شعار قسم مدونات

مظاهرات البصرة.. هل انحرف المسار بتأثيرات إيرانية؟

blogs مظاهرات البصرة

أن يخرج أبناء وعشائر البصرة في مظاهرات فهو أمر طبيعي ومتوقع منهم ومن كل أبناء الجنوب العراقي بل من كل أبناء العراق من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه وذلك لما لاقوه ولا يزالون يلاقونه من شظف في العيش وغياب لأبسط مقومات الحياة والكرامة الإنسانية وهم يرون الذهب الأسود يجري تحت أقدام أبنائهم الحافية وأجسادهم العارية في أحياء بات يتكدس فيها البؤس والفقر والمرض والجهل وهم الذين كانوا يمنون أنفسهم بحياة من الرفاهية التي وعدهم بها الاحتلال والحكومات المتعاقبة التي جاءت بعده.

زاد من هذا الواقع المزري مأساوية ما يرونه بأم أعينهم من عيش رغيد في بعض أحياء المترفين الجدد من أبناء مسؤولي الأحزاب والمليشيات والشخصيات الدينية المتنفذة الذين ينعمون بالكهرباء والماء النقي والمدارس المتميزة والقصور والعربات الفارهة في مقابل انعدام شبه كلي للكهرباء وماء شديد الملوحة شحيح الوصول ومدارس من الطين يفترش تلامذتها الأرض أمام مدرس واحد أو اثنين يتولى تدريسهم كل المواد بنفسه.

لذلك كان خروج مثل هذه التظاهرات متوقعا بل متأخرا للوقوف بوجه الفساد والفاسدين الذين سرقوا البلد أو بددوا الميزانيات السنوية "الانفجارية" التي لم تحظ كل الحكومات العراقية السابقة بتحصيل نصفها طوال أكثر من 80 عام ومع ذلك يرون محافظتهم اليوم أشد بؤسا مما كانت عليه قبل الاحتلال حيث ازداد الفقر وتفشت البطالة وتدهورت الحالة المجتمعية والأخلاقية والصحية وتهالكت البنى التحتية.

ولكن مهلا ما علاقة كل ما ذكرناه بمقرات ومواقع شركات استخراج وتصدير النفط التي باتت بعض الأصوات تتعالى مؤخرا من داخل المظاهرات للتوجه إليها وتخريبها وحرقها وسرقة محتوياتها هل هو وعي متأخر بخطورة جولات التعاقد والتراخيص التي قدمت من خلالها الدولة العراقية للشركات الدولية شروطا لا تحلم بها في مكان آخر ولماذا يظهر هذا الوعي في هذا التوقيت بالذات وماذا عن الحديث الذي يدور حول بعض العشائر والجهات المسلحة المتنفذة التي تمارس سرقة النفط جهارا نهارا وتسيطر على بعض الموانئ الصغيرة لاستخدامها لتهريبه كما أكدت بعض التقارير وماذا عن النفط الذي يتم سرقته من قبل الجارة إيران من الآبار المشتركة أو المحاذية للحدود الإيرانية وأخيرا لماذا التركيز على شركة لوك أويل الروسية أكثر من غيرها وما علاقة ذلك بالموقف الروسي الإيراني من الأحداث في سورية والمنطقة عموما.

هل تستغل إيران هذه المظاهرات الشعبية العفوية لحظة انطلاقها لتنفيذ أغراض وأجندات لصالحها على حساب مطالب المتظاهرين في العيش بكرامة ومحاسبة السراق والفاسدين
هل تستغل إيران هذه المظاهرات الشعبية العفوية لحظة انطلاقها لتنفيذ أغراض وأجندات لصالحها على حساب مطالب المتظاهرين في العيش بكرامة ومحاسبة السراق والفاسدين
   

أي متابع للشأن العراقي يدرك أن العراق أصبح ساحة لتصفية الحسابات وتنازع الطموحات الدولية والإقليمية وبالتالي سيدرك بأن هذا الانحراف في مسار المظاهرات له أبعاد سياسية لا علاقة لها بساعات قطع للكهرباء الطويلة في ظل درجات حرارة تجاوزت الخمسين مئوية او بملوحة المياه وشحتها أو بالبطالة والفساد المالي والإداري وبقية الشعارات التي رفعتها المظاهرات قبل أن تتحول من مظاهرات عفوية إلى مظاهرات مسيسة بامتياز.

هل جاء الدفع باتجاه شركات النفط نتاج ضغوط من قبل إيران أو الأذرع المحسوبة عليها وهل وراء التركيز على شركة لوك أويل النفطية الروسية هدف آخر غير مطالب المتظاهرين لتتحول إلى ورقة ضغط على روسيا من أجل الاستجابة لطلبات علي ولايتي مستشار خامنئي الذي يزور موسكو بالتوازي مع هذا التصعيد غير المتوقع. من زاوية أخرى ما علاقة هذه التهديدات بالتهديدات التي أطلقتها إيران على لسان الكثير من مسؤوليها استباقا لحديث بات معلنا في الأروقة الدولية عن إعادة تنفيذ العقوبات المفروضة عليها تحت ضغوط أمريكية والتي تعني حرمانها من أكبر رافد ريعي من روافد دخلها القومي السنوي وهي واردات النفط على أعتاب حالة غير مسبوقة منذ عقود من الانكماش والتضخم والفقر والبطالة وانهيار العملة وتصاعد الاحتجاجات الشعبية.

آخر هذه التصريحات هي ما أوردتها وكالة أنباء البرلمان الإيراني نقلا عن نائب رئيس البرلمان علي مطهري قال فيها إن بلاده ستغلق مضيق هرمز الاستراتيجي إذا منعت الولايات المتحدة إيران من تصدير النفط وذلك ردا على التهديدات الأمريكية بتصفير صادرات النفط الإيرانية وهي تأتي صدى لتصريحات أدلى بها الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 2 يوليو تموز الجاري وهدد فيها بوضوح بأن منع إيران من تصدير نفطها يعني أن لا أحد في المنطقة سيتمكن من تصدير نفطه فهل بدأ تنفيذ هذا التهديد من العراق وهل تستغل إيران هذه المظاهرات الشعبية العفوية لحظة انطلاقها لتنفيذ أغراض وأجندات لصالحها على حساب مطالب المتظاهرين في العيش بكرامة ومحاسبة السراق والفاسدين الذين وللمفارقة يتبع أغلبهم السياسة الإيرانية في المنطقة ومشروعها التوسعي مشروع ولاية الفقيه وأخيرا هل يدرك الشباب المتظاهر كل هذا التشابك والتعقيد في المشهد الذي قد يجعل دماءهم وأصواتهم وقودا للحسابات في سوق المصالح والعلاقات الدولية أتمنى ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.