شعار قسم مدونات

کُنْ أنْتَ.. ًتزدَدْ جمالاً

blogs-كن انت

لكن ماذا فعلت؟ ما الذّنب الذّي اقترفته؟ رُبّما لم تفعَله عمدًا، لكن كان بوُسعك بذل القليل من الجُهد، ليتك قدّرتَها أكثر، ليتك عرفتَ الأنسب لها، ليتك لم تحاول تغييرها لتُشبِههُم فقط! من تقصِد؟! نفسُك، أجل، ليتك حرصتَ على سؤالِها كل ليلةٍ: (كيف حالُكِ يا أنا؟)، لتتأكّدَ أنّها من تجيبُك! قيل: (الموت ليس الخسارة الكبرى، خسارتنا الأكبر هي الأشياء التي تموت بداخلنا ونحن على قيد الحياة)

نحن لا نضَيِّعُ أنفسنا دفعةً واحدة بل هي من تهجرنا رويداً رويداً، يبدأُ الهجر بكذبةٍ صغيرةٍ تجاهلناها، ثم ألِفناها ونسينا كم يشوّه الكذب أفعالنا ويزيدها قبحاً، يبدأ بأوّل محاولة تقليد أعمى، بأول محاولة تنازل من أجل إرضاء الغير فقط. هكذا نرحل عن أنفسنا ونبتعد تدريجيًا عنها، وهكذا تموت الأشياء الجميلة في دواخلنا تباعًا في مشهدٍ يذكّرنا بالميتة الرّحيمة. لكن دعونا نتفق أولاً، أنّ تقبّل ذواتنا واحترام اختلافنا لا يعني أنّنا لا نسعى لتحسينها، نعم نسعى للتغيير نحو الأفضل دائماً لكن دون فقدان أنفسنا أو الانسلاخ عن ميزاتنا، إذن ما الدّاعي لأنْ نتغيّر إن لم يكن هذا التّغير للأفضل؟ ولماذا؟ إذا ما حصرنا أسباب هذا التغيّر نجدها تتجلى في ثلاث حالات غالبًا:

أوّلاً: التكلّف

أحيانًا نحمّل أنفسنا فوق طاقاتها لنبدو أكثر ذكاءً أو أكثر رُقيًّا، أو لنعكس صورةً اعتقدنا أنها الأجمل فكسوناها بكثير من الوهم والمثالية، فكن أنت بكلّ ما وهبك الله من ميزات ولا تكن نسخة من أحد، كن حقيقيّاً لا زائفاً أو مصطنعاً، ستبدو جميلاً في كل حالاتك، نسّق ملابسك كما يحلو لك، لا تهتم كثيرًا بزوال موضةٍ أو قدوم أخرى، فالأهم أن تلائمك أنت. وأنتِ سيدتي لا تغيّري لون عينيك لأنّهم فقط قالوا أنكِ تبدين أجمل، ستبقى عيوناً مزيّفة مهما بدت جميلة. أحبّي نفسك بدينةً أو نحيفة، أحبي رسم حاجبك، رسم أنفك، فمك، رسم الاختلاف الذّي فيك، لا تسمحي لنفسك بتقليد نسخةٍ تشبههن جميعاً. لا تجعلي عمليات التجميل تحدد معايير جمالك، كوني جميلةً بطريقتك الخاصّة، كوني طبيعيةً مريحة، أحبّي تفاصيلك، أحبي نفسك كما أنت فالجمال لا يقاس بذات المسطرة. لا تأكلي نصف الكلمات وترقّقي الحروف لتبدو فقط نبرة صوتك أجمل، يكفي أن يكون كلامك واضحاً ومفهوماً فلا داعي لهذا الدّلع المبتذل. لا تتصنع الفهم ليقال عنكَ أنّك تعلم، فتبرز للناس أنك عالم فيزياء إذا ما تساءلوا عن ظاهرةٍ كونيّة، ثم أديب ومن ثم طبيب.. أنت فقط إنسان تعلم علماً وتجهل آخر، فلا تدّعي معرفة شيءٍ تجهله ولو كان سهلاً وشائعاً، ارفع يدك قائلاً لا أعرف فليعلمني أحدٌ ما.

