شعار قسم مدونات

أيهما أجدر بالاهتمام.. كرةُ القَدَم أم الكرة الأرضيّة؟

blogs كرة القدم

رَمقنَا بِنَظَرات الفَرَحِ وَالأمَل، تأهُل أَربَعةَ مُنتَخبَات عَربيّة لِبُطُولةِ كَأس العالَم ِفي رُوسيا لِعام 2018، وكَثيرٌ مِن العرَب غَيرِ المُتابِعين أَبداً للشّأنِ الكُرَوي-وَالكاتِب مِنهُم- اهتم بالبُطُولة كامِلةً لأجلِ أربعةِ مُنتَخباتٍ فَقَط ألاَ وهي مِصر والسُّعودية وتونِس والمَغرب، فَضلاً عن مُتابعين كُرة القَدم الشرسِين مِن العَرَب، الذين تهيأوا لهذِه اللَّحظات التاريخية التّي سَيلعبُ العربُ بها على أربعةِ جَبَهات، وغَدَت الأسئلة الشائعة هي: متى ستلعبُ تونس؟ في أي توقيتٍ مَباراةَ ِمصر؟ ما فُرصةَ المغرِب للتأهل؟ والحقيقةُ أن فرحتَنا جميعاً كانَت عارِمة، فهذِهِ المرةُ الأولى التي ستكون فيها اللعبة خارِج منطِقتِنا.

والملفتُ حقّاً هو نجاحُ سنواتٍ طويلةٍ مِن القمعِ في تحويلِ غالبيةِ الشُعوبِ العربية، إِلى شُعوبٍ مُستقرّة، حتّى أصبحَ المواطنُ العربي مواطناً مستقراً، معزولٌ عن كافةِ محيطه، لا يَدري بِما يحدُث حَوله، حاوِل أن تَتَحدَّث مَعهُ حول أيةِ موضوع، في السياسةِ في الاقتصاد في الفلكِ في النجومِ في المجتمعِ في الطبيعة، في أي موضوع؛ ستجدهُ يفتحُ فمَهُ للذباب، ويشعر بالمَلل والكآبة، بل وتوقع أن يرمقكَ بنظرةِ احتقار تخبركَ بأنك أفسَدتَ الجلسة بحديثك، وأنّ عليكَ أن تصمِت حالاً لأنَكَ شخصٌ مُمل، وفي المقابِل، افتتح مَوضوعاً رياضياً، ستجدُ آلافَ الألسنةِ انطلقت من حولك، ومئاتِ التحليلاتِ والتعليقات، التي سرعان ما ستتحول إلى نقاشاتٍ طويلة ربما تنتهي بألذع الشتائم، حيثُ يكون النقاشُ هنا وصل إلى ذروته، من حيث تحليل ركلةِ اللاعب وتأثيرُ مقاسِ قدمه على الضربة مما أدى إلى خروج الكرة من شباكِ المرمى!

الرياضةُ شيءٌ جميل جداً، ولا يوجدُ أية مشكلة في حب الرياضة أو حتى الهوس بها، بل تثورُ المُشكلة عندما تكون كرة القدم هي محور اهتمامنا الوحيد

وبعيداً عن الرياضةِ بحد ذاتِها، حاوِل أن تسأل عن رفيقةِ هذا اللاعب أو عن عشيقتِه، ستجدُ ذاتَ الألسنة تتدافع لتخبركَ بكميةٍ من المعلوماتَ التي لا تسمن ولا تغني من جوع، كل هذه المعطياتَ تؤهلُ شعوبنا لتخرِجَ منتخباً على الأقل يُمكنُ أن ينافسَ في كأس العالم، فبعد الكوارثِ الاقتصادية، والغباء السياسي المستفحِل، تأمّلنا أن نفرحَ مرّة، حتى لو كانت فرحةً رمزيةً لا تتعدى خط الملعب الأبيض، لكن بحسبِ جهابذةِ كرةِ القدَم الذّين تحدّثنا عنهم، كان الأداء العربي مُخزياً، وأصبَحت عبارة "الهزيمة بشَرَف" شِعار المرحلة، وأتساءل، ِلماذا دائماً نربطُ الشرف بهزيمتنا وقلة حيلتنا وضعفنا، ولماذا لا نستطيعُ الانتصار بشرف؟ أو حتى دون شرَف؟ لماذا لم نعرف في حياتنا طعم النصر؟ لماذا؟

الرياضةُ شيءٌ جميل جداً، ولا يوجدُ أية مشكلة في حب الرياضة أو حتى الهوس بها، بل تثورُ المُشكلة عندما تكون كرة القدم هي محور اهتمامنا الوحيد، أن تكون أولويتنا فقط كرة ُالقدم، وكما وصفَها المرحوم مصطفى محمود: "حجم كرة القدم لا يزيد عن بضعة سنتمترات في القطر و بضعة سنتيمترات في المحيط .. ومع ذلك حجمها في حياتنا أكبر من حجم الكرة الأرضية "! هذهِ هي المصيبة التي نعاني منها، والفرحة الهستيرية والوحشية التي تصاحبُ الفوز، لا يوجد ما يبررها، سِوى ما وَصفهُ عُلماء النفسِ بأنهُ رد فعل للكبتِ والحرمان، فتخيل شاباً بما يحمله من طاقة وقوة، تنحصر حياته في كرة القدم، سيصبح ما تراه طبيعياً من فرحة هستيرية عند الفوزِ وحزن هستيري يصلُ للبكاءِ عندَ الخسارة!

المشكلة أن تكون كرة القدم هي العملُ الوحيد الذي تمارسهُ الشعوب، بعيداً عن البناءِ والتفكير وتفريغِ الطاقات، وحصرِ القراءة والمعرفةِ فيها، يخلقُ جيلاً فارغاً مستقراً لا يتقدم أي خطوةٍ للأمام، ومع كل هذهِ المتابعةِ العربية الهستيرية لكرةِ القدم، انهزمنا شر هزيمة على أرضِ الملاعب، وأصبحنا نستحقُ لقب "حصَّالات المونديال"، وكان أداءنا في كأسِ العالم صورة طبق الأصل عن أداءنا في السياسة، وأداءنا في الحروب، أداء شكلي يسبقه وعيد إعلامي، ينتهي بالنحيب وتبادلِ الاتهامات، ولكننا لا بد أن نفرح لأن المواجهة لأول مرة تكون خارج منطقتنا، رغمَ أننا "هُزمنا بشّرف"!

إن دولة المؤسسات والقانون، من الطبيعي أن ترى لديها منتخباً قوياً، أو مُنظماً لأقل تقدير، وأضعف الإيمان، وجود اتحاد رياضي قوي، أما الدول التي لا تستطيع بناء مؤسسة إلى اليوم، من الطبيعي أن ترى فيها اتحادا كروياً فاسداً، ومنتخباً هشاً، شأنه شأن باقي مؤسسات الدولة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.