شعار قسم مدونات

هاجر.. فأنت لست صخرة!

blogs لابتوب

تعوَّدنا في أوطاننا البكاء على الأطلال، حتى أّنه في برامجنا التعليمية درسنا كيف طال سُبات العرب وعملنا على تحليل أحزاننا وكم نحن ضائعون داخل حدود رسمها لنا الاستعمار فقنعنا بها دون نضال أو تمرّد لا علينا فهذا تمهيد لحالنا اليوم، فنحن الجيل الذي اجتاحه الضجر لم يجد طريقة للهروب من مآسيه إلاّ بأخذها في الأحضان والاعتياد عليها، نعم فقد استفحل الملل في شباب اليوم وإيّاك أن تحدِّثه عن التفاؤل فذاك بمثابة مرحلة حاول ارتِشاف جرعات منها لتغيير وضعه إلى الأحسن لكنّه فشل كما فشل سابقوه، والخطأ الفادح الذي نرتكبه في حق أنفسِنا هو عدم المحاولة في 99 مرّة لعلّها تُصيب في 100 (نعم هكذا تقول كُتب التنمية البشرية). هذه بمثابة مقبِّلات تقود إلى الجوع الأضخم وهو الرغبة الشديدة في الهجرة، الرحيل بعيداً حيث هناك أناس جدد، عادات جديدة، ثقافة مختلفة نحاول اكتشافها، فنحن نعلم يقينًا أنّ الشهادة التي نتحصّل عليها ليست سارية المفعول في الضفة الأخرى، طبعاً لا مجال للصلاحية! كيف؟ وهي دون جدوى ها هنا..

  
في إحدى المرَّات كانت حالتي النفسيّة مزرية عرفت أمي ذلك وأنا أتجوّل في البيت، تارة أضحك على أتفه الأسباب وتارة أخرى أطبخ وآكل في كل وقت، كما صدَّعت رأسها بالثرثرة، ثم تحوّلت في اليوم التالي إلى آلة تتحرّك دون كلام حتى الأكل طلّقته، حينها استوعبت أمي أنِّيَ أمر بمرحلة ما بعد التخرج: "أخجل من أن أقول بطالة لأنِّيَ أعطف على نفسي".. قالت تكلّمي ما بك: "آه كأنّها أطلقت سراحي من السجن انفجرت الكلمات كالبركان، أرأيتِ يا أمّاه لقدد درست عبثًا أخبريني كيف سأحقق أحلامي الكثيرة التي أحدّثك عنها يوميًا فتبتسمين لي، أممم حسنًا عرفت لماذا كنت تبتسمين أشفقتِ على حالي لذا لم تنفجري ضاحكة، فأنتِ تعلمين يقيناً أنِّيَ أعيش وهماً لن أحقق منه ملاذًا… ردّت علي أُصمتي ماذا تقولين، إن كان الوضع كارثيًا هكذا لماذا سافرتِ خارج مدينتك للدراسة، لو بقيتِ معيَ في المنزل كان أفضل، هيا حرّكي نفسك وابحثي عن عمل وحينما تُغلق كلّ الأبواب في وجهك لنا حديث آخر، ثُمّ تعالي هنا ألم تقرري ألف مرّة السفر خارج البلد، هاجري إذاً وحققي ذاتك بعيدا عن هنا، فلستِ الوحيدة التي تعيش البطالة، تحرّكي ففي الحركة بركة".

 

لم أهمل الموهبة التي أعشقها، وحتى أطورها شاركت في مسابقات عديدة منها من فشلت فيها مرتين فثلاث، لكن كلّ مرة أعرف أين الخطأ وأحاول تداركه

نعم معها حق فأنا لم أتراجع ولا للحظة عن إخبارها ببحثي عن عمل يحترم تعب السنين، لم أنسى يوما تذكيرها أنِّيَ سأهاجر وآخذها معي كي أُعرِّفها على العالم، لكن حينما أعيد شريط سذاجتي أكاد أصفع نفسي، رغم ذلك أعتبر أحلامي بريئة ذنبها الوحيد أنها دُفنت قبل أن تبلغ رُشدها. أرأيتم كم أنا بارعة في البكاء على الأطلال، وحتى أذكِّركم لست أنا فقط الكثيرون هكذا، فما الحل يا ترى للخروج من هذا المأزق؟ الحقيقة حينما يكون الإنسان مُشبَّعاً بالملل، فاقداً للأمل يتحجٍّر دماغه ويصعب عليه إيجاد حلول، إذ يقال بأن التفكير في المشكلة يجعلها أضخم، فمن الأفضل التفكير في الحلول ووضع البدائل، على هذا الأساس رتّبت مجموعة من المهدِّئات التي تملأ الفراغ وتُكسب معارف أخرى لربما تُفيدنا جميعًا، فما هي يا ترى؟

  

