شعار قسم مدونات

جزر الكويت.. ذكاء أمير في صد الدبابير (3)

مدونات - الشيخ صباح الأحمد الكويت

نعود لنكمل حديثنا الذي بدأناه منذ أسبوعين والذي تناولت فيه رسم خريطة ذهنية للتحالفات لدى الكويتيين في محاولة لفهم الاتجاه ناحية الصين، وقد تناولت خمسة عناصر من أصل سبعة، ولكني في المقال الماضي لم أكمل العنصر الخامس وهو العلاقات الكويتية الإيرانية وكنت قد توقفت عند نقطة أثر الحرب العراقية الإيرانية على العلاقات الكويتية الإيرانية حيث في هذه الفترة شهدت الكويت أحداثاً أمنية في منتهى الخطورة تمثلت في تفجيرات متفرقة وفي أماكن هامة.

 

في ديسمبر 1983م حاولت شاحنة اقتحام السفارة الأمريكية في الكويت ولكنها لم تستطع دخولها وحدث التفجير في مبنى إداري مرفق بالسفارة، وكان هناك محاولة مشابهة عند السفارة الفرنسية والأخطر محاولة تفجير مصفاة نفط هامة في الكويت ومحطة تحلية المياه ومصنع الشعيبة للبتروكيماويات ولكن التفجير لم ينجح ومع ذلك لم تتوقف محاولات الزعزعة فقد استمرت انفجارات سيارات مفخخة أخرى في برج المراقبة في مطار الكويت الدولي ومركز مراقبة الكهرباء ومقر سكن الموظفين الأميركيين في شركة رايثيون التي كانت تقوم بتركيب نظام صاروخي في الكويت.

 

وجرت التحقيقات وأدانت السلطات إيرانيين وعراقيين ولبنانيين ومواطنين كويتيين في هذه الأحداث وتحدثت الكويت عن وقوف إيران وراء ترتيب وتدبير هذه الأحداث، وكان الحدث الأخطر على الإطلاق هو محاولة اغتيال أمير الكويت وقتئذ الشيخ جابر الصباح وكان ذلك في مايو من العام 1985م حيث هاجم انتحاري بسيارته المفخخة موكب الأمير ونجى الشيخ جابر من الحادث وقد تبع محاولة اغتيال الأمير وأيضاً سبقها محاولات لخطف طائرات ومبادلة المخطوفين بمسجونين في السجون الكويتية.

  

شيعة الكويت هم عنصر وازن في الدولة حيث لهم تمثيل برلماني ووجود في المناصب المؤثرة ولا يعني ذلك أني أقحم شيعة الكويت في القضية ولكني أوصف حالة الاستقطاب التي حدثت في المجتمع

استمرت العلاقات في أدنى مستوياتها حتى احتلال العراق للكويت في أغسطس 1990م وهنا حدث تطور دراماتيكي في العلاقة الإيرانية الكويتية وأصبح هناك اتصالات وتنسيقات وترتيبات تتعلق بمواجهة الخطر العراقي ولكن التاريخ الفعلي لبدء العلاقات كان العام 1997م بعد قدوم خاتمي في إيران وانتهاجه سياسة التودد إلى الجوار والانفتاح على العالم الإسلامي فقد ظل يعمل على هذه الفكرة حتى بعد خروجه من الرئاسة حيث زار الأزهر الشريف في مصر في العام 2007م وقال جملته الشهيرة (الأزهر أمل المسلمين في إطفاء الفتن المذهبية).

 

وبدأت زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى الكويت في العام 1997م عام قدوم خاتمي وفي العام 2003م زار وزير الخارجية الكويتي إيران ووقَّع ثلاث اتفاقيَّات تجارية مع إيران، وفي العام 2014م زار أمير الكويت الشيخ صباح طهران ثم جاء بعد ذلك العام 2015م لتقع حادثة خلية حزب الله في الكويت أو خلية العبدلي لتتوتر معها العلاقة وبشدة وهذه الحادثة باختصار وفقاً لتصريح الشرطة الكويتية أنها خلية إرهابية تابعة لحزب الله اللبناني قامت بتخزين وحيازة السلاح في مزرعة بمنطقة العبدلي بالقرب من الحدود العراقية بكميات كبيرة وتمكنت الأجهزة الأمنية الكويتية من القبض عليها في تاريخ 13 أغسطس 2015م ومما أثار الفزع والقلق لدى المجتمع الكويتي عدد المواطنين الكويتيين المتورطين في الحادث وهو خمسة وعشرون كويتياً بالإضافة إلى إيراني واحد وفي 12 يناير 2016 قضت محكمة الجنايات الكويتية بإعدام إيراني هارب وكويتي بتهم منها التخابر لصالح إيران وحزب الله اللبناني وحيازة متفجرات، كما قضت المحكمة أيضًا بمعاقبة متهم واحد بالمؤبد ومعاقبة آخرين بفترات سجن مختلفة بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة، ومن الجدير بالذكر أن في آخر درجات التقاضي تم تبرأت ثلاثة عشر كويتياً من المتهمين.

