شعار قسم مدونات

الطلاق.. من لم يذق العلقم لن يُحسن وصفه!

مدونات - الطلاق انفصال رجل وامرأة

الطلاق حادث مركب بامتياز، يكون بين اثنين نعم، ولكن المشاركين والمتسببين فيه كُثر، والمنتفعون منه والمتأثرون به كُثر أيضا، يُحدِث الطلاق في العادة جَلبة وفوضى في العائلات، الكلّ يترقب، الكلّ ينتظر، بعضهم يستعجل حدوثه والبعض الآخر يتمنى أن يعدِل الزوجان عن تلك الخطوة، وربما نصحهما سرّا وعلانية، وقد يدعو لهما في ظهر الغيب.. تتوالى جولات المحكمة وجلسات الصلح، مواعيد مع المحامين، انذارات وإعذارات من المحضرين القضائيين، في الأخير يتم تحديد الجلسة النهائية، يحضر الزوجان، يوقعان المحاضر، يتلو القاضي الحكم وينتهي كل شيء.

عفوا، هل قلت ينتهي كل شيء؟ أظنني أخطأت، اعتبارا من تلك اللحظة سيبدأ كل شيء، سيَنفَضُّ الجمع من حول الزوجين، يبدأ أفراد العائلتين في نسيان تلك القضية وينشغل كل شخص بحياته الخاصة، وكأن حادثة الطلاق تلك كانت فقط مرحلة مثيرة لكسر الروتين في حياتهم … يعود الجميع لأعمالهم، لحياتهم، لأولادهم، لمشاكلهم، لمشاريعهم.. ويعود الزوجان أيضا وهما يحملان صفة جديدة، إنهما الان مطلقان، وستلازمهما هذه الصفة الى الأبد.

بعد الطلاق ستخسر جزءا منك للأبد، ولن يعيده لك أي طرف آخر، لا عائلتك، لا شريك مستقبلي، لا منصب تتبوأه، لا مكانة اجتماعية، ولا حتى شخصية قوية تظن أنك تملكها

يُخبرني صديقي القريب صاحب التجربتين في الطلاق وهو مستغرب من بعض الناس، وخاصة من الكُتاب والمدونين وتجار التنمية البشرية الذين يُحاولون إيهام الأزواج أن الطلاق مرحلة وستمرّ، ويستخدمون لذلك عبارات تثير الاستفزاز أكثر من أي شيئ آخر، من قِبل: "أنت قوي"، "تستطيع فعلها"، "الطلاق ليس نهاية "، "الطلاق بداية لحياة أجمل"، "لست الأول ولن تكون الأخير"، "تستحق الأفضل"، "شريك رائع في انتظارك".. عشرات العبارات الجاهزة والتي لا يقولها الا شخص لم يعش التجربة، أو ربما لم يعش تجربة الزواج بكل شغف، وهنا مربط الفرس، إنه "الشغف".

  

صديقي المجرب هذا يقول لي أن من عاش تجربة الزواج بكل شغف وحب وعنفوان، سيكون طلاقه مريرا جدا، قاسيا، عنيفا ومُميتا، أي نعم؛ ستموت روحك، وسينطفئ شغفك بالحياة كلية، ستبقى حبيس الماضي، حبيس الذكريات والأوقات الجميلة، حبيس الأسئلة التي لا تتوقف؛ كيف حدث كل ذلك ؟، ولماذا حدث؟ ومتى حدث أصلا ؟، تتوالى الأسئلة دون أن تجد لها اجابات مقنعة، صديقي يقول لي –وأنا أصدقه في كل ما يقول- أن الطلاق لا يكتفي بأن يأخذ كل روحك، ولكنه يأخذ أيضا بعضا من عقلك وجسدك، يقتل فيك الرغبة في كل شيء؛ في الحياة، في العطاء، في الازدهار، في الانبعاث مجددا، أما الارتباط من جديد فيقول صديقي أنه لا يجوز قلبا وعاطفة، وإن جاز شرعا وقانونا.

يؤكد لي صديقي أن الطلاق حالة ذهنية واجتماعية معقدة جدّا، نعم، هي حالة وليست مرحلة، حالة مزمنة تستمر معك طول العمر، بتداعياتها وتأثيراتها النفسية وحتى الجسدية، ولن يفهم هذه المعاني الا من مرّ أو مرّت بالتجربة، هؤلاء فقط من يحق لهم الحديث، أما غيرهم فلا عبرة البتة بكلامهم وإن جمَّلوه، وإن نمّقوه، وإن استشهدوا بالآية والحديث وآلاف التجارب، فإنّ من لم يذق طعم العلقم لن يُحسن وصفه وإن اجتهد!

يقول صديقي أيضا أنك خاسر لا محالة بمجرد أن تحمل صفة مطلق، بغض النظر عن تلك التفاصيل التافهة التي أدت إليه، بغض النظر أيضا عن كونك ظالما أو مظلوما، وبغض النظر أيضا عما ستُحققه بعدها.. إنك بعد الطلاق ستخسر جزءا منك للأبد، ولن يعيده لك أي طرف آخر، لا عائلتك، لا شريك مستقبلي، لا منصب تتبوأه، لا مكانة اجتماعية، ولا حتى شخصية قوية تظن أنك تملكها، لن ينفعك كل ذلك في استرداد ما ضاع منك، أو ما ضيّعته بيدك، أو ضيّعوه عليك، أو ما أُرغمت على تضييعه، كل ذلك لا يهم، المهم أنه قد ضاع منك الكثير، وسيستمر ذلك الى أجل غير محدود. في آخر الحوار مع صديقي قال لي أن ما لا يستطيع المُطلق قوله أكبر وأعمق بكثير مما يقوله، وقبل أن نفترق قال لي: لا تصدق المطلق/ة إذا أخبرك يوما أنه سعيد/ة بعد تلك التجربة، لأنّ الطلاق فعلا هو نهاية الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.