ثانيًا: مخالطة أناس يسعون لتغييرك عن قصدٍ
 
يتسابق الخصوم لإفراغ ما بجعبتهم من دلائل وحجج، فإن نفذت لجأوا لاحتياطي الشتائم والتّهم وغيرها الكثير، تؤزهم غريزة الانتصار لآرائهم ومعتقداتهم.

فتجدهم يمطروك بالانتقادات حول مظهرك وتصرّفاتك وغيرها، أو من غير قصد، وسعيًا منك لنيل إعجابهم واستحسانهم، تفرش لهم محاسنك ليجدوا طريقهم إليك وتتبنّى محاسن جديدة رغبةً في الفوز بقلوبهم، انتبه ففي كلّ خطوة تقترب فيها منهم ستبتعد عن نفسك أكثر. لذا يا صديقي لا تجلد ذاتك أبدًا لإرضاء الآخرين، ولا تتجاهل تلك الإشارات التي تخبرك بأنّك مع الشخص الخطأ، وبأنك توشك على فقدان نفسك. أخبر من تشاركهم حياتك أنك لست ملاكاً، بل بشر يغضب ويتعب ويتفوه أحياناً بالترّهات، ويخطئ، ويخطئ، ويخطئ.. أخبرهم أنّك لست منزّهاً لكنّك ستحاول تصحيح أخطائك، ابتعد عن أصحاب الطاقات السّلبية، أصحاب الأرواح المغلقة. توقّف عن إرضائهم فمهما حاولت سيبقى الوضع قبيحاً من حولك، لذا أرجوك لا تقدّم مبرراتٍ عن مظهرك أو زواجك أو وزنك أو هواياتك أو دراستك، كن كما يحلو لك وعش كما يحلو لك، المهم أن تتشبث بنفسك وتُرضي ربّك. قيل: (قلوب الناس ليست جنّة، فلا تتعب نفسك بالبقاء فيها)

ثالثاً: كثرة الجدالات والصّراعات مادّيةً كانت أو فكرية

وخاصة تلك النّقاشات الحادّة حول الأفكار والمعتقدات، يتسابق الخصوم لإفراغ ما بجعبتهم من دلائل وحجج، فإن نفذت لجأوا لاحتياطي الشتائم والتّهم وغيرها الكثير، تؤزهم غريزة الانتصار لآرائهم ومعتقداتهم، متناسين أنهم خلقوا على اختلاف ويتحتّم عليهم التّعايش معه! فغالباً ما تكون أعيننا على النصر وفي طريقنا إليه تتساقط قيمنا ومبادئنا ونخسر أنفسنا التي ألفناها. لذا توقّف عن الجدالات العقيمة التي تستنزفك والصّراعات التي تأخذك منك، أما تلك التي يتحتّم عليك خوضها فانتبه لأخلاقك جيدًا وتفقّد نفسك كل حينٍ أثناء المعركة فغالباً ما تنتهي بندوب في الروح. لا تدع سمّهم يتفشى في كيانك، أرجوك لا تقبل بفوزٍ ضريبته خسارة نفسك، فالنّصر لا يعزّي فاقداً لنفسه!

في النهاية، تمسّكوا بأنفسكم بكل ما أوتيتم من قوة، لا تحيطوها بهالة من الزّيف فما أسهل انكشافها (ما كان من القلب يصلُ إلى القلب وما لم يكن منه فلا يتعدى الآذان) أيقنوا بأنّ أعظم مآتمنا يوم نفقدُ أنفسنا، فقدانُها ذاتَ تقليد، واحتضارُها ذات لُهاثٍ لنيل إعجاب، وانتهاؤها ذاتَ غفلة، أيقنوا أن أقسى أنواع الغربة واعتاها هي تغرّبنا عن ذواتنا، وأشدها إيلامًا هي هجران أرواحنا. أحِبَّ نفسك أولاً قبل البحث عن الحبّ في قلوب الآخرين، وصالحها قبل أن تهادن هذا العالم، وليكن منك تعهدًا أن تحفظها كما استأمنك الله عليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.