شعار قسم مدونات

الصفقة أم الصفعة.. أيهما تختارُ حماس!

blogs حماس إسماعيل هنية

في ظل الحديث الكثير عن المفاوضات غير المباشرة التي تجريها حركة حماس مع إسرائيل بوساطة السفير القطري ورعاية أمريكية لتقديم حلول إنسانية لقطاع غزة مقابل شروط أملتها إسرائيل لبدء الحديث عن مصير قطاع غزة، وفي ظل رفض حركة حماس للعروض التي تلقتها من الجانب الإسرائيلي والتي قيل بأنها مساومة لا ترقى حتى لأدنى سقف تشترطه الحركة نتساءل.. هل هذه المفاوضات التي تداولتها العديد من وكالات الأنباء ومع امتناع أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس الإفصاح أو التعليق عليها يفتح الطريق للتأكيد على أن هناك صفقة تطبخ على نار هادئة في الظلال؟، وماذا عن تصريحات السلطة الفلسطينية الرافضة علناً لهذه المفاوضات والقول بأنها تمهيد لتمرير صفقة القرن؟ وما هي نتيجة هذه المفاوضات وإلى أي حد ممكن أن تحد من كارثة غزة!

الصفقة في مواجهة الصفعة.. هكذا تنجو إسرائيل وتتصدر حماس

لا شك بأن الحديث عن مفاوضات بشكل غير مباشر بين إسرائيل وحركة حماس في الأونة الأخيرة قد حدث فعلاً، فهي بشكل أو بأخر كانت ستتم سواء بوساطة أو دون وساطة، فهي ليست المرة الأولى التي يتفاوض فيها المحتل مع حركة حماس، وتنتابني الحيرة والدهشة أكثر من الكثيرين الذين علقوا على هذا الموضوع وكأن موقف الحركة كان يجب ألا ينأى لمفاوضة المحتل بالطرق السلمية وكان ينبغي أن تفرض معادلة القوة للتفاوض!، في حين أن مفهوم السياسة لا يقتصر على المواقف والتصريحات بل على التنازلات والتضحيات، والمفاوضات لعبة سياسية بحتة لا تتضمن في زواياها القوة كمفهوم مقيد، بل هي إضافة للعبة السياسية كوسيلة ضغط أو يمكن التلويح بها في حال الإحساس بالخطر. والتفاوض بكل الوسائل للوصول للهدف والغاية المرادة هو لأسلم وأكثر نجاحاً في هذه الفترة!، ثم إن الخيار العسكري اليوم أصبحَ باهظ الثمن لجميع الأطراف وأكثر تعقيداً مما مضى.

إسرائيل تسعى للهدوء والوصول لحل سياسي مع حركة حماس يجنبها من استخدام الخيار العسكري كحل للتحرشات العسكرية التي تتعرض لها من غزة بشكل شبه يومي

ومع ذلك ومع ما تتناقله وسائل الإعلام العبرية والعالمية عن تأكيد لوجود مباحثات بين الطرفين، نستطيع أن نلخص بأن ما عرضه الجانب الإسرائيلي حتى اللحظة لم يكن إلا تمهيداً وبالون اختبار لقياس إلى أي مدى حركة حماس مستعدة وجاهزة لهذه المباحثات وتحديد إلى أي سقف تطمح ومعاينة المواقف والتصريحات مع صدى المطابخ الإعلامية كوسيلة للتأثير والضغط أكثر على الحركة. فهل الطرفان جديان في وضع حل سياسي ولو مؤقت عبر التفاوض؟ وما هي أهداف كل منهما؟

يمكن القول بأنه نعم إسرائيل تسعى للهدوء والوصول لحل سياسي مع حركة حماس يجنبها من استخدام الخيار العسكري كحل للتحرشات العسكرية التي تتعرض لها من غزة بشكل شبه يومي، بجانب التخلص من مسيرة العودة التي أثقلت موازينها وأحمالها !، وأخيراً تمهيد الطريق لاستعادة جنودها المختطفين في غزة. وحركة حماس الأخرى تبحث عن الحلول الإنسانية التي قد تكون إسرائيل مفتاحها بعد تعنت السلطة الفلسطينية وتوقف جهود المصالحة التي كانت هي السبيلُ في ذلك، وأيضاً الحديث عن صفقة جديدة لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال بعد التأكد من نية إسرائيل الحقيقية من هذه المفاوضات وحساب مدى جديتها في ذلك من خلال فصل المساعدات الإنسانية عن موضوع الأسرى لديها وإبقاء هذا الملف مقيد كخطوة ثانية بعد ضمان الأولى.

تحذيرات السلطة للمفاوضات مخاوف وضمانات

بعد تحذير حركة فتح لحركة حماس من ماهية هذه المباحثات الثنائية مع المحتل وخشيتها من التلاعب الأمريكي الذي سيكون بصفة مراقب لهذه الصفقة القادمة اذا ما تمت، وقلق السلطة من نية الولايات المتحدة الأمريكية استخدام سياسة "الإقصاء والتفضيل" من خلال ترقية حركة حماس لتصعد المشهد القادم كبديل سياسي للسلطة، حتى ولو لم يكن هذا إجراءاً قانونياً صحيحاً ويبقى منقوصاً للشرعية كون أن السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني مهما اختلفنا أو اتفقنا معها إلا أن السلطة تعتقد بأن صناع القرار في الولايات المتحدة يريدون فعلاً إقصائها وتهميشها وفرزها خارج الصندوق لتمرير ما يسمى "صفقة القرن".