 

وكان من تبعات هذه القضية أن قررت الكويت تخفيض عدد الدبلوماسيين العاملين في السفارة الإيرانية لدى البلاد، وإغلاق المكاتب الفنية التابعة للسفارة، وتجميد أي نشاطات في إطار اللجان المشتركة بين البلدين، وقد أحدثت هذه القضية نقاشاً مجتمعياً في الكويت اتسم بالاستقطاب والحدة وعلو النعرة المذهبية، ومما يجب ذكره وينبغي أن يفهم في سياقه ولا يجتزأ من السياق أن شيعة الكويت هم عنصر وازن في الدولة حيث لهم تمثيل برلماني ووجود في المناصب المؤثرة ولا يعني ذلك أني أقحم شيعة الكويت في القضية ولكني أوصف حالة الاستقطاب التي حدثت في المجتمع، فقد حدث تجاذب سني شيعي ظهر بصورة جلية في تغريدات المغردين في تويتر ونقاشات أعضاء مجلس الأمة تحت قبة المجلس.

  undefined

  

في فبراير 2017م قام الرئيس الإيراني حسن روحاني بزيارة رسمية لدولة الكويت مما يؤشر على بدأ تحسن العلاقات بصورة نسبية، وقبل أن أنتقل إلى العنصر التالي من حديثي في هذا المقال لابد وأن أعرض بشيء من الإيجاز لموضوع الجرف القاري حيث تعرف الأزمة الحدودية البحرية بين الكويت وإيران بـالجرف القاري وأصل المسألة وجود حقل غاز عند المثلث المائي الواقع بجزء منه على الحدود المشتركة بين الكويت والسعودية وبجزء آخر مع إيران، وهذا الخلاف يثار وقت الأزمات ويهدأ وقت هدوء العلاقة.

 

سادساً: الاقتصاد الكويتي

لن أتحدث بلغة اقتصادية بحتة لأن تلك هي مهمة المتخصصين في الجانب الاقتصادي لكني سأتناول الاقتصاد الكويتي من خلال معالمه البارزة والنقاط التي تساهم في تشكل الصورة العامة عن الكويت.

 

بداية الاقتصاد الكويتي، اقتصاد مهم ومؤثر إقليمياً وعالمياً نظراً لكون الكويت من أكبر الدول المصدرة للنفط وكما وضحت سابقاً عند الحديث عن نشأة دولة الكويت كيف تم توزيع المهام بين القادة الثلاث الرئاسة والحكم لصباح بن جابر وشؤون المال والتجارة لخليفة بن محمد وشؤون العمل في البحر لجابر بن رحمة وكيف كان الأمر منظماً بدقة وحسن تدبير.

 

تعامل الكويتيون بعدة عملات أشهرها الروبية الهندية قبل أن تصبح لهم عملتهم الرسمية وهي الدينار وذلك في العام 1961م والدينار الكويتي صاحب أعلى سعر صرف في العالم حيث يساوي سعر صرف الدينار الكويتي 3.3 دولاراً أمريكياً، ويمثل النفط عصب الاقتصاد الكويتي وهذا مما يعد أكبر عيوب الاقتصاد الكويتي في اعتماده على مصدر دخل رئيسي وحيد لأن التذبذبات في أسعار النفط العالمية تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد وإن كان هناك جهود حكومية تسعى لتنويع مصادر الدخل، إلا أن مساهمة القطاعات غير النفطية لم تتجاوز 9% وفق تقارير معلنة ولعل اتفاق الجزر هذا يكون من أهم سبل تنويع مصادر الدخل.

  undefined

 

