شعار قسم مدونات

هل ستستطيع تركيا إيجاد حليف جديد؟

blogs تركيا

قبل أيام قليلة سافرت إلى تركيا وبما أنني تلقيت أكبر خبر سمعته في تركيا منذ أن وصلت إليها كان خبر تراجع العملة التركية أمام الدولار الأمريكي. ثمة كثير من الناس يرون السبب وراء الأزمة هي احتجاز القس الأمريكي في تركيا بعدما كشفت الحكومة التركية علاقة القس مع جماعة غولن. لكن الأمر أكبر وأعظم من هذا. كانت أمريكا تدرس تركيا سياسيا واقتصاديا منذ زمن بعيد وخاصة بعد أن وصل الحزب الحاكم -حزب العدالة والتنمية- إلى سدة الحكم والذي أيضا أوصل تركيا إلى تقدم لم يتوقعه أحد وفقط خلال خمسة عشر سنة.

 

إن طعن أمريكا في السياسة التركية لم تكن جديدة بل كانت هناك تدخلات متتالية من زمن بعيد، فقرار واشنطن عن عدم تسليم غولن إلى أنقرة وتسليح الأكراد والذي يزعزع الأمن التركي كانت رسالة واضحة من واشنطن إلى أنقرة التي تبين مدى عدم جاهزية أمريكا لتكون حليفة لتركيا، ولكن كما في العادة واشنطن تسعى مصالحها الخاصة فقط.  

 

إن الإنجاز الاقتصادي الذي حققته تركيا في هذا الزمن القياسي وبمعدلات عالية جعل الغرب غاضبين وعلى رأسهم أمريكا الطامعة الأكبر في المنطقة بوجود دولة مثل تركيا سيهدد مطامعها فيها، فلذلك كل مرة تبذل قصارى جهدها حتى تستغل أي فرصة تأتي إليها للإطاحة بهذا النظام الذي يهدد أطماعها في جهات كثيرة.

تركيا ليست دولة يمكن أن يقسم شعبها بسهولة أو من خلال اللوبيات الذين يخلقون الفتنة في أوساط المجتمعات باستخدام العرق والدين والقبلية كما حدث في معظم بلادنا العربية

إن تراجع الليرة التركية أتت بعد رفض واضح من الحكومة التركية في بعض البنود الصارمة التي طلبت أمريكا من الحكومة التركية أن تلتزم بها:
1- احترام أنقرة موقف واشنطن عن قضية القدس والقبول بها عاصمة لإسرائيل.

2- أن تتراجع أنقرة صفقة شراء منظومة صواريخ من روسيا.

3- تخلي تركيا عن حقول النفط والغاز الطبيعي في جزيرة قبرص.

4- التزام تركيا بالعقوبات المفروضة على إيران من قبل أمريكا.

5- أن تفرج تركيا عن القس الأمريكي الذي اتهمته الحكومة التركية بالتورط في المحاولة الانقلابية في ١٥ تموز ٢٠١٦.

6- أن لا تطلب تركيا تسليم فتح الله غولن من الولايات المتحدة.

إن جواب انقرة حول هذه البنود كانت واضحة وأبلغت الجانب الأمريكي رفضها التام وبعد هذا بحثت أنقرة بديلها الجديد بعد زمن طويل من المكر والخيانة الأمريكية والتي لا تعرف مصلحة الأخر غير مصلحتها.

 

إن حرب واشنطن على اقتصاد تركيا جاءت في وقت تستطيع تركيا أن تخرج منها بسهولة بفضل اقتصادها القوي وأصدقاءها الأوفياء في المنطقة وفي أوروبا، لأن سقوط اقتصاد تركيا الآن لن تكون مصلحة لأي أحد. فأرى أن واشنطن اختارت الحرب على اقتصاد تركيا في وقت غير مناسب لأن تركيا الآن أقوي من سابقها فأصدقاء أنقرة اليوم أكبر أعداء لواشنطن فلن يتركوا تركيا لوحدها ضد أمريكا، بينما روسيا ستكون الفائز الأكبر في هذه التوترات بين تركيا وأمريكا كما أن مثل هذه المواقف من ترامب تجاه أي دولة كان سيخدم أهداف بوتين في الشرق الأوسط.

 

تركيا اليوم متينة وقوية اقتصاديا من سابقها. ولا شك أنها ستجد بدائل كثيرة وحليفا أفضل من أمريكا بينما يخسر ترامب وحكومته حليفا سيندمون عن فقده
تركيا اليوم متينة وقوية اقتصاديا من سابقها. ولا شك أنها ستجد بدائل كثيرة وحليفا أفضل من أمريكا بينما يخسر ترامب وحكومته حليفا سيندمون عن فقده
 

تركيا ليست دولة يمكن أن يقسم شعبها بسهولة أو من خلال اللوبيات الذين يخلقون الفتنة في أوساط المجتمعات باستخدام العرق والدين والقبلية كما حدث في معظم بلادنا العربية، ومنذ أن سقطت الخلافة إلى يومنا هذا حاول أن يشتعل فتنة العرق والقبلية في أوساط الشعب التركي حتى يتقاتل ويقتل بعضهم البعض بسبب القبلية والقومية والدين ولكنهم لم ينجحوا في ذلك.

 

إن هذه الحرب الاقتصادية على تركيا هي الخيار الوحيد لتقسيم تركيا شعبا ودولة ولكن لم يكن في وقته. تركيا اليوم متينة وقوية اقتصاديا من سابقها. ولا شك أنها ستجد بدائل كثيرة وحليفا أفضل من أمريكا بينما يخسر ترامب وحكومته حليفا سيندمون عن فقده، وحسب أراء المتخصصين الغرب في الدراسات التركية ".. بعد ١٠ أعوام تركيا ستكون من أقوى ٥ دول في العالم اقتصاديا عسكريا وسياسيا".

 

إن تراجع الليرة التركية سيخلق خوفا على المستثمرين الأجانب مما يعني هذا خسارة ستلاحق تركيا من خلال هذه الحرب. بيد أن كثيرا من المستثمرين من أوروبا الغربية يجب عليهم أن يجدوا حلا لتبادل العملات بدلا من الدولار، كما ستفعل روسيا. ومن هنا أقصد لن تنحني قوة تركيا مثل هذه التهديدات الرخيصة وستخرج منها وهي مرفوعة الرأس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.