شعار قسم مدونات

الحكم الملكي.. العهد الذهبي للعراق

blog - iraq golden age

وصلني قبل عدة أيام عبر تطبيق واتساب فيلم تم إنتاجه عام 1950 عن العراق من قبل شركة بريطانية تحمل أسم British Pathé والتي أنتجت أفلاماً وثائقية حول العالم منذ عام 1910 حتى عام 1970 في المملكة المتحدة تلك الصور البصرية النادرة التي وثقتها الكاميرا عن تاريخ العراق والحقبة الملكية التي يصادف هذه الأيام نهاية حقبتها ما بين 1921 1958 ذلك العهد الذي بنى العراق بعد ثورة العشرين التي انطلقت من جنوب العراق عام 1920م لكن قلة الموارد المالية كانت السبب الأكبر في تأخير ذلك البناء.

    

نعلم جيداً أن التاريخ أصبح عدواً للعهد الملكي ذلك العهد الذي عملت فيه السلطة العسكرية التي أسقطته على تشويه صورة الحكم الملكي. فالسلطة السياسة العسكرية كانت سلطة متسلطة قادرة على إحداث أوامر بالإكراه سواء في مصر أو العراق وعلى مر عقود كثيرة دأبت حكومات العراق المتعاقبة بوضع أحجار عثرة أمام كل من يمدح تلك الفترة من العهد الملكي ومع هذا فإن الذاكرة الشعبية العراقية مليئة بالذكريات الجميلة عن تلك المرحلة والتعايش السلمي بين جميع المذاهب والأديان السماوية الثلاثة

     

للقارئ الكريم أقول ان تلك الصور التي تنقل عبر صفحات الإنترنت عن العراق في منتصف القرن الماضي لا تزال موجودة وأصبحت جزءاً من أرشيف الدولة العراقية وبالإمكان الاطلاع عليها وبالإمكان أيضاً قراءة ما كتب عن تلك الفترة من تاريخ العراق ومراجعة كتب منها كتاب ازدهار العراق تحت الحكم الملكي الذي وفق بتناوله لتلك الحقبة الدكتور مأمون أمين زكي ولا أريد بمقالي هذا أن أمجد العهد الملكي العراقي لكنني أود القول إنه لابُد مما ليس منه بُد واعتماداً على ما ذكر فإن الإنسان العراقي بوصفه كائناً مفكراً حيث اتخذ من تلك الظاهرة السياسية موضوعاً للتأمل والتفكير عليه أيضاً أن يفهم الحقيقة وللتاريخ أيضا لعل التاريخ يكون منصفاً يوما ما.

    

لا يمكن إذاً أن نتجاهل ما حصل في العراق والمنطقة حالياً من حروب ونزاعات أحدثت تغيرات وتبدلات بنيوية عميقة وانقسامات بين فئات من الشعب العراقي

إن جوهر الأنظمة الملكية يقوم على وجود الملك على رأس الدولة وهو يملك ولا يحكم إنما من يمارس السلطة وزرائه الذين يُسألون أمام البرلمان المنتخب بالرغم من التمييز الطائفي في المناصب الحكومية في ذلك الوقت أقصد في المملكة العراقية لكن كما هو معروف فإن الملك لا يأتي عن طريق الانتخابات إنما يأتي نتيجة نظام وراثي بينما النظام الجمهوري قائم على أساس أن السلطة للشعب وأن ممثلي الشعب في البرلمان هم الذين يمثلون الإرادة العامة وأن رئيس الدولة لا يحق له توريث منصبه لكن إحدى تقاليد الطغاة هي تحويل دولهم الى جمهوريات ملكية عبر صدمنه الأنظمة وتوريث الحكم للأبناء كما حصل في سورية ولولا سقوط التمثال في العراق عام 2003. 

  

وما حصل في ليبيا واليمن وتونس لاستكملت مشاريع التوريث فيها وهكذا يظهر لنا جليا بأن السطات السياسة التي حكمت العراق بعد 1958 أي بعد سقوط الملكية العراقية هي من تسبب بالفوضى وهم من وضع العراق في حجرة مظلمة والواقع يقول أن الهالة التي أحاط بها حكام العراق أنفسهم وصدمنه النظام السياسي عبر سنوات وورثها السياسيين والنواب الحاليين من بعده هي من تسبب بالحروب والصراعات الكبيرة والتي أسهمت بشكل كبير في عدم نهوض الدولة العراقية من جديد وزيادة سوء الأوضاع وبشكل متسارع فبات الجميع يترحم على العهد الملكي في العراق ومصر وليبيا ونورد في هذا الاتجاه رأي الدكتور العراقي علي الوردي الباحث بعلم الاجتماع نحن لا نعود للماضي لجماله، ولكن لبشاعة الحاضر.

   

أيًّا كان رأيك فهناك الكثير من الأسرار خلف أبواب قصر الرحاب المغلقة ببغداد لم يكشف النقاب عنها فعندما نستيقظ على الواقع المر الذي سببته لنا تلك الأنظمة العسكرية الانقلابية بعد سقوط الملكية العراقية نجد أنفسنا ما بين مطرقة الفساد وسندان المحاصصة الحزبية وعدم احترام القانون بحجة الحرية ونورد في هذا الاتجاه على سبيل المثال رأي الكاتب البريطاني بيرت راند راسل من كتاب السلطة والفرد: أن القليل جداً من الحرية يسبب الركود والفتور.. والكثير جداً منها يسبب الفوضى والاضطراب.

   

لا يمكن إذاً أن نتجاهل ما حصل في العراق والمنطقة حالياً من حروب ونزاعات أحدثت تغيرات وتبدلات بنيوية عميقة وانقسامات بين فئات من الشعب العراقي. فالفرد العراقي يتحمل مسؤولية ما حصل والآن أصبح بإمكانه الاختيار والتمييز بين الغث والسمين فإذا الشعب أراد هزيمة الديكتاتورية والفساد عليه أن يهزم الخوف أولاً ومحاربة الفساد واحترام القانون وأني دائما أجد أن الواقع المر سببته لنا تلك الأنظمة العسكرية الانقلابية منذ سقوط الملكية إلى يومنا هذا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.