شعار قسم مدونات

الاعتبار من كتاب الاعتبار.. (3)

blogs أسامة

(فكم لقيت من الأهوال، وتقحمت المخاوف والأخطار، ولاقيت الفرسان، وقتلت الأسود، وضُربت بالسيوف، وطُعنت بالرماح…إلى أن بلغت تمام التسعين، فرأيت الصحة والبقاء…)

– من كتاب الاعتبار على لسان مؤلفه الأمير أسامة بن منقذ الشيزري، رحمه الله وغفر له.

 

كما قلت فإن أسامة بن منقذ وصف أحوال الفرنجة الغزاة وصفا دقيقا، طعمه باستغرابه من عجائبهم وغرائبهم وفساد دينهم ودنياهم ومن ذلك:

 

الطب عند الفرنجة

لعل أغلب من سمع أو قرأ عن كتاب الاعتبار علم ما كان من عجائب هؤلاء الغزاة في الطب وخاصة قصة يرويها أسامة شاهدا عليها، حيث أن صاحب حصن في منطقة طرابلس شمال لبنان حاليا، أرسل إلى والد أسامة يطلب منه إرسال طبيب، فاستجاب والد أسامة وأرسل له طبيبا نصرانيا يقال له(ثابت) وهذا يعطينا إشارة عن اختلاف وضع النصارى العرب في مجتمع المسلمين عن الفرنجة جذريا، ولكن الطبيب عاد بعد بضعة أيام فسألوه عن سبب سرعة عودته، فأخبرهم عن فارس أصيب بدمل في رجله، وامرأة أصيبت بنشاف في رأسها، فعالج الطبيب النصراني العربي الفارس والمرأة وظهر التحسن الملحوظ على كل منهما، ولكن جاء طبيب منهم(الفرنجة) ساخرا من طب (ثابت) وقال للفارس بأنه مخيّر بين أن يعيش برجل واحدة أو يموت، وبالطبع اختار الفارس العيش برجل واحدة، فأمر بإحضار فأس وضرب رجله ضربة والثانية فخرج مخ ساقه فمات الفارس من فوره!

 

أما المرأة فقد كان تشخيصه أن شيطانا عشقها، فأمر بحلق شعرها، وعادت تأكل مما نهاها عن أكله الطبيب (ثابت) كنوع من الحمية الضرورية لحالتها، كالثوم والخردل، ويبدو كانت هذه أكلات دائمة عند الفرنجة، فساءت حالتها، فكان تشخيص الطبيب الإفرنجي أن الشيطان قد دخل إلى رأسها، فشقوا رأسها بآلة حادة على شكل صليب وفركوا الموضع بالملح فماتت المرأة المسكينة!

 

يقول أسامة بأن المرأة تكون مع زوجها فيأخذها رجل غريب يبتعد قليلا ويحادثها فإذا طال الحديث بين الرجل الغريب والمرأة تركها زوجها ومضى في حال سبيله!

وروى أحدهم وكان حاكم طبرية لأسامة والأمير معين الدين أنر أحد أمراء البوريين أنه في بلادهم كان هناك فارس له مكانة مرموقة عندهم فمرض مرضا شديدا، فذهبوا إلى أحد قساوستهم يلتمسون العلاج، فحضر معهم وقد ظنوا أنه(إذا حطّ يده عليه عوفي) فلما وصل القس إلى الفارس المريض أغلق أنفه بالشمع فمات، فسألوا القس عن ذلك، فأجاب القس: كان يتعذب، سددت أنفه حتى يموت ويستريح!

 

ولكن أسامة يذكر في فقرة 163 عن نجاح طبيب منهم بعلاج أحد خاصة الملك أصيب بدمل في ساقه من حصان لهم، وعن وصفة من النباتات (فقرة 164) استخدمها عامل لدى أسرة أسامة في قلعة شيزر نصحه بها رجل إفرنجي (ليس من أطبائهم) التقاه في أنطاكية فبرأ مما كان يشكو منه، واستخدم أسامة الوصفة لعلاج آخرين فتم الشفاء بإذن الله، ولكن هذه الحالات لا تدل على أن طبابتهم كانت جيدة وتقوم على أصول علمية، فهي حالة شاذة تماما كما قد يفلح طبيب حاذق وحيد في دولة متخلفة في مجال الطب والصحة في علاج بعض المرضى…هذا وقد قرأنا –في غير كتاب الاعتبار- أن الناصر صلاح الدين أرسل طبيبه إلى بعض ملوكهم، أي كانت الحالة معكوسة عما وصل إليه حالنا اليوم في الطب!

 

اختلاطهم بالمسلمين ينفعهم.. وفساد عقيدتهم

يرى أسامة بحكم اختلاطه بهم أن الجلافة أكثر عند من يأتي حديثا إلى بلاد المسلمين ولم يخالطهم، ويروي كيف أن أحد القادمين الجدد منهم حاول منعه من الصلاة إلى القبلة وفرسانهم يزجرونه معتذرين إلى أسامة أنه (قادم جديد).

 

ويروي أنه في زيارة إلى بيت المقدس مع الأمير ميعن الدين أنر–يذكره كثيرا في كتاب الاعتبار-جاء رجل منهم قائلا: أتريد أن ترى الله صغيرا؟! فقال الأمير: نعم، فمشوا معه إلى مكان فيه صورة مرسومة لمريم والمسيح-عليهما السلام- وقال:هذا الله صغير! نتعوذ كما تعوذ أسامة، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا!

