شعار قسم مدونات

مسلمو الإيغور.. حين يصبح الدين تهمة!

الإيغور

يروي المفكر الإسلامي فهمي هويدي في إحدى مقالاته مشاهداته لأحوال المسلمين في القارة الآسيوية ومن ذلك أن المصحف الشريف يشكل أعظم هدية للمسلم في البلدان الشيوعية التي تحيل المساجد لمتاحف لا أثر للإسلام فيها إلا عبر الأواني الخزفية المكتوب عليها الشهادتان بأحرف عربية، مما يؤكد كذب شعارات عالم اليوم التي تتوارى خلف ادعاءات المساواة والتعايش والحرية الدينية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات فكلهن أكاذيب.

واليوم بعد مرور سبعين عاماً على الاحتلال الصيني لتركستان الشرقية (بلاد الترك وبلاد ما وراء النهر) والتي هي فلسطين الثانية فإن نسبة الإيغور انخفضت للنصف نتيجة لتلاعب الحكومات الصينية المتعاقبة بالتركيبة الإثنية لسكان الإقليم، وبالتالي أصبح عدد الإيغور النصف بعدما كانوا 98 في المئة عام النكبة التركستانية على يد الصين سنة 1949 وتزايدت الضغوطات والقمع الشديد ليقع الإيغوري بين فكي كماشة بتهمة الانفصال أو الإرهاب في دولة تلتمس لنفسها الأعذار بحجة محاربة الإرهاب إثر تشريعات المحافظين الجدد في أمريكا بعيد 11 سبتمبر، فكيف نتأمل من الصين التي تحوز مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي أن تقلل من ضغوطها على المسلمين، وهي التي تقاسمت تركستان مع روسيا؟ لتصبح تركستان الشرقية أو منغوليا الداخلية ضمن الحدود الصينية، بينما اعتبرت تركستان الغربية منغوليا الخارجية ضمن حدود روسيا!

من الأمور التي لا تصدق في التضييق على الإيغور هو توحيد القراءة وهو قانون صيني قبل عامين يلزم المساجد بقراءة عشرة من قصار السور فقط بالإضافة للفاتحة

والإيغور مسلمون من العرق التركي ينتمون لأمم آسيا الوسطى، ونسبتهم النصف من سكان تركستان المسماة حاليا بإقليم الحدود الجديدة (شينغ يانغ)، ودلالة الكلمة (الحدود الجديدة) إدانة للصين، فهذه الحدود الجديدة بطبيعة الحال تأتي على حساب تركستان الشرقية المسلمة، فلم تكتمل فرحة الإقليم بالاستقلال، فسرعان ما خضعت للصين بقيادة ماوتسي تونغ عام 1949 ومنحت حكماً ذاتياً شكلياً، بعدما قدّمت مليون شهيد إيغوري ثمن محاولة استقلالها، وبدأت عرقية الهان تزاحمهم في إقليمهم وتستولي على أراضيهم بدعاوى مشروعات التنمية.

 

ولعل أبرز الضغوطات تتمثل في هدم المساجد ومصادرة المصاحف وإلزام المرأة بلباس غير إسلامي، ومنع إطلاق اللحية والنقاب والصيام أو التسمية بأسماء إسلامية، ومعاقبة من يرفض متابعة قنوات الدولة، وإخضاع الأطفال للفكر الشيوعي الماركسي بإلغاء مدارسهم الإسلامية الخاصة، وإجبارهم على الالتحاق بالمدارس الحكومية التي تلزمهم بالإفطار في رمضان وبتناول لحوم الخنزير وحرق الجثث معارضة للشريعة الإسلامية التي تأمر بالدفن إكراماً للميت، ومصادرة بيت كل إيغوري هارب من الظلم، ومنع الحديث مع الأجانب وبالأخص مراسلي الصحافة، وإجبارهم على السير وفق تشريعات تحديد النسل لدى الأسرة الصينية، وإلزام الأئمة بقَسم حكومي لصالح الدولة، والتلاعب بكلمات الأذان والإقامة بإدخال الأناشيد الوطنية فيهما، ومحاربة النظام الأسري الإسلامي ككل، ومصادرة جوازات السفر وعدم السماح بالحج إلا لكبار السن، وتوحيد الأذان وخطب الجمعة.

 

ومن الأمور التي لا تصدق توحيد القراءة وهو قانون صيني قبل عامين يلزم المساجد بقراءة عشرة من قصار السور فقط بالإضافة للفاتحة، والإذلال والحرمان وتدمير الثقافة الإيغورية، واحتكار الوظائف من قبل الأقليات الأخرى، وتجاهل اللغة الإيغورية التي كانت يوماً ما تكتب على عملة الصين اليوان، وإلزام طلاب الدراسات العليا بتخصصات ترتضيها الدولة سواء في الأزهر أم في غيره، ومؤخراً قامت مصر بتسليم بعض هؤلاء الإيغوريين للحكومة الصينية بزعم أنهم معارضة سياسية.

