شعار قسم مدونات

العرب وطريق الحرير (3).. موريتانيا الجسر الاقتصادي

blogs الصين وموريتانيا

في مثل هذا اليوم من عام 1965 تمت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والصين خلال ظرفية دولية استثنائية يطبعها انقسام العالم إلى معسكرين، وخلال أكثر من خمسين عاما خلت صمدت هذه العلاقات صمود جبل تشين لينغ (shān Qinling) في ظل عالم متغير تغير تضاريس الكثبان الرملية في الصحراء الموريتانية، وقد مرت هذه العلاقات بمحطات تاريخية لا تنسى، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

 

دور موريتانيا البارز أثناء رئاستها للاتحاد الأفريقي سنة 1971 في استعادة الصين لعضويتها في الأمم المتحدة، ومن هذه المحطات أيضا إنشاء وإنجاز مشروع ميناء الصداقة في الفترة ما بين (1979-1986 )، الذي يعد شريان الحياة للاقتصاد الموريتاني، وبوابتها على العالم الخارجي، وهو ثاني أكبر مشروع نفذته الصين في إفريقيا بعد سكة حديد تنزانيا بتكلفة تقدر بحوالي 330 مليون يوان، وغيره من مشاريع البنية التحتية الكثيرة، التي نفذتها، ولا تزال تنفذها الصين في موريتانيا، والتي يعد كل واحد منها محطة من محطات فصول هذه العلاقات، وذلك لما لها من أهمية، وتأثير مباشر على حياة كل مواطن موريتاني، فلا أبالغ أبدا إن قلت بأن جل المعالم الحديثة لمدينة أنواكشوط عاصة موريتانيا بنيت بأيادي وتمويل أبناء النهر الأصفر حفدة التَنّين المهرة.

لكن هذه العلاقات، ورغم محافظتها على مستوى عالي من التطور، والتعاون المثمر في بعض المجالات على نحو يخدم مصالح البلدين الصديقين، إلا أنها تبقى دون المستوى المطلوب اقتصاديا واستثماريا، كما أن موريتانيا لم يزرها قط أي رئيس صيني رغم أكثر من عشرة زيارات لمختلف الرؤساء الموريتانيين للصين منذ 1967 حتى 2018.

ربط الرئيس الصيني شي جين بينغ تطور العلاقات الصينية العربية بنجاح مبادرة الحزام والطريق، وصرح على أن الصين ستقدم قروضا للتنمية الاقتصادية للدول العربية بحوالي 20 مليار دولار

اليوم وترجمة لمتانة أواصر الصداقة بين الشعبين الصيني والموريتاني، والعمل بحكمة الرعيل الأول، والسير على خطاهم، وتماشيا مع طابع الشراكة الاستراتيجية التي باتت تحكم العلاقة بين الصين، والأمتين العربية والأفريقية، وإدماجا للاقتصاد الموريتاني في هذه الشراكة العالمية ذات المنفعة المتبادلة، التي تضم أكثر من 65 دولة بحجم 30 في المئة من الاقتصاد العالمي، و63 في المئة من سكان العالم، نقترح أن تنضم موريتانيا إلى مبادرة "الحزام والطريق"، ونحن نعتقد أن الموقع الجيوستراتيجي لموريتانيا يخولها بأن تكون جسرا اقتصاديا، وممرا من ممرات قطار التنمية الصيني فائق السرعة، ونكتفي بذكر ستة أسباب رئيسية قد تدفع موريتانيا للانضمام إلى هذه المبادرة، وهي كالتالي:

أولا: الانضمام إلى هذه المبادرة يعتبر الخطوة الأولى على طريق الاستفادة من الظرفية العالمية الحالية، وما تتسم به من حروب الاستراتيجيات، ومرحلة مخاض ميلاد عالم جديد متعدد الأقطاب، فرغم كون أمريكا لا تزال القوة العظمى عالميا، إلا أن الصين قد برزت بوصفها قوة اقتصادية وعسكرية جديدة، وقد علمنا التاريخ قديمه، وحديثه بأن صراع الدول العظمى يخلق فرصا استراتيجية لا تتكرر.

