شعار قسم مدونات

رجل صالح للطلاق!

BLOGS طلاق

يحدث وأنتِ تسندين رأسك على كتف رجل وترمين ثقل أفكارك وهمومك على مسامعه لأعوام طويلة، وتمارسين دوراً وردياً حلمتِ به سنوات طفولتك وشبابك المبكّر، ثم مارستيه بحب في نضجك وذوّبتي هفواته بقلبٍ أتقن محو الذنوب، أن ينقلب دفء الكتف الذي كنت إليه تستندين؛ إلى جمرٍ تعجزين عن مداواة حروقه وتشوهاته الضاربة في عقر عاطفتك. كما يحدث أن يصبح الجنون واقعاً عادياً.

 

كنت أقلِّب ذاكرتي وأفتش في حجراتها التي تحتفظ عادةً برواياتٍ قديمةٍ تبقى نائمة حتى يأتي حدثاً جديداً يوقظها، وأيقظتها قصة سيدة انقلبت حياتها إلى سعي وراء حقوق كانت تعتبرها أساسية حين قرر زوجها وضع حد لحياتهما المشتركة بالطلاق، صدمتها لم تكن بانهيار زواجها لقرار لم يشاركها به، بل بزوجٍ كانت سنده وظنته سندها على مدى عشر سنوات، حوّله قرار تلاه لها ببضع كلمات حاسمة إلى غريبٍ يطالبها بترك منزله والانسحاب من حياته بعد أن تلملم أثر سنواتها معه، لأنه يرغب في حياة لا مكان لذكراها فيه. ولم أجد خلال بحثي في ذاكرتي، قصة طلاق عربية تمت وهي تراعي الحد الأدنى من إنصاف المرأة، التي تصبح في لحظات كائناً من أسئلة حائرة لا تملك إجابات لها ولا يملك هو ما يشفي دهشتها، وقد غدا كل منهما على قمة جبل وراح الوادي بينهما يتصدع أكثر عند طرح أي سؤال لأنّ الحقيقة التي تظهر في لحظة تخفي ركاماً من خفايا كانت غير مرئية.

 

صحيح أنّ أول خطوة نحو الطلاق، الزواج! كما قال الراحل أنيس منصور يوماً. فالطريق الممهد بالوعود والمفروش بباقات من أحلام انتهت بالزواج ليس ذاته الطريق الذي يسلكه الرجل عند الطلاق. لا أتوقع بالطبع أن يكون الطريق المؤدي إلى الطلاق كما هو في الزواج، لكن الرجل القادر على قطع الوعود والإيفاء بها في زواجه والالتزام بمسؤولياته اتجاه زوجته، ألا يجدر به أن يكون أكثر إنسانية بوعوده والتزامه نحو سيدة كانت قبل طلاقه شريكة لحظاته كلها، بدلاً من أن تحطمها رياح قراراته. لأنّ الرجل غالباً يمضي في حياته بعد الطلاق كأنّ الجزء الطويل الذي كانت بطلته لم يكن يوماً، بينما تختزل المرأة جل حياتها في سنواتها معه.

 

القانون، والعادات، والثقافة السائدة، والموروث، جميعها مرادفات لهدر حقوق المرأة، ليس غريباً إذاً أن يكون الطلاق وحش صامت تهاب المرأة طيفه إن حام حولها
القانون، والعادات، والثقافة السائدة، والموروث، جميعها مرادفات لهدر حقوق المرأة، ليس غريباً إذاً أن يكون الطلاق وحش صامت تهاب المرأة طيفه إن حام حولها
 

أتفكّر المرأة في مرحلة الحب كيف سيكون سلوك رجلها إذا أراد أحدهما الطلاق؟ كما تفيد شواهد الحياة حولنا سينقلب الزوجين إلى متصارعين على حلبة عواطف مشحونة بالمفاجئات. وجواب السؤال، “لا”، لا تبحث المرأة عن رجل صالح للطلاق كما تبحث عنه للزواج، رجل ينصف ماضيه معها، ويحترم فشل العلاقة الزوجية على أن تبقى إنسانية، فهذه الصورة تبدو فانتازيا شبه مستحيلة.

 

النهايات الحزينة ليست قصص الحب التي لا تنتهي بالزواج، ولا حتى الزواج الذي ينتهي بالطلاق، فتلك النهايات بدايات مجردة باستطاعتها أن تغادر رواسبها وأن تتخلى مع الوقت عمّا علق بها، وتنسى ماضيها بلا أثر، بل هي تلك النهايات التي يولد بها شخصيات دفينة لم نكن لنعرف وجهها القاسي لولا النهاية، والتي تسقط الزوجين من سماء الحب إلى هوة الصراع.

 

القانون، والعادات، والثقافة السائدة، والموروث، جميعها مرادفات لهدر حقوق المرأة، ليس غريباً إذاً أن يكون الطلاق وحش صامت تهاب المرأة طيفه إن حام حولها. عيشي حياتك كما لو كان السلام عطرك، واحتفظي بأسلحة الحياة كما لو أنّ صفارة الحرب تنذرك بوقوعها، فنحن نعيش عالماً يقطر خيالاً أكثر من كونه واقعياً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.