وعلى الرغم من ذلك نقول نعم لا نستبعد على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بأن تلعب دوراً غير نزيهاً يُمَكنها من تمرير بعض مخططاتها التي تزيد من حالة الانشقاق الفلسطيني الداخلي عبر بعض التسهيلات الكبيرة والإغراءات الاقتصادية التي ستعرضها على حركة حماس كونها في حالة تشتت كبيرة نتيجة الحصار الخانق عليها، والذي سيجعلها مستعدة للقبول بأي شيء مقابل فك الحصار عن غزة من وجهة نظرهم. ولكن وفي الجهة المقابلة نجد في حركة حماس الوعي السياسي الكامل الذي يمكنها من التمييز ما بين العروض والصفقات وما بين التسهيلات الظاهرة والتسريبات الباطنة، وموقف الحركة أيضاً كان شفافاً وواضحاً بجديته في التعامل واستعداده للحديث عن أي صفقة قادمة بما يتضمن بالدرجة الأولى مصلحة قطاع غزة ثم المصلحة السياسية لها.

إسرائيل وحماس كلاهما له مصالحه في هذه التسوية السياسية وكلاهما جاد في إنهائها بشكل أو بأخر حتى ولو احتاجت لعنصر الوقت لترتيب الأليات والتطلعات وفقاً لرؤيتهم السياسية
إسرائيل وحماس كلاهما له مصالحه في هذه التسوية السياسية وكلاهما جاد في إنهائها بشكل أو بأخر حتى ولو احتاجت لعنصر الوقت لترتيب الأليات والتطلعات وفقاً لرؤيتهم السياسية
 
سيناريو الصفقة القادمة معالم ودلالات

إن ربط مصير الأسرى في غزة مقابل التسهيلات والعروض من العوائق التي ستواجه حركة حماس الفترة المقبلة خصوصاً في ظل ما تم الحديث عنه بأن إسرائيل تريد مقطع فيديو 30 ثانية لمعرفة مصير جنودها في غزة والذي فيما يبدو لا ترفضه حركة حماس ولكن وضعت هي الأخرى شروط متمثلة بإطلاق سراح كل الأسرى الذين عاودت قوات الاحتلال اعتقالهم بعد الإفراج عنهم في صفقة وفاء الأحرار "صفقة شاليط"، وأيضاً دفع إسرائيل رواتب الموظفين لقطاع غزة بالكامل بجانب حل بعض الأمور الإنسانية كالكهرباء والمعبر وغيرها، ولكن وحتى لا نقع في اللَبس وتمهيداً لما سبق ذكره حيال ربط حركة حماس مصير الأسرى بالتسهيلات نقول بأن الحركة رفضت ان تكون التسهيلات مقابل إطلاق سراح الأسرى التي بحوذتها وإنما موافقتها على الكشف عن مصيرهم فقط بمقطع فيديو كما اسبقنا، وأن استعادة الجنود واطلاق سراحهم هي الخطوة الثانية التي ستضع فيها الحركة شروطاً جديدة غير التسهيلات السابقة.

فهل تنجح الضغوطات الإسرائيلية بتغيير مطالب حركة حماس؟ وهل فشل الصفقة هو العودة لنقطة الصفر أم انه يفتح افاقاً جديدة للطرفين لمحاولات أخرى؟ من وجهة نظري حركة حماس لن تقبل بأقل ما عرضته للمساومة فهي لن تخسر أكثر مما خسرته طوال السنوات الماضية ولن يكون الموقف الإسرائيلي فارقاً طالما ان قطاع غزة ما زال يعاني من وطأة الحصار ولكن لا بد من التعليل هنا في الحقيقة على الضغوطات التي من الممكن أن تكون مؤثرة في تقديم الحركة لبعض التنازلات خصوصاً إذا كانت ضغوطات عربية "مصرية مثالاً" كون أن حماس تدرك كل الإدراك بأن مصر هي عنوان المرحلة السياسية القادمة في حال فشلت كل الجهود في تنصيب وتصحيح الواقع المأساوي للقطاع، من خلال تقويم العلاقات والمصالح الثنائية المتبادلة.

فهل تقبل حركة حماس الصفقة وتتحرر من قيد الحصار؟ أم ترفض وتصفع إسرائيل وهو ما سيكلفها فاتورة سنوات أخرى من العناء، وهل مصر سترحب بفتح أبوابها لقطاع غزة في حال فشل كل الجهود السابقة أم لا! هذا كله متعلق بإجابة حركة حماس على هذه التساؤلات وهو ما ستجيبه الفترة القادمة ولكن يمكن التماس بعض الإجابات من خلال دراسة الأجواء السياسية والتي فيما يبدو تدلل على صفقة قادمة قد تتغير فيها بعض المطالب والعروض ولكن والذي نستطيع تأكيده بأن إسرائيل وحماس كلاهما له مصالحه في هذه التسوية السياسية وكلاهما جاد في إنهائها بشكل أو بأخر حتى ولو احتاجت لعنصر الوقت لترتيب الأليات والتطلعات وفقاً لرؤيتهم السياسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.