ثانيا: الطريق إلى التمويل الصيني أصبح يمر فقط عبر مشاريع هذه المبادرة، حيث ربط الرئيس الصيني شي جين بينغ تطور العلاقات الصينية العربية بنجاح مبادرة الحزام والطريق، وصرح على أن الصين ستقدم قروضا للتنمية الاقتصادية للدول العربية بحوالي 20 مليار دولار، وذلك خلال كلمته الافتتاحية أمام الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي المنعقد قبل أيام في بكين؛ وهذا ما يعني أن انضمام بلادنا إلى هذه المبادرة قد يمكننا من خلق بيئة جاذبة، وحاضنة، وضامنة لاستمرارية الاستثمارات الصينية في بلادنا.

ثالثا: الانضمام إلى هذه المبادرة قد يمكن موريتانيا من استغلال الموقع الاستراتيجي لمنطقة انواذيبو الحرة المفتوحة على إفريقيا، والعالم العربي، وأوروبا، عن طريق ربطها بطريق الحرير بتحويلها إلى ممر اقتصادي، ومنطقة تصديرية تخزينية أولا، وتصنيعية ثانيا تستهدف بشكل رئيسي الأسواق الإقليمية ثم العالمية، فلا ننسى أن قطارات طريق الحرير الصينية أصبحت تجوب أوروبا شرقا وغربا وصولا إلى إسبانيا، التي تبعد جنوبا عن الشواطئ الموريتانية حوالي 400 ميل بحري، بحيث تتولى بلادنا نقل البضائع عبر أراضيها إلى دول الجوار، والدول أخرى؛ مما سيخلق الكثير من فرص العمل وحركة اقتصادية يمكنها تشجيع المستثمرين العالميين على الاستثمار في مجال تطوير الطرق السريعة وربما السكك الحديدية في بلادنا والمنطقة.

انضمام موريتانيا إلى مبادرة
انضمام موريتانيا إلى مبادرة "الحزام والطريق" قد يشكل إعادة إحياء لدورها التاريخي التجاري كهمزة وصل بين شمال إفريقيا وغربها، وبالتالي تحويلها إلى ممر اقتصادي من ممرات طريق الحرير
 

رابعا: انضمام موريتانيا إلى هذه المبادرة قد يكسب موقفها من القضية الصحراوية دعما صينيا، فالحل السلمي الذي تطالب به بلادنا، هو كذلك أحد أهداف مبادرة الحزام والطريق، فطريق الحرير طريق للسلام، والرخاء، والانفتاح، والابتكار، والتَحَضُّر كما جاء على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال كلمته التي ألقاها في حفل افتتاح منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في مايو 2017، حيث قال: "كما أن إعادة إحياء طريق القوافل عبر الصحراء قد يخلق ظروفا جيوسياسية جديدة في المنطقة قد تفضي إلى المساهمة في حل مشكلة الصحراء، فقد يصلح الاقتصاد ما افسد التاريخ، وعجزت السياسية، والحرب عن إصلاحه".

خامسا: انضمام بلادنا إلى هذه المبادرة قد يكون سببًا في جذب المزيد من الدعم المالي والفني الصيني لمجموعة الخمسة بالساحل الأفريقية؛ مما قد يكسبها المزيد من القدرة على مواجهة التحديات الأمنية والارهابية في المنطقة. المنطقة البكر التي من الواضح أنها مقبلة على المزيد من الاستثمارات الأجنبية، التي يعتبر الأمن والاستقرار شرطها الأول.

سادسا: الانضمام إلى هذه المبادرة قد يعزز التعاون في مجال التعليم والتكوين عن طريق استفادة بلادنا من عشرات آلاف فرص المنح الدراسية والتدريبية، التي تتيحها الصين للدول الموقعة على مذكرة التفاهم للتعاون معها في إطار هذه المبادرة.

إن انضمام موريتانيا إلى مبادرة "الحزام والطريق" قد يشكل إعادة إحياء لدورها التاريخي التجاري كهمزة وصل بين شمال إفريقيا وغربها، وبالتالي تحويلها إلى ممر اقتصادي من ممرات طريق الحرير، الممر الذي لابد أن تسلكه قطارات التنمية الصينية في طريقها من وإلى شمال افريقيا وغربها (المنطقة البكر)، والذي ندعوا المستثمرين الصينيين، والعرب للمشاركة في بنائه تحقيقا لمبدأ هذه المبادرة في تعزيز التنمية المشتركة والربح المشترك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.