وبخصوص قوميات مسلمي التركستان فهي عشرة: الإيغور والسالار والأوزبك وهم أتراك ودونغ شيانغ وباون وهما مغول وقازاق وطاجيك وقرقيز وتتار، وهوي من قومية الهوي الصينية التي تتمتع بكافة الحقوق ؛كونها تتخذ الطابع الصوفي من الإسلام،  لذا ينظر الإيغوري بعين الريبة لهذه الطائفة التي تقف في صف الدولة وتناقض فكرة الأخوة الإسلامية، أما الضغوطات الاقتصادية فعلى أشدها، ولم يلمس السكان أية عوائد من إقليم يتمتع باقتصاد زراعي وتجاري عبر طريق الحرير، وتتوافر فيه المعادن والفحم الحجري والنفط واليوارنيوم ويزود الصين بالكهرباء والحليب.

تم الفتح الإسلامي لتركستان الشرقية في عهد سيدنا عثمان بن عفان بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي في أوائل القرن الثامن الميلادي، وساهم التجار في نشر الإسلام في ربوع البلاد، ويتكلم الإيغوريون اللغة الإيغورية وهي فرع من اللغات التركية وأحرفها عربية، وعاصمة الإقليم هي أورومكي، وينظر للإيغور – ومعناها الاتحاد – بوصفهم أقلية عرقية من ضمن 56 عرقية في الصين، أما الاسم الجديد بعد جريمة شطب اسمها التاريخي تركستان الشرقية منغوليا فأصبح (شينج يانغ)، والذي معناه الحدود الجديدة، وتخرج نتائج الإحصاء السكاني عادة بأرقام وهمية، علاوة على تناثر الإيغور في عدة دول مجاورة للصين.

من الواجب على العالم الإسلامي إلزام الصين باحترام أقلية الإيغور، في ظل تبادل تجاري مرتفع يصل للمليارات، ومسلمي الإيغور حالهم كحال غيرهم من مسلمي اليوم
من الواجب على العالم الإسلامي إلزام الصين باحترام أقلية الإيغور، في ظل تبادل تجاري مرتفع يصل للمليارات، ومسلمي الإيغور حالهم كحال غيرهم من مسلمي اليوم
 

يضبط الإيغوريون ساعاتهم وفق التوقيت الباكستاني لا الصيني لغايات العبادة والصوم وغير ذلك، وبعيد أحداث 11 سبتمبر تعرضت الأقلية لضغوطات، ووضعت قيود على الجامع الكبير في العاصمة أورومكي، وأصبحت الصلاة تؤدى بصورة قلبية تقريباً لا نطقية ولا شفوية، بحيث يؤدي المسلم الصيني الحركات من ركوع وسجود وهو صامت، علما الغالبية لا يعرفون ولو كلمة واحدة من القرآن الكريم، ويتقيّدون بالمظهر التقليدي من الثياب والغطاء الشعبي للرأس بلون أبيض موحّد، ويعد يوم الجمعة بالنسبة لهم يوم عيد مميّز.

 لقد قدمت دولة تركستان الشهيد تلو الشهيد، إلى أن قدمت شهيدها الكبير سيد قطب الصين ، وهو الدكتور يوسف عبد الله شنغ، الذي اعترض على الثورة الثقافية للزعيم الصيني ماوتسي تونغ، فكان مصيره محاكمة صورية، ثم ما لبث أن تم إعدامه عام 1970 على يد ماوتسي تونغ صديق جمال عبد الناصر، وقد ألّف الدكتور يوسف شنغ كتاباً وهو في سن 27 عام 1959 بعنوان: معرفة الإسلام عن طريق معرفة محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنه من المحزن أن السلطات لم تفرج عن أبرز الشخصيات الدينية السيد عبد الأحد مخدوم الذي توفي في سجونها عن عمر 88 عاماً في نهاية العام 2018.

ختاماً في الثلث الأخير من أيلول عام 2004 تم تأسيس حكومة تركستان الشرقية في المنفى برآسة أنور يوسف، ولكن الجهود الكبرى تنسب لرئيسة المؤتمر العالمي لمسلمي الإيغور الناشطة السياسية السيدة ربيعة قدير التي تحرص على إبراز أوضاع المسلمين في بلادها في كثير من المحافل الدولية، مبيّنة المظلومية التي يتعرضون لها وحاجتهم للدعم والمؤازرة، علاوة على ممارستها للعمل الخيري والاجتماعي وهي التي تعد من أقطاب التجارة في الصين، وفي عنقها أمانة الدفاع عن قومها التركستانيين الإيغوريين، لذا كانت تطالب على الدوام بإيفاد مراقبين دوليين للتحقق من انتهاكات حقوق الإنسان في بلادها، ومن الواجب على العالم الإسلامي إلزام الصين باحترام أقلية الإيغور، في ظل تبادل تجاري مرتفع يصل للمليارات، ومسلمي الإيغور حالهم كحال غيرهم من مسلمي اليوم، يصبرون على آلامهم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، سائلين المولى عز وجل أن يفرّج عنهم ويتولاهم برحمته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.