شعار قسم مدونات

صعوبة فصل السياسة عن الفن والأدب

blogs ماجدة الرومي

طوال ما مضى من عمري أي  44 حجة وبضعة أشهر واجهتني مشكلة الفصل بين الفن والأدب والموقف السياسي أو الفكري؛ مع أنني نجحت في هذا الفصل في الجوانب الأخرى، بما فيها قدرتي على التكيف بل إنصاف من أختلف معه عقديا وسياسيا، ولكن في الفنون والآداب المعاصرة عجزت عن الفصل، وربما لم أحاول-في أعماق نفسي- تحقيق هذا الفصل بجدية.. صدقا لست أدري ولكن المؤكد أن لدي مفاصلة حادة ومناجزة شرسة فلا يبقى لفنان ولا كاتب قيمة في نفسي، بل أشطبه تماما ولا أعطيه شيئا من وقتي إذا اتخذ موقفا سياسيا يمس المحرمات عندي، والأمثلة كثيرة وأكتفي حاليا بمثال فني غنائي وآخر أدبي روائي.

   

ماجدة الرومي

كنت من محبي صوت ماجدة الرومي، وكنت أراها تعتمد على حنجرتها لا على التعري والابتذال، وكان المفضل لدي ما غنته من أشعار نزار قباني مثل كلمات.. ومع جريدة.. وقد أثار هذا المزاج لدى من يعرفونني استنكارا واستغرابا لأسباب لا مجال لذكرها أهمها أنني إسلامي المعتقد والفكر وغالب السلوك والنمط المعروف عن الإسلاميين، حيث أنهم لا يأخذون برأي ابن حزم لأن الأخذ به (ليس من الحزم) فكنت من الشواذ عن هذا النمط.. ظل الأمر كذلك إلى أن اختارت ماجدة الرومي الاصطفاف مع فريق 14 أيار وجماعة جعجع أو الجميل والحريري، فاهتز الإعجاب بهذا الصوت، لدرجة لم أتخيل أنها ستحصل معي يوما ما.

أنا أحب المخطوطات، ومغرم ومولع بالمنمنمات منذ طفولتي، ووجدت ما يشبع هذا الوله في موقع كان يشرف عليه يوسف زيدان، حين كان رئيسا لقسم المخطوطات في مكتبة الاسكندرية الشهيرة

وكان هناك-قبل سنوات- موعد لها في أحد استوديوهات فضائية لبنانية، وحيث أنني كنت وقتها عاشقا ولهانا لحزب الله وأمينه العام، يفوق ويتقدم طبعا على شعوري نحو صوت ماجدة، فقد تابعت اللقاء المباشر، والذي كان الحزب قد أرسل-بحسب بعض المواقع الإلكترونية- أنه لن يتردد بالتصرف بحزم مع الفضائية وبحضور ماجدة إذا (خرجت عن النص) وقد حضرت ماجدة وغنت وتكلمت قليلا في السياسة وبالطبع حرصت على اختيار كلماتها بما لا يعرضها ولا يعرض الفضائية والاستوديو إلى ما لا تحمد عقباه، فقد كان الجو في لبنان مشحونا وحالة الاستقطاب والتشنج على أشدها.

 

وفي اللقاء المذكور وكعادتها حرصت ماجدة الرومي على إنكار ضمني لكونها من أصول فلسطينية، مع أنها وجهت تحية قبل حوالي 10 سنوات إلى بيت جدها في حيفا، ولكنها تقول أن جدها لوالدها عوض الرومي هاجر مع نجله حليم من مدينة صور اللبنانية إلى فلسطين وكان والدها طفلا، ومع أنها توجه التحية دوما إلى فلسطين بالقول مثلا(فلسطين العربية لنا) ولكنها لا تشير إلى ما تتناقله العديد من وسائل الإعلام بأنها من أصول فلسطينية.. على كل فإن موقف ماجدة الرومي السياسي جعلني نافرا منها، وفاترا جدا مع أغنياتها التي تفاعلت معها قبل عقدين من الزمن، ولم أسترجع مشاعري السابقة نحوها مع تحول موقفي من حزب الله في السنوات الأخيرة من العشق والهيام و(البصم بالعشرة) إلى اللوم والانتقاد والتحفظ في ملفات عدة.

 

يوسف زيدان

أنا أحب المخطوطات، ومغرم ومولع بالمنمنمات منذ طفولتي، ووجدت ما يشبع هذا الوله في موقع كان يشرف عليه يوسف زيدان، حين كان رئيسا لقسم المخطوطات في مكتبة الاسكندرية الشهيرة، وكانت هذه بداية معرفتي باسمه، ومن ثم جاء فوزه في جائزة البوكر للرواية العربية بعد منافسة روايته (عزازيل) لحوالي 120 رواية أخرى عام 2009.

 

ويغلب علي الإقلال نسبيا من شراء الكتب عموما، والروايات خصوصا، لضيق ذات اليد، والتعويض بالاستعارة من المكتبات العامة، ومن الأصدقاء، وحين تحصل انفراجة مالية وأخصص مبلغا لشراء الكتب، فإن مشترياتي من الروايات أقل من غيرها من المصنّفات؛ ولكن كان لي مع عزازيل جرأة حيث سارعت إلى شرائها من إحدى المكتبات الخاصة، وأشار البائع أن عليها طلبا، وقرأتها ثلاث مرات، ودونت بعض الملاحظات على هامشها، وقرأت عنها مقالات كثيرة ودراسة من حوالي 90 صفحة، إضافة إلى متابعة مقاطع فيديو تناقشها بحضور المؤلف يوسف زيدان أو في غيابه، وهذا السلوك والتفاعل لا أظنه قد حصل لي مع رواية أخرى سابقا.

