شعار قسم مدونات

أنا محجبة ولستُ معلَّبة!

blogs الحجاب

كلام كنتُ أرتبهُ كثيرًا في عقلي قبلَ أن أكتبهُ هنا، فاقرؤوه على مهلٍ قبلَ أن تحكموا! لماذا كتبتُ محجبة ولستُ معلَّبة.. العنوان بحد ذاته هو الموضوع، تخيَّلوا معي للحظة حياة فتاة تخرج من الثامنة صباحًا حتَّى الرابعة مساءً، هذهِ الفتاة تضع (بندانة) ضيقة على شعرها، وشالة أو إشارب من مختلف الأقمشة بعدد لا بأس بهِ من الدبابيس والتي ليست بالضرورة أن تكون فقط على الرأس بل توضع أيضًا لتثبيت الحجاب على الثياب نفسها كأكتاف الجلباب مثلًا، وبالطبع سيكون هناك ربطة شعر (بكلة) تمسك شعرها بإحكام، تخيلوا كمية الضغط على رأس هذهِ الفتاة في جو كهذا الجو، هذا عدا الجلباب أو الفستان أو سواه الذي يجب أن يكون تحتهُ ثياب أخرى لتستر الجسم، ونحنُ لا سمح الله لا نشتكي من ارتداء الحجاب، أنا فقط أضعكم في صورة الوضع اليومي الذي تكون فيهِ أي فتاة محجبة.

 

وبشكل عام فإنَّ ثياب الخروج بأنواعها لا تكون مريحة، فهيَ معدة للخروج ولمقابلة الناس، ولتكون رسمية، ولكن الحجاب بهِ قطع إضافية، ولأكون صادقة فإنَّ الشيء الأول الذي تفكِّر فيهِ كل فتاة عند وصولها للمنزل هو رفع الشال عن رأسها وشعرها لتتنفس رأسها، أنا مقتنعة أنَّ الحجاب فرض عين، ومقتنعة بالصبر على العبادات تمامًا كما نصبر على الجوع في الصيام، وكما يصبر الحجاج على المشقة في الحج، أنا هُنا أتحدث في سياق آخر مختلف تمامًا لذلكَ دعوني أكمل ما أريد الوصول إليه!

هذهِ الفتاة التي في الأعلى بالأغلب ارتدت الحجاب في الإعدادية وبالأغلب من يومها لم يرَ شعرُها ولا جسدها الشمس ولا الهواء، فهيَ تخرج بالليل والنهار بالحجاب الذي يغطي جسدها، وفي النهار يجب إغلاق النوافذ وعدم الاقتراب خوفًا من أن يلمحها منها أحد! هذهِ الفتاة أيضًا عندما تذهب للبحر تكون أمامَ خيارين أحلاهما مر، فإما السباحة بالحجاب الذي يغطي جسدها والذي سيلتصق بها وسيعيق حركتها، ومشيتها، وسيكون منظرهُ غير مقبول أبدًا، وإمَّا التعقل وعدم السباحة مطلقًا.

يعلم الله أنَّنا نتقرُّب إليهِ بحجابنا وبطاعاتنا، ونحبُّ ما افترضهُ علينا، ولكن بينَ التحريم والتحريم اجعلوا لنا مسافة للتنفسِ قليلًا
يعلم الله أنَّنا نتقرُّب إليهِ بحجابنا وبطاعاتنا، ونحبُّ ما افترضهُ علينا، ولكن بينَ التحريم والتحريم اجعلوا لنا مسافة للتنفسِ قليلًا
 

هذهِ الفتاة أيضًا يجب عليها الالتزام بوضع الحجاب طوال ساعات عملها في أي مكان خاص أو عام، ولا يوجد أي مجال لتحظى بعدة دقائق لتخلعهُ عن رأسها إذا كانت تعاني من الصداع أو الضيق مثلًا! حتَّى لو ذهبت الفتاة للمشفى، يجب عليها البقاء بحجابها مهما طالت مدة مكوثها هناك. حسنًا أتمنى أن تكون وصلت الصورة التي أريدكم أن تتخيَّلوها، الآن لماذا ذكرت كلَّ ذلك؟ سأجيب بسؤال آخر! لماذا لا يوجد في بلادنا مرافق خاصة بالفتيات، أماكن خضراء وواسعة ومغلقة ويمكن لكل الفتيات أن تجلس فيها للمطالعة أو لرحلة مع صديقاتها أو تناول الطعام، بدون حجاب، هكذا بثياب صيفية خفيفة يمكنها التحرك فيها بسهولة، أو الطيران حتَّى.

لماذا لا توجد أماكن في البحر نفسه تكون عامة يمكن للكلِّ الفتيات الذهاب إليها والشعور بالأمان والحرية والراحة، والسباحة واللعب بالماء بدون وجود شباب أو خوف من أن يراها أحد؟ لماذا لا يكون هناك مرافق عامة في المولات وأماكن العمل الحكومية والخاصة، يمكن للفتيات أخذ استراحة بها وتناول شيء من الطعام، ونزع الحجاب لتخفيف الضغط عن رأسها؟ لماذا لا تكون هناك مشافي ومدارس بأكملها يمكن أن نمارس يومنا كطالبات أو معلمات بدون الحجاب أصلًا! لماذا لا تكون هناك نوادي يمكن للفتيات أن تتعلم فيها أنواع الرياضات بدءًا من السباحة وصولًا إلى الباليه، باعتباره رياضة والدين لا يحرم هذهِ الرياضة ولكن يحرم التوابع الأخرى التي يمكننا أن نتأقلم معها لتصبح حلال!

المشكلة ليست في الدين ولا في الحجاب، إذا سألت ستجد مئات العلماء يفتون في شكل الحجاب وطوله وصفاته وتأكيد وجوبه، وتحريم السباحة في الأماكن العامة، ورقص الباليه، وركوب الدراجة …إلخ. ولكن لن تجدَ عالمًا واحدًا يقول لك من حق هذهِ الفتاة المحجبة أن تعيش حياتها الاجتماعية واليومية بحرية، وأن تشعر أنَّها إنسان وليست كائن معلَّب. لن تجدَ عالمًا واحدًا يقول: يجب على الدولة أن تقرب الدين والحياة للناس، الحجاب نظام حياة وليسَ نظام تعليب. المشكلة في فهمنا للدين والمرأة وليسَ في الدين وليسَ في المرأة.

في النهاية أكتب أمنيتين: الأولى.. ربَّما كل فتاة تمنتها ذات يوم، أن يخرج الشباب في رحلة طويلة من المدينة لنخرج بدون حجاب ونسير في الشوارع ونضحك ونركض ونشعر أنَّنا أطفال. والثانية.. كانت ولا زالت أمنيتي أن أقودَ دراجةً في السهول، وسأفعلُها إذا ذهبتُ ذات يوم إلى أوروبا. وفي النهاية يعلم الله أنَّنا نتقرُّب إليهِ بحجابنا وبطاعاتنا، ونحبُّ ما افترضهُ علينا، ولكن بينَ التحريم والتحريم اجعلوا لنا مسافة للتنفسِ قليلًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.