ومن النقاط الواجب ذكرها عند الحديث عن الاقتصاد أن الكويت تمتلك خامس أكبر صندوق سيادي في العالم والذي تديره الهيئة العامة للاستثمار ويسمى صندوق الأجيال القادمة، بحيث تقتطع سنوياً اعتبارا من السنة المالية 1976/1977 نسبة قدرها 10% من الإيرادات العامة للدولة ويتم استثمار الرصيد ويضاف عائد استثماراتها إلى هذا الحساب، وفي عام 2013 تم تغيير نسبة الخصم من الإيرادات، حيث أصبحت 25% بدلا من 10%. وقد أنشأت الكويت الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في 1961م وكانت عمليات الصندوق في بداية الأمر مقتصرة على الدول العربية لكن في 1974م امتد نشاط الصندوق ليشمل باقي دول العالم النامية، وكذلك تبنت الكويت إقامة أول مؤتمر اقتصادي عربي في 2009م.

 

سابعاً: تأثير شخصية الأمير في بلورة السياسة الكويتية

إن الحديث عن الحكام وهم في السلطة أمر يحتاج إلى تصفية نية واستحضار مراقبة الخالق لا المخلوق، حيث أن الكلام عن الحكام تتدافعه التحيزات فإما أن يُمدح الحاكم طلباً لقربه أو خشية من بطشه وإما أن يُذم قُربة لعدوه أو إبرازاً لعنترية جوفاء وهناك مدح يخلو من التحيزات وذم كذلك يخلو من التحيزات وعندها يكون الكلام، موضوعياً، محايداً، ذا مصداقية.

 

تأثرت السياسة الكويتية بشخصية الشيخ صباح الأحمد بصورة لا ينكرها متابع، فالرجل الذي صعد إلى قمة الهرم في الـ29 من يناير 2006 بعد نقل مجلس الأمة سلطات الأمير سعد العبد الله السالم الصباح إلى مجلس الوزراء بسبب أحواله الصحية، وبايعه أعضاء مجلس الأمة بالإجماع بعد اختياره من مجلس الوزراء لهذا المنصب عقب تسلمه السلطات الأميرية.

  

 الشيخ صباح الأحمد عندما كان وزير الخارجية - 1998 (رويترز)
 الشيخ صباح الأحمد عندما كان وزير الخارجية – 1998 (رويترز)

 

تولى الشيخ صباح وزارة الخارجية ابتداء من 28 يناير 1963 فكان لأكثر من أربعين عاماً المحرك لدبلوماسية الكويت، تعامل الأمير مع حوادث جسام، ففي أثناء الغزو العراقي كان له دور بارز في حشد الجهود الدولية لإدانة الغزو حتى أن الاتحاد السوفياتي الذي كان حليفاً للعراق وله مصالح استراتيجية معه أدان الغزو، وفي الواقع المعاش أزمة حصار قطر حيث بقيت الكويت على الحياد الإيجابي عبر محاولة رأب الصدع دون الوقوف مع طرف على الآخر وقد كلفها ذلك الكثير ونحن في حل من ذكره لأنه واقع معاش.

 

وفي الداخل الكويتي تعامل مع أزمات متعددة بصورة قد نتفق عليها أو نختلف لأن كل عمل بشري لابد وأن ينقسم الناس حوله بين مؤيد ومعارض ولكن في المجمل حظيت معاملته برضا أكثرية تزيد وتنقص حسب جدلية الحدث ويمكنك القول بقلب مطمئن أنه اجتاز ببلاده فترات عصيبة ومنعطفات خطيرة بداية من التجاذبات بين مجلس الأمة والحكومة وما يمكننا تسميته بالعراك بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة، مرورا بمشكلة البدون ومشكلة الجناسي والتفجير الذي استهدف الشيعة.

  

وبالنسبة للعمل الخيري والذي تميزت فيه الكويت على مدى تاريخها، كانت للشيخ صباح بصمته إذ سُمي صباح الأحمد قائدا للعمل الإنساني وذلك في حفل أقامته منظمة الأمم المتحدة في 9 سبتمبر 2014م وفيه اختيرت الكويت مركزًا للعمل الإنساني، ومن هنا يتضح مدى تأثير شخصية الأمير في صنع الدبلوماسية الكويتية.

  

وعلى موعد الأسبوع القادم ـ إن شاء الله ـ لنفهم موضوع الجزر في ضوء الخريطة الذهنية التي رُسمت في الثلاث مقالات السابقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.