"
– غفوة حواء / ثلاثية الشمال / محمد ديب.

عندما يشرّح محمد ديب بكلماته وتعابيره ويغوص في (النفس / الطبيعة) البشرية وفي حقيقة (الفرد / المجتمع) بهذا التعبير العَرَضي في روايته لكنه تعبير وتوصيف بليغ عن الحياة التي (نعايشها / عشناها) من الإنسان الأول إلى ما بعد الإنسان (post-human).

تقديم يبدو خارج سياق الرواية محل المراجعة لكن رواية ياسمينة خضرا؛ بماذا تحلم الذئاب؟ ستكون عن هذه التحولات والتغيرات التي تبدأ كأحلام واقعية بالتغيير نحو الحرية والعدالة الاجتماعية وللبعض حلم تحكيم الشريعة. لكن سيرورة الأحداث التاريخية ستكون عكس ذلك؛ فحيث تنتهي أحلامنا يبدأ الواقع وأحيانا تكون محلها كوابيسٌ، في جزائر ما بعد وقف المسار الانتخابي كان كابوسا مرعبا وحقيقيا عاشه شعبها بكل تفاصيله.

 

بدأ كل شيء كحلم جميل لكنه سرعان ما حُوّل لكابوس لم ينسى الجزائريون ملامحه لليوم وسيسكنهم رعبه مدة طويلة، عن هذا كانت رواية ياسمينة خضرا؛ "بماذا تحلم الذئاب؟" تلك الرواية التي كانت افتتاحيتها من خوالد ما قرأت في الذاكرة:

"لماذا لم يمسك جبريل رئيس الملائكة بذراعي عندما كنت أتأهب لقطع حنجرة ذلك الرضيع المتقد حمى؟ مع أنه بكل قواي ما كنت أعتقد أبدا بأن شفرة مديتي ستجرؤ على ملامسة هذا العنق النحيف الذي يتجاوز بالكاد معصم طفل صغير.


ذاك المساء المطر يهدد بابتلاع الأرض كلية. السماء غاضبة. طويلاً؛ انتظرت أن يدير الرعد حركة يدي، أن يخلصني برق من الظُلمات التي تحتجزني رهينة ظَلالاتها أنا الذي كنت مقتنعا أنني جئت إلى العالم للإعجاب والإبهار، أنا الذي حلمت بالاستيلاء على القلوب كل ذلك بفضل البركة الوحيدة لموهبتي.


إنها السادسة صباحا والنهار لا يشجع كثيرا على المغامرة في الشوارع منذ تنكرت الجزائر العاصمة لأوليائها. تفضل الشمس أن تبقى في عرض البحر منتظرة أن ينهتي الليل من حزم مشانقها".

الرواية تتحدث عن كيف تحول الظروف شابا جزائريا حالما بمستقبل في التمثيل والفن وتكبر تلك الأحلام يوميا، وتلك الأيام التي تمر تتحطم على جدران واقعها أحلامه ليكون مجرد سائق

لم يكن وليد نافع يعلم أنه لا جبريل ولا غيره من الملائكة سيمسك يده عن ذبح ذاك الطفل الصغير. ولا غيرُه كان سيعلم كيف سيوقف آلة قتله نحو سكان تلك البلاد التي تنكرت لهم آلهتها المعبودة وحتى المنسية في أعماق صحرائهم فلم يعد لدعاء قديسيها صدى ليسمع أمام صرخات نسائها وعويل أطفالها.

الجزائر بعد وقف المسار الانتخابي الذي تلى صعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ كممثل شرعي في البلاد بحكم صناديق الاقتراع لتدخل البلاد والعباد في دوامة عنف. كان ضحيتها شعب أعزل وجلاده فئتان تشرعنان قهرا قاتلا له، الأولى باسم الدين والله والأخرى باسم الوطن والحرية والضحية واحدة؛ عزل مورس عليه تقتيل خلال ما يقل عن عشرية من السنين غطت أرضها دماء الأبرياء وجوها رائحة الرصاص وظلال الخناجر، سنوات كانت كافية لقتل كل حلم بالعيش في سلام وكرامة مرة أخرى.