1. الحصول على شهادة في اللغة: كلنا نعلم أن اللغات مفتاح لعديد الفُرص حول العالم، وعلى هذا الأساس كان الدافع للهجوم على غوغل والبحث عن مراكز تُعلّم اللغة عبر شبكة الأنترنت، هذا أمر إيجابي من ناحية التعلم المجاني فالمراكز الخاصة على أرض الواقع تطلب مبالغ كبيرة بالرغم من أنّ المادة التعليمية متوفرة مجانًا لكنّها تستلزم إرادة قوية خاصة في فترة العطلة حيث أن الكثيرين يبحثون عن الراحة والاستجمام من تعب الدراسة أو العمل، فمن كان له الحماس لفعل ذلك فهنيئًا له، كما أشجّع أيضًا الدراسة في المراكز لمن كان يملك المبالغ المطلوبة فالحوار المباشر مع الأستاذ والطلبة يُسهّل أكثر اتقان اللغة.

 
2. تطوير مواهبك: قد ننشغل بالدراسة لأنّنا في بداية المشوار نكون مُتخَمين بأحلام اليقظة، لكن حين الاصطدام بمشاكل المجتمع المتفشيّة نُدرك بأنّ الجامعة لا تمنحك الوظيفة، بل الشغف والخبرة هما الباب للكسب المادي، وكلنا دون مثالية مُفرطة نريد ذلك لأنّه وسيلة تسهّل أمور عديدة، والحقيقة أنّه من يملك موهبة الرسم، الكتابة، الطبخ وصنع الحلويات.. وغيرها من الأمور الجميلة التي تُلوّن شحوب الواقع، فليعمل عاجلاً على تطويرها وعدم هجرانها، أن يخصّص لها وقتًا وسط انشغاله، فقد تكون هي قاربه لعبور عالم البطالة ذات فُرصة.

 
3. متابعة المواقع التي توفٍّر منح ودورات مجانية: تركت هذا الخيار للأخير لأنّه يعتمد بشكل كبير جداً على الخيارين السابقين، فأثناء بحثي عن فُرص للسفر كان ضمن الشروط اتقان لغة ثانية خاصة اللغة الإنجليزية إلى جانب اللغة الأم، تصادفت ببرامج ممولة بالكامل من معاهد ومراكز في أوروبا وأمريكا لمساعدة الشباب، المثير أنّها لا تشترط الشهادات فقط بل نسبة كبيرة منها تبحث عمّن يملكون مواهب كالكتابة والرسم، تمنحهم راتب شهري مُغري، إقامة مجانية لمدة سنة أو ستة أشهر، تذاكر السفر ذهابًا وإيّابًا، إلى جانب خضوعهم لدورات تدريبية، فهل يوجد أجمل من هكذا فُرص تمنحك الحياة والتفاؤل.
    undefined

 

لست مثالية إذ لا أخفيكم أنِّيَ لم أبدأ بالتعلّم واتقان عديد اللغات بعد، لكنّيَ أبحث عن مواقع تُساعد على ذلك خاصة التي تمنح شهادة، فضمن شروط التوظيف خارج حدود الوطن هو شهادة إتقان اللغة، لكن رُغم انشغالي بالدراسة طيلة السنوات الماضية لم أهمل الموهبة التي أعشقها، وحتى أطورها شاركت في مسابقات عديدة منها من نلت فيها الجائزة الأولى، ومنها من كنت الرابعة، ومنها من فشلت فيها مرتين فثلاث، لكن كلّ مرة أعرف أين الخطأ وأحاول تداركه.

 
النصيحة التي أتركها بين السطور هو عدم تضييع الفُرص، فمن مدة ضيّعت فُرصة للمشاركة في دورة تدريبية للكتابة لم يطلبوا فيها لغة ثانية فقط وجوب إتقان اللغة العربية والكتابة بها جيِّدًا مع المعرفة ببعض الكلمات بالفرنسية أو الإنجليزية حتى يسهل التجول في تلك المدينة الأوروبية -نسيت اسمها- في حال رغب المُشارك القيام بجولة سياحية، لم أُرسل طلب المشاركة لأنّ الخوف من الرفض تملّكني، ندمت كثيراً بعدها كونها لم تتكرر وقد لا يحدث أبداً، فما كان ينقصني في تلك اللحظة هو الحماس فلا داعي للخوف ما دمنا نتعلّم، فلا تُضيِّعوا الفُرص وبادروا.

 
هاجر فأنت لست صخرة لا تعني أن تتمرَّد لمجرّد التمرُّد، أو أن تُسافر لأجل المُتعة وتضييع الوقت والجهد في اللاشيء، الهجرة تتطلَّب معرفة وخبرة، تتطلَّب ثقة كبيرة في النفس مع التسلّح بالمعرفة، حتى الصخور تتحرك من مكانها بفعل التغيُّرات الجوية، والمغزى هنا هو التحرّك لما فيه نفع لك وللإنسانية فكما تقول الحكمة: "الحركة ولود والسكون عاقر".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.