شعار قسم مدونات

هكذا عندما تكون القوة هي الناطقة!

blogs ترمب

الإنسان كغيره من الحيوانات يحتكم بالقوة عند الضرورة، ولكن يختلف عن الحيوانات في احتسابه التداعيات التي ستترتب عند استخدام القوة، وتساعده ذلك قوته العقلية التي تميزه عن سائر الحيوانات في احتكامه على ملكة العقل التي من الله سبحانه وتعالى، قبل استخدام القوة التدميرية ضد عدوه. ولكن في بعض الأحيان يكون الإنسان بمنزلة الحيوانات، ويحتكمون بقانون الغابة يأكل القوي الضعيف، وذلك عند غياب ملكة العقل والحكمة وماتت الإنسانية، بحيث لا يرحم أي أحد يقوم ضد مصلحته الخاصة.

فالمجتمع الإنساني ينقسم إلى أمم وسلالات وأعراق مختلفة، وهم مختلفون في اللسان والألوان والعادات والتقاليد والمعتقدات الدينية والبيئة المعيشية، وفيهم أفراد مختلفون في القدرات العقلية والميول النفسية والمصالح الخاصة.. وغير ذلك من أوجه الاختلاف التي تجعل المجتمع الإنساني قابلاً للتفاعل والصراع معا في آن واحد.

فاستخدام القوة ليصل الإنسان لمقتضاه وفرض الرأي على الآخر، وسيطرة الموارد الاقتصادية والأخذ بنصيب الأسد هي منتشرة حتى الآن وبشكل كبير كما كانت سابقا في التاريخ الإنساني، وهذه هي المشكلة الرئيسية في العلاقات بين الشعوب، مادام الكل يحاول السيطرة وأخذ حصة الآخر بقوة الصاعد والسلاح، عن طريق الاقتتال واستخدام القوة ليعطي نفسه الحق في أن يكون الحكم وصاحب السلطة العليا في أي نزاع بهدف الدفاع عن مصالحه وأهدافه الخاصة.

في العصور القديمة كانت إمبراطوريتي الفرس والروم تتقاسمان السيطرة على معظم العالم المأهول وقتئذٍ، وكانتا قوتين عظيمتين ومتجاورتين كثيرتي الاحتكاك والنزاع

ولكن أسباب استخدام القوة متعددة ومختلفة، فقد يكون سببها لتوسيع النفوذ على حساب الآخرين، أو لتحقيق مصالح معينة ضد أفراد يختلفون في تحقيق المصلحة، أو للحصول على مناطق الرعي الجيد أو الطعام كما كانت في العصور القديمة. ولكن من السنن الكونية أن نظام العالم دائما متوازن بين قوتين مضادتين، لكي تحصل سنة التدافع والتوازن حتى لا يطغي أحد ولا يفسد في الأرض، ويقول الله عز وجل في سورة البقرة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) صدق الله العظيم.

وفي العصور القديمة كانت إمبراطوريتي الفرس والروم تتقاسمان السيطرة على معظم العالم المأهول وقتئذٍ، وكانتا قوتين عظيمتين ومتجاورتين كثيرتي الاحتكاك والنزاع، وكانت الحروب سجال بينهم. وعند ظهور الإسلام وأسست الدولة الاسلامية في المدينة المنورة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، بدأت تتوسع وتقارع الدول العظمى آنذاك وحاربت الجور وأقامت العدل، وشعر الناس الطمأنينة تحت سقف الدولة الإسلامية، وتوالت دولة بعد دولة في قيادة الأمة الإسلامية، حتى سقطت الخلافة العثمانية التي كانت آخر خلافة إسلامية تجابه القوة الكفرية وغطرستها.

وقد ظهر نظام جديد بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ظهر نظام القطبين الذين يمثلان نظام العالمي المتوازن، ويتقاسمان نفوذ العالم، وهما المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي بقيادتي (الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة). ولكن قد حل النظام الأحادي القطب مكان الثنائي القطبي بعد نهاية الحرب الباردة نهاية القرن العشرين، وتفردت الولايات المتحدة على قيادة العالم، وتفوقت المجال العسكري والاقتصادي بشكل كبير على أي دولة أخرى في العالم، وتمتلك أقوى الأسلحة التقليدية وأسلحة التدمير الشاملة، ما يجعلها قادرة على هزيمة أي دولة أخرى في العالم.

هناك مرابطون لا يهابون الموت ويجابهون صدروهم بالرصاص الحي، ولا يخافون قوة عدوهم فواجهوا بقلة عتادهم، وأقسموا أن يدافعوا عن حرمة بيت الله المقدس رغم أنف المتآمرين
هناك مرابطون لا يهابون الموت ويجابهون صدروهم بالرصاص الحي، ولا يخافون قوة عدوهم فواجهوا بقلة عتادهم، وأقسموا أن يدافعوا عن حرمة بيت الله المقدس رغم أنف المتآمرين
 

ويرى الكثيرون أن العالم في ظل القطب الواحد، أدت إلى استفراد الولايات المتحدة بإدارة العالم وفقا لإرادتها وخارج عن القوانين الدولي، وأصبحت اللاعب الوحيد في الساحة الدولية، فكل الأزمات الدولية تنتظر أمريكا أن تتدخل أو أن تقول رأيها، ودول العالم الآخر تراهن على الحلول القادمة من أمريكا، وهي حاضرة في كل مكان وفي كل الأزمات، وتتجاهل أدوار العالم الآخر وحتى الدول الأربعة الأخرى المصاحبة للنقض الفيتو، وقد تدخلت الدول الأخرى عسكريا وبدون موافقة مجلس الأمم المتحدة كحرب العراق 2003م، حيث أطاحت نظام صدام حسين والأمثلة كثيرة، وحولت كثير من الدول إلى دول فاشلة بسبب التدخلات الغير المحسوبة فقط أن تكون إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة.

هكذا عندما تكون القوة هي الناطقة تعبث بالعالم وتنشر الفساد، ولا أحد قادر أن يقف أمامها لا ناهي ولا حتى منصح، فأمريكا أعلنت كلمتها من قبل وأصبحت قاعدتها الأساسية (إما أن تكون معنا أو ضدنا) لا نقاش آخر فإما أن تكون معسكرها أو أن تكون الملعون فتبحث مخبأ، ولا أحد يناصرك لأن الآخرين أصبحوا بوقها بسبب قوتها الإعلامية التي لا تقهر، وقسمت العالم إلى محاور محور الشر والتي لا بد من استئصاله، ومحور معتدل يكون يدها القاطع وسيفها الصارم لتقتل كل من حاول العبث أو الوقوف ضد مصلحتها، ومحور هو الحق في كل شيء يجب مناصرته لتحقيق مآله لسيطرة ما سموه أرض الموعود أو أرض الأجداد حسب تاريخهم المزعوم، ولتحقيق ذلك انتهكت الأعراض وقتل الأطفال والعجزة، وأسر وهجر الرجال، ولا أحد يتحدث عن الحقيقة، بل أقرَو أن من حقها أن تدافع نفسها وكأنها تحارب ضد جيش مسلح، قد تساوت بين الضحية والجلاد.

ولكن من نعم الله سبحانه وتعالى هناك مرابطون لا يهابون الموت ويجابهون صدروهم بالرصاص الحي، ولا يخافون قوة عدوهم فواجهوا بقلة عتادهم، وأقسموا أن يدافعوا عن حرمة بيت الله المقدس رغم أنف كل هؤلاء المتآمرين وهم موقنون أن الله سينصرهم ويمحق كيد الكافرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.