 

وبالطبع هذا دفعني إلى المزيد من الغوص في عالم يوسف زيدان فحصل أن تواصلت مع صحفية أجرت معه مقابلة لصحيفة ورقية مصرية، وقد سألتها عن توجهاته، فقالت أن انطباعها العام أنه بلا توجه ولكن(ربما) يميل قليلا إلى اليسار، وصرت أتابع مدونته ومقالاته ومقابلاته، أي أنني صرت من الجمهور المعجب به ومن متابعي صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

زاد يوسف زيدان من وتيرة مواقفه بالتطاول على شخص الناصر صلاح الدين الأيوبي بألفاظ مقذعة بدعوى ممارسات مزعومة للرجل طالت الفاطميين
زاد يوسف زيدان من وتيرة مواقفه بالتطاول على شخص الناصر صلاح الدين الأيوبي بألفاظ مقذعة بدعوى ممارسات مزعومة للرجل طالت الفاطميين
 

استمر الأمر كذلك حتى وقعت-من وجهة نظري-الطامة الكبرى ليقذف يوسف زيدان مواقف متتالية تحيل الإعجاب إلى نـفور، والحب إلى بغض، وغير ذلك من المشاعر الإيجابية ونقيضها؛ فإذا كان  زيدان ليس المثقف الوحيد الذي تساوق مع الانقلاب العسكري في مصر في صيف 2013 فإنه قد زاد وأوغل في الجرأة على ما لم يجرؤ عليه غيره ممن لهم هذا الموقف الذي قد يعتبر موقفا سياسيا اختياريا؛ فيوسف زيدان شكك بموقع المسجد الأقصى المبارك الكائن في مدينة القدس في فلسطين، بأنه ليس هو الوارد ذكره في سورة الإسراء بل المذكور في السورة هو مسجد في منطقة الجعرانة على الطريق بين مكة والطائف.. وأصر على هذا الموقف!

 

وزاد يوسف زيدان من وتيرة مواقفه تلك بالتطاول على شخص الناصر صلاح الدين الأيوبي-رحمه الله– بألفاظ مقذعة بدعوى ممارسات مزعومة للرجل- الذي خلص بيت المقدس من الصليبيين ووحد الأمة بعد فراقها- طالت الفاطميين! وواصل يوسف زيدان من مثل هذه المواقف بإنكار ارتكاب إسرائيل لمذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان سنة 1982 وهو موقف فاق فيه حتى كثير من الساسة والإعلاميين والأدباء من الإسرائيليين أنفسهم…وطبعا لن أتطرق إلى التسريب الصوتي المنسوب له كي لا أكون كمن خلط الحقائق بالظنون غير الموثوقة.. وأكتفي بما سبق من مواقف سياسية وتاريخية جاهر بها الرجل. ولكن صديقا استنكر هذه المواقف طبعا قال لي: ولكن يا صديقي لا تنكر إبداع يوسف زيدان في رواية عزازيل.. ومع أنني لم أنكر الجانب الإبداعي واللغة الرشيقة والحبكة الروائية، إلا أن فتورا صار يسري بين جوانبي من الرواية مثلما أثار كاتبها براكين الحنق والغضب في داخلي!

 

ولكن قدر الله ألا تطول حالة الإعجاب والتقدير لرواية عزازيل مع التحفظ على مواقف وآراء كاتبها، وهو أمر قلت أنني أستصعبه كثيرا، فقد انفجرت مفاجأة بخصوص الرواية تقول بأن يوسف زيدان قد سرق غالبية تفصيلات وفكرة رواية عزازيل من رواية معروفة باسم(هيباتيا) واسمها الأصلي(أعداء جدد بوجه قديم) تعود إلى القرن التاسع عشر لمؤلف إنجليزي يدعى تشارلز كينغسلي، وهذا ما ذهبت له حتى فضائية عربية وموقعها الإلكتروني مع أنها في سياستها الواضحة المعلنة تتوافق مع زيدان في موقفه من وضع النظام في مصر، ولم يصدر على حد علمي عن يوسف زيدان رد مقنع يفنّد هذا الاتهام المدعّم بأدلة أشار لبعضها المفكر المصري علاء حمودة.

 

وبذا ارتحت مما يشبه العبء الثقيل على نفسي، وطلب الموازنة أو الفصل بين الإبداع الروائي والموقف الفكري والسياسي. ولم أتصالح مع هذا في رواية يوسف زيدان (محال) التي تتناول كما يبدو سيرة مصور قناة الجزيرة الذي مكث سنوات من عمره في غوانتانامو وهو السوداني سامي الحاج، حيث أنني كنت قد كتبت ما يشبه الدراسة المصغرة عن الرواية (أي محال) وقبيل نشرها فوجئت بمواقف يوسف زيدان المذكورة، وبعض الإعلاميين والأصدقاء الذين اطلعوا على مسودتها أعجبتهم وحضوني على نشرها فرفضت بل لم أحتفظ بها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.