الحلم

نعم كلها كانت أحلاما حلم الإسلاميين بإقامة دولة إسلامية، حلم الديموقراطيين بتمكنهم من الاحتكام لدولة القانون وسلطة الشعب، شعب بسيط وحلم الشعب بالخروج من عنق الزجاجة لأول مرة من عصور غابرة للتنفس أولا ثم الطمع في عيش حياة كريمة. أحلام سرعان ما تحطمت أمام ما فرضه الواقع وسيرورة الأحداث الجارفة لكل ما أمامها – إلا أمراء حربها ومحيطهم أصحاب النياشين خاصة منهم.

عودة للرواية

الرواية عن كيف تحول الظروف شابا جزائريا حالما بمستقبل في التمثيل والفن تكبر تلك الأحلام يوميا، تلك الأيام التي تمر تتحطم على جدران واقعها أحلامه ليكون مجرد سائق لدى عائلة غنية ليتعايش مع واقعه المزري (حكاية أخذت أكثر من اللازم في الرواية طولا ورسمت بشكل لا أظنه يقارب الواقع المعاش للعائلات الغنية الجزائرية سنوات نهاية الثمانينات).

 

تلك الوظيفة التي يتعرف من خلالها على عالم لم يكن يعلم بوجوده وهو ابن الرجل الفقير القاطن بالحي الشعبي باب الواد. حي بدأت تتغير ملامح العيش تزامنا مع تخليه عن العمل لدى عائلة راجا (من الصدف والتزامنات الكثيرة والساذجة في الرواية) تغير بصعود تيارات الصحوة الإسلامية وعلو كلمتها والتي سرعان ما تحتضنه وترشده لطريق الهداية، طريق الله وهدي رسوله على نهج شيوخه لكنه طريق سيؤدي به إلى العمل السري لصالح الإسلاميين بعد وقف المسار الانتخابي ومن تم تصعيده للقتال في الجبال. قتال من؟ هناك سنرى ما يمكن أن ألخصه بالكلام الذي بدأت به المراجعة: "نتعامل في حياتنا مع أشخاص هم في الأصل بهائم في طور التحول إلى بشر. ومع ذلك هل نعي بأننا غالبا ما نلتقي بهائم هم في الأصل بشر في طور استرجاع طبيعتهم البهيمية؟".

undefined

ملاحظات:

* القراءة الثانية للرواية والقراءة الأولى من 10 سنوات مضت تجعلك تعتقد بأن الكثير من الأعمال تستحق القراءة لتعيد التفكير فيها وفي رأيك عنها.

* الرواية تصلح للتعرف على جزء من تلك الفترة من تاريخ الجزائر خاصة للقارئ العربي أو الأجنبي خاصة وأنها متوفرة بلغات عديدة.

* ترجمة أمين الزاوي للرواية أفضل من ترجمة عبد السلام يخلف وإن كانت جودة الطبعتين متعاكسة.

* الرواية فيها ما يشبه التقارير العسكرية أو الإخبارية ما يجعلك تتذكر خلفية الكاتب العسكرية.

* تسطيح مبالغ فيه للقضية الأساسية التي أدت لقيام الحرب.

* تجنب سؤال مهم ومحوري ولو عرضا هل الإسلاميون وحدهم سبب القتل خاصة للنخبة المثقفة حينها والمتسبب الوحيد للرعب في الجبال بالنسبة للسكان؟ هذا السؤال كان ولازال حاضرا.

* سطحية متكررة في بعض المواضع مع مبالغة في مواضع أخرى (أستثني العنف فلا يمكن لافضل كاتب أن يوّصف ما مر به ضحايا تلك الفترة) ومصادفات ساذجة تتكرر على طول الرواية.

* نهاية الرواية أو الأحداث التي أدت إلى نهايتها وكأن الكاتب يحاول أن ينهيها وفقط بأي طريقة لو بالتي أعطانا إياها (أسوء جزء في الرواية).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.