 

لا نخوة ولا غيرة على الأعراض عندهم

يقول أسامة بأن المرأة تكون مع زوجها فيأخذها رجل غريب يبتعد قليلا ويحادثها فإذا طال الحديث بين الرجل الغريب والمرأة تركها زوجها ومضى في حال سبيله! ويروي أن خمارا منهم كان يبيع النبيذ للتجار في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية الفلسطينية حاليا، والتي كانت أيام غزو الفرنجة تتبع مملكة القدس، قد عاد إلى بيته فوجد رجلا مع امرأته في الفراش، فلما سأله عن سبب وجوده، أجاب بأنه متعب يريد الاستراحة، ولما سأله لم تنام المرأة معك برر تبريرا-كعذر أقبح من ذنب- بأن هذا فراشها فكيف أمنعها منه، فما كان من الخمار إلا أن حلف بأنه إذا كرر فعلته فسيتخاصم معه، وبتعبير أسامة: فكان هذا نكيره ومبلغ غيرته!

 

وموقف آخر يدل على انتشار قلة النظافة والقذارة عندهم، ممزوجا بانعدام الغيرة على نسائهم تماما، وهو أن رجلا مسلما يقال له (سالم) قد فتح حماما في معرة النعمان، فدخل إلى حمامه فارس إفرنجي وكان الفرنجة ينزعجون ممن يشد مئزره من المسلمين على وسطه فنزع الفارس مئزر الحمامي سالم فرأى أنه قد حلق عانته فطلب منه أن يحلق عانته مثله ففعل، فأعجبه، فاستحلفه بأن يفعل ذلك للداما(أي زوجته بلغتهم) فأحضرها إلى حمام سالم وفعل كما طلب منه زوجها، وشكره ودفع له أجرا…ويضيف أسامة أنه في صور(في جنوب لبنان حاليا) دخل حماما فوجد رجلا منهم قد أحضر ابنته إليه ليغسل رأسها.. والحمام للرجال!

 

أسامة بن منقذ وصف أحوال الفرنجة الغزاة وصفا دقيقا، طعمه باستغرابه من عجائبهم وغرائبهم وفساد دينهم ودنياهم
أسامة بن منقذ وصف أحوال الفرنجة الغزاة وصفا دقيقا، طعمه باستغرابه من عجائبهم وغرائبهم وفساد دينهم ودنياهم
 
قسوة وسادية مخزية

ويروي أسامة أنه حضر أحد أعيادهم في طبرية، فجلبا عجوزتان هرمتان للسباق في ميدان في آخره خنزير مشوي، وفي أوله أخذت العجوزان تتسابقان وفرسانهم يصولون ويجولون حولهما بالرماح ويضحكون، والعجوزان في كل خطوة تقع الواحدة منهما وتقف، حتى وصلت إحداهما (الفائزة) إلى الخنزير الذي هو جائزتها!

 

ومن عجائب حكمهم أن أسامة شهد في نابلس مبارزة سببها أن حرامية من المسلمين (كانت هذه ظاهرة موجودة أيام الحروب الصليبية أي قيام حرامية مسلمين بغارات أو بتعبير أسامة كبسة على ضياع الصليبيين) نالوا من إحدى الضياع فاتهم فلاّح بأنه هو الذي دل الحرامية على الضيعة، فهرب الفلاح، ولكن الملك احتجز أولاده فجاء عند الملك يطلب الإنصاف، عارضا أن يبارز من قال بأنه (أي الفلاح) قد دل الحرامية على الضيعة، فأمر الملك الإقطاعي الذي يعمل الفلاحون تحت إمرته أن يحضر من يبارز الفلاح وكان الفلاح شيخا ولكن فيه قوة، فخاف الإقطاعي أن يقتل أحد من الفلاحين فتخرب زراعته، فأحضر حدادا شابا ودارت مبارزة بالعصا والترس بين الشيخ والحداد، وهم يحضونهما على السرعة، وقد جرح الاثنان وتخضبا بالدماء، فطرح الحداد الشيخ أرضا ووضع أصابعه في عينيه وضربه بالعصا وقتله، ثم جرّوا الشيخ المقتول بحبل من رقبته، وأركب الإقطاعي الحداد على فرس خلفه وانصرف!

 

وقد شهد في نابلس أيضا كيف أن شابا مسلما حكموا بأن براءته تظهر إذا ربطوا أكتافه بخشبة معرضة فوق برميل كبير مملوء بالماء فغاص فيه، وعندها يرفعونه أما إذا لم يستطع الغوص فهو مذنب، فما قدر الشاب على الغوص فسملوا عينيه! وأكتفي بهذا القدر من الكتابة عن/حول كتاب الاعتبار، وهو جهد المقل، ولا يفي أو يغني عن قراءة الكتاب مرات بعد مرات، ففيه من العبر، والأخبار والحوادث والنصائح والحكم ما يفيد القارئ المتسلي، أو الباحث والدارس، ولكن لأن الناس في زمننا صاروا يميلون إلى الاختصار والإجمال، قدمت قراءتي وملاحظاتي في ثلاث تدوينات هنا عسