شعار قسم مدونات

نداء استغاثة من عائلة الصحفي تيسير النجار

blogs تيسير النجار

على بعد 40 كيلو متراً من العاصمة الإماراتية أبو ظبي يقبع الصحفي الأردني تيسير النجار بين جدران القهر في سجن الوثبة الصحراوي، محروماً من أشعة الشمس لكن أشعة الأمل ما تزال تراوده، فيستمد بعض النور الذي يعينه على استرجاع ومشاهدة الكثير والكثير من الذكريات التي جمعته بعائلته، وتخيّل نفسه كذلك وهو يصطحب يوسف، أصغر أبنائه الخمسة إلى الصف الأول الابتدائي، كما وعده في ليلة سعيدة، في زمن ماضٍ لم يتوقع فيه يوماً أن يصير إلى ما صار إليه اليوم.

 

حيث تم تغييبه عن عائلته لتتبعثر وعوده بين ثنايا جدران الزنزانة، وعلى بعد حوالي 2000 كيلو متر منه، تحديداً في العاصمة الأردنية عمّان، يجلس ابنه يوسف الذي أصبح الآن في الصف الثالث الابتدائي تحت شجرة اعتاد الذهاب إليها برفقة والده، ورغم تغييب والده، إلا أن العادة لم تغب، كما تقول والدته، فقد كانت هذه الشجرة من الأمور التي تذكر يوسف بوالده، يوسف أكثر الأبناء تأثراً بحالة الفقدان التي طالت العائلة، فعقله البريء لم يُسعفه لاستيعاب السبب الذي حرمه من والده وجعله يفتقده إلى هذا الحد!

ولا عتب عليه، فهو سبب لم يستوعبه الكبار كذلك، على الأقل في بادئ الأمر، فقد كانت تهمة النجار كلمات على الفيسبوك كتبها عام 2014 خلال العدوان على غزة العزة، أي قبل حوالي عام من سفره إلى الإمارات بهدف العمل.

الفترة الطويلة مضت ولم يبقَ سوى القليل، ولهذا أكتب هذه التدوينة، للتعريف بالنجار، حيث لا أزال حتى هذه اللحظة أشعر بأنه مجهول، رغم مرور عامين ونصف على اعتقاله

لا أعرف إن كان النجار قد فكر بالمنشور الذي كتبه، أم أن مشاعره وحدها هي التي قادته للتعاطف مع شعب غزة المحاصر وكتابة منشور ينتقد فيه موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والإمارات من غزة، فهو مجرد منشور لا يتجاوز السطرين ولا يمكن اعتباره رأياً سياسياً بقدر اعتباره عاطفة إنسانية كان من الممكن أن تتأجّج عند أيٍ منا، هذا إن لم تكن قد تأججت بالفعل، أعتقد أن النجار كتب ما كتبه من هذا المنطلق، لكن سوء حظه أو وشاية كيدية أو شيئاً لم نعرفه بعد وقد يُكشف عنه الستار في المستقبل، أو كل هذه الأمور مجتمعة، أودت به ليصبح مجرماً خطيراً ويُحكم عليه ثلاثة أعوام في سجن الوثبة مع دفع غرامة عند خروجه بقيمة 500 ألف درهم إماراتي (136 ألف دولار)، أي حوالي 100 ألف دينار أردني، وإبعاده نهائياً عن دولة الإمارات.

سأعترف أنني شعرت بالخوف وأنا أهمّ بكتابة هذه التدوينة، وأعرف أن كثيراً منكم شعر بالخوف لمجرد فتحها، وربما هذا هو سبب التضامن المتواضع خلال العامين والنصف الماضيين مع الصحفي تيسير النجار والذي وبحكم معرفتي به وكما تقول زوجته، فهو صحفي "مالوش بالسياسة"، وذنبه الوحيد أنه تعاطف مع أهله في غزة.

بكل حال، هذه التدوينة لا تهدف للكشف عن طول المدة التي قضاها النجار مختفياً قبل أن تعرف عائلته أين هو، ولا لمناقشة إن كان التضامن مع القضايا الإنسانية تهمة أو لا، ولا لتسليط الضوء على صحته التي تم إهمالها وهو في المعتقل، ولا عن والدته وأخيه اللذين توفيا خلال فترة اعتقاله، ولا للحديث عن دور الأردن المتخاذل تجاه هذا الصحفي المسالم، حيث اكتفى مسؤولو الأردن بالتأجيل والتسويف وتخدير عائلة النجار بوعود تقول الزوجة إنها لم تلمس شيئاً منها، فالمحكمة حكمت والجلسة رُفعت ولم يعد باليد حيلة.

