شعار قسم مدونات

المقاومة السلمية.. طريقك لهدم أسطورة الديكتاتور

blogs - عبد الفتاح السيسي

يوليو/تموز 1940 بدأ الجيش النازي الهجوم علي بريطانيا، والتخطيط لإحتلالها، فقام المدنيين بنزع وتغيير لوحات الطريق في الشوارع اعتقادا منهم أن هذا الفعل سيعرقل تحركات النازيين في المدينة ولو بالشيء البسيط. وعلى بعد بعض الكيلومترات في باريس رفض الفرنسيين النظر والتعامل مع الجيش النازي أو مشاهدة أي من العروض العسكرية أو طوابير المشاة النازية في المدن الفرنسية، كان الجنود النازيين في باريس يتبعون تعليمات صارمة بالإهتمام بالمظهر والسير بتباهي وسط الفرنسيين للفت الأنظار لكننها فشلت في تحقيق هذا الهدف. هذه الإجرائات لم تطرد الجيش النازي؛ بل خسرت ألمانيا بقوة السلاح في الحرب العالمية الثانية، ولكن ما السبب في إتخاذ كلاً من البريطانيين والفرنسيين هذه الطرق في التعامل مع المحتل في البدايات؟

 

اختيار العمل السلمي قد يبدو تافهاً للبعض ولكن يحمل في مضمونه رسالة من الشعب، أنه غير راضين ولن يترك حقه في تحرير بلاده؛ حتى في وقت الانكسار كان يقدم القليل من الأشياء تعزز إستمرارية النضال وتزعج المستعمر على الأقل دون أن يخسر الوكن أحد مواطنيه أو يقع في الأسر.

 

بعد انقلاب يوليو/ تموز في مصر اتخذ الجيش المصري نهج غاية في التوحش للتعامل مع كل ما هو مناهض لهم، وها نحن الأن يحكمنا نظام دكتاتور يشهد أبهي عصور القوى ويحظي بتأييد الجيش ويتحكم في البرلمان ويشارك قادة الجيش في إدارة البلاد والسيطرة على السوق، أيضاً يعتقل أكثر من مئة ألف من المعارضة المصرية، أما على الصعيد الدولى، فقد أثبتت الدول العظمى أنها لن تساعد الشعب المصري في التخلص من هذا الرئيس الديكتاتور.

 

لطالما حرض النظام الجديد لفكرة الهيبة واحترام الجيش والشرطة؛ على أنهم حماة للوطن، لا يجب أبدا المساس بهم أو معاملتهم مثل المواطنين، بل هم أفضل من المواطن البسيط، الأمر الذي يستنكره ما تبقى من الثوار ويرفضوا بشتى الطرق الالتزام به

لا يوجد سبيل أو طريق للتعبير عن الرأي في مصر أو الاحتجاج؛ إلا وتلقي بصاحبها في المعتقلات أو حتى الوصول لمحاكمة عسكرية بالإعدام. في نفس الوقت هاجم البعض فكرة الحراك السلمي ضد السلطة المتمثل في نشر صور للسخرية من العساكر أو إنطلاق (هاشتاقات) على مواقع التواصل، بأنها أشياء تافهة لا تجدي نفعاً. الرئيس المصري أقر أكثر من مرة بصورة مباشرة انزعاجه من حراك مواقع التواصل الإجتماعي، هذا يمثل خير برهان على أن الحراك من هذا القبيل على الأقل يزعج السلطة.

 

الحراك السلمي ليس بالشيء التافه غير المؤثر، فهناك الكثير من الأمثلة عبر التاريخ، لجأت إليها الشعوب في مقاومة السلطة أو الاحتلال سلمياً، أي تمكنت أن تقاوم السلطة المسلحة بفعل (لا شيء). انطلاق هاشتاج للسخرية أو المطالبة برحيل الرئيس هو (لا شيء) لكنه يزعج السلطة. عدم النظر للعسكريين في المدن هو (لا شيئ)، لكنه يفقد روح التباهي التي تسكن نفس كل من ينتمي للمؤسسة العسكرية. المدنيون المتمثلون في أصحاب محلات البقالة والمطاعم مثلا، الذين يقدمون خدمات للناس بما فيهم العسكريين، إذا تمكنوا من تأخر هذه الخدمات أو القيام بها بجودة أقل، فهو (لا شيء)، لكنه يزعج العسكريين، التوقف عن غرس أحلام الإلتحاق بالكليات العسكرية، هو (لا شيئ)، لكنه يزعج العساكر، توعية المدنيين بأن الجيش لم يعد يقاتل للدفاع عن الوطن؛ بل يقاتل للدفاع عن مصالحه، هو (لا شيء)، لكنه يزعج السلطة، إنتشار حملات مقاطعة لمنتجات القوات المسلحة، هو (لا شيء)، لكنه يزعج السلطة، تجمهر الأطفال وقت عبور موكب الرئيس، والإشارة له بـ "بلحة"، هو (لا شيئ)، ولكنه يهين السلطة و يؤكد أنه لا يحظى باحترام حتى الصغار في هذا الوطن، كل هذه الأشياء البسيطة التافهة تعطي استمرارية لنهج الثورة وقد تعيد حراك الشارع للحياة مرة أخري أو على الأقل تمثل ردة فعل هي أفضل من عدمها.

 

لطالما حرض النظام الجديد لفكرة الهيبة واحترام الجيش والشرطة؛ على أنهم حماة للوطن، لا يجب أبدا المساس بهم أو معاملتهم مثل المواطنين، بل هم أفضل من المواطن البسيط، الأمر الذي يستنكره ما تبقى من الثوار ويرفضوا بشتى الطرق الالتزام به. وعلى أثره تنطلق موجات السخرية من الشرطة في كل عام أحتفالا بذكرى الثورة أو كما يشيرون إليه؛ يوم أن فر رجال الشرطة تاركين الأقسام خوفاً ورعباً من الثوار أما الجيش فيتم توبيخه في ذكرى النكسة ليس فرحا بإحتلال الوطن ولكن تذكيراً بفشل الجيش في حماية البلاد عندما دخل عالم السياسة ودافع عن مصالحه الشخصية غير عابئ بحماية الوطن وهذا أيضاً يعد جزء من العمل المناهض للنظام. نشر التوعية في المجتمع لمناهضة الجيش واحياء ذكرى الثورة واحياء مبادئ الثورة مجددا هو أيضاً (لا شئ)، لكنه يزعج السلطة.

 

السلطة المصرية تركز دائما في التهديد والوعيد للمواطنين وبالأخص الشباب؛ خشية من خروج الشعب للمطالبة باسقاطهم، تبث الرعب من خلال حملات الاعتقالات أو الإشارة بأن أحوال البلاد اقتصاديا لا تسمح بقيام ثورة. متناسين أن الحالة الإقتصادية هي ناتجة عن سياسات الجيش الخاطئة وفشله في إدارة البلاد، فقصيري القامة والمقام مِن مَن يحكم مصر غير حاصلين على أي مؤهلات تساعدهم على فهم الإقتصاد، ما هم إلا بعقول فارغة عديمة الرؤية تعيد أمجاد و سياسات الدول الشيوعية القمعية القديمة في طريقة الحكم والتحكم بالسوق ومراقبة الجميع ونشر جواسيس النظام  (رجال المخابرات) بكل أرجاء القطر المصري وخارجه، للتصنت علي المواطنين.، فإذا كان الحراك على شبكات التواصل الإجتماعي هو الطريق الأمن الوحيد للأحتجاج و إزعاج السلطة، فليكن إذا.

 

 يجب ألا نترك الساحة فارغة للحاكم، كما يجب علينا تقزيم مكانته بين الناس أكثر فأكثر، وليعلم الجيش أن من يختبأ اليوم وراء الشاشات أو الفارين خارج البلاد هو شباب واعي ليس غافلاً عن انتهاكات النظام، جالسا في تربص للفرصة التي ستتيح له بالخروج إلى الشارع، والاطاحة بالنظام في الوقت المناسب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.