شعار قسم مدونات

غزة.. سجنٌ كبير مُهَمَّش!

blogs - غزة السجن

(أنتِ من غزة؟!) السؤال الذي يُطرح عليَ بشكل شبه يومي منذ سنة ونصف، أستعجب من السؤال وأجيب بالنفي وأنني من جنين، فيباغتني سؤال آخر أكثر غرابة من سابقه، (أنتِ ليش بتكتبِ عن غزة؟!) يُدهشني هذا السؤال أكثر، ويصيبني بالحزن والأسى والضيق في نفس الوقت. أتساءل في نفسي لمَ كلّ هذا الاستغراب يعتريهم حين يعلمون أنني لستُ من هذه المدينة البائسة؟! ترى هل صارت غزة قضية أهلها فحسب؟! أيعقل أن يختزل مصير ملايين الأرواح بهذا الشكل المريع؟! حتى بات الجميع يَغُضّ الطرف عن هذه القضية وكأنها لا تعنيهم في شيء! غزة المحاصرة منذ أحد عشر عاماً أو ما يزيد، والمحرومة من أبسط مقومات الحياة لا تقل لأهمية عن القدس الشريف، حتى وإن حُجِّمَت وقللوا من خطورة الوضع فيها فإنها تبقى جزءاً أساسياً ورئيساً في القضية الفلسطينية، ولا يجوز تحجيمها بهذا الشكل، أياً كانت الأسباب والمبررات.

هل صارت الحرب والدمار والقتل قضايا محتكرة فقط على من يتعرضون لها، ومن هم دون ذلك لا صلة لهم بالأمر؟! أعني هل صارت غزة قضية الغزيين فحسب، وسوريا قضية السوريين، واليمن قضية اليمنيين فحسب؟! هل صارت القضايا تقاس بهذه الطريقة المنكرة؟! أنا كفتاة فلسطينية، وإن كنتُ لا اقطن في غزة فهذا لا يعني أن أهمل هذه القضية أو أنّها لا تعنِ لي شيئاً – على العكس – أنا كفتاة فلسطينية يتوجب عليَّ أن أحاول نقل ما يحدث في هذه المدينة، من بشاعات وأحداث ترجف لها القلوب، فغزة قضية أرواح قبل أن تكون قضية سياسية، وأرضاً محاصرة ومُتّنازع عليها بين الاحتلال الصهيوني والمقاومة.

عارٌ علينا أن نمرّ على أخبار هذه المدينة وأهلها وكأنّها شيء لا يعنينا، وعارٌ علينا إن نسينا أنّ غزة والضفة الغربية جزء واحد في دولةٍ واحدة

آلاف الأرواح فيها تنام في أمان الله وتستيقظ على صوت القصف والقذائف، فيدُبّ الرعب في قلوبها وترتجفُ أوصالها، وآلاف تحلم أن تنعم بساعات إضافية من الكهرباء لتستطيع أن تمارس أعمالها بسهولة، وآلاف من الشباب يصطف على جنبات المقاهي والطرقات، لا يجد عملاً يوفّر له حياةً كريمة، وغيرهم من لا يجد المأوى أو لقمة العيش التي يسد بها جوع أطفاله. لشدة الضنك والفاقة، ما عاد أحد يقوى على الصمود كثيراً في هذه البلاد، صار الشباب يحلم بالهجرة ويفكر فيها ويسعى إليها كنوع من الخلاص والهروب من هذا الجحيم الذي لا ينتهي، هذا الجحيم الذي يحرق كل من في دون أن يفرق بين الصغير والكبير، أو الشيخ والمرأة، فكيف بمن لا يستطيع السفر هل يُترك ويُمهل بين الحزن وحطام البيوت أم يموت جوعاً وقهراً في هذه البلاد؟!

كيف لنا أن نُهمّش قضية كهذه ولا نضعُها في أولى حساباتنا وقضايانا التي نُدافع عنا ونصرخ باسمها في المنابر والمحافل الدولية، أم أنها لا ترقى إلى مستوى القضايا التي يدافعون عنها ويتشدقون بها في خطاباتهم! ما ضاقت غزة بأهلها، لكن أهلها وشبابها ضاقوا ذرعاً بهذا الحال الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فلا مصالحات تمّت ولا عقوبات رُفِعت ولا معابر تُفتح، أغلقت جميع الأبواب والنوافذ على هذه المدينة وأهلها، فصارت كالسجن الانفرادي ما إن يُوضع فيه المتهم حتى يُنسى أمره! الجميع في غزة سُجناء، سُجناء مدينة مُحاصَرة لا منفذ فيها ولا مخرج، سُجناء الموت المباغت الذي قد يقع على رؤوسهم في أيّ لحظة، سُجناء الشُحِّ والقلة التي سلبت منها أبسط أشكال الحياة، فما عادوا يعرفون لها معنى.

أليست كلّ هذه الأسباب تجعل من غزة قضيتنا جميعاً سواء أكُنّا فيها أم لا! أليس من واجبنا أن نصرخ باسم هذه المدينة وأهلها، باسم الشباب الذي لا يقبل الذل والمهانة فيسقط شهيداُ على حدودها، وباسم الأطفال الذين يتلطخون بالدم بدلاً من التراب وهم يلعبون! عارٌ علينا أن نمرّ على أخبار هذه المدينة وأهلها وكأنّها شيء لا يعنينا، وعارٌ علينا إن نسينا أنّ غزة والضفة الغربية جزء واحد في دولةٍ واحدة، فتتها الاحتلال ليعبث فيها كما يشاء، ويقتل أبنائها دون أن يُحاسب أو يُعاقب، عارٌ علينا أن تُراق مزيداً من الدماء والأرواح التي لا ذنب لها سوى أنّها طلبت الحياة فقُوبلت بالرصاص والقذائف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.