 

لكن، الفترة الطويلة مضت ولم يبقَ سوى القليل، ولهذا أكتب هذه التدوينة، للتعريف بالنجار، حيث لا أزال حتى هذه اللحظة أشعر بأنه مجهول، رغم مرور عامين ونصف على اعتقاله، وللتعريف كذلك بالحملة التي تقوم بها زوجته ماجدة الحوراني، بدعم مجموعة من الصحفيين والحقوقيين، لجمع الغرامة التي إن لم يتم جمعها ودفعها كاملة بعد ستة أشهر، أي بعد انقضاء فترة حكمه، فإنه سيدفعها ببقائه في السجن إلى فترة لا أجرؤ على سؤال زوجته عنها، لكنها أكثر بكثير من الفترة التي قضاها، أعتقد أنها تصل إلى ثلاثة عشر عاماً.

من هو تيسير النجار؟

"تيسير هذا الأب الحنون والذي كان في عمّان لا يحب أن يخرج من البيت حتى يقضي أكثر وقت ممكن مع أبنائه الخمسة، لكنه اضطر أخيراً للتضحية بما يملك من حنية قلب والسفر إلى الإمارات كي يؤمّن لأبنائه عيشة كريمة"، هكذا وصفته زوجته، وهذا ما أكدت عليه إحدى زميلاته في جريدة العرب اليوم الأردنية، حيث كانا يعملان. وبخصوص عمل النجار، فقد ارتبط عمله الصحفي، سواء في الأردن أو بعد سفره للإمارات عام 2015، بالثقافة والأدب والفن، بعيداً كل البعد عن السياسة، ولكن ذنبه الوحيد أنه كان يفيض بفلسطينيته، الأمر الذي جعله يتورط بشكل أو بآخر بالسياسة.

تقول زوجة النجار إن جميع المحاولات التي تم بذلها لإطلاق سراح زوجها باءت بالفشل، ولا يوجد أمامها الآن سوى جمع الغرامة التي تبلغ حوالي 100 ألف دينار أردني لتأمينها بعد ستة أشهر
تقول زوجة النجار إن جميع المحاولات التي تم بذلها لإطلاق سراح زوجها باءت بالفشل، ولا يوجد أمامها الآن سوى جمع الغرامة التي تبلغ حوالي 100 ألف دينار أردني لتأمينها بعد ستة أشهر
 
الإمارات دولة السعادة.. مشكاة الإنسانية والتسامح

رغم غياب النجار في المعتقل إلا أنه كان قد كتب كتاباً بعنوان "الإمارات دولة السعادة.. مشكاة الإنسانية والتسامح" يمدح فيه دولة الإمارات ويعبّر من خلاله عن مقدار سعادته لأنه اكتشف هذا العالم الجميل، تم نشر الكتاب بعد اعتقاله، ومع ذلك لم تتمكن صفحاته من إظهار صفاء نيّة النجار تجاه الإمارات وتبرئته من تهمته.

تقول زوجة النجار إن جميع المحاولات التي تم بذلها لإطلاق سراح زوجها باءت بالفشل، ولا يوجد أمامها الآن سوى جمع الغرامة التي تبلغ حوالي 100 ألف دينار أردني لتأمينها بعد ستة أشهر، أي عند انقضاء فترة محكوميته، وبحكم أن عائلة النجار لن تتمكن وحدها من تأمين مثل هذا المبلغ، فقد قررت الزوجة فتح حساب خاص بذلك ليساهم من لديه القدرة والرغبة بتأمين الغرامة ودعم عائلة تكافح لاستعادة بطلها وضمّه من جديد.

وأخيراً أنهي تدوينتي هذه وكل ما أرجوه أن تحرّك شيئاً في داخلك عزيزي/تي القارئ/ـة لتقف/ي بجانب عائلة النجار، سواء بالنشر أو التبرع، فهذه العائلة بحاجة إلى دعم الأفراد والمؤسسات، وللتأكيد، فإن هذا الدعم المعنوي أو المادي لا تهمة فيه، بل على العكس، هو استكمال لتحقيق أحد مطالب التخلص من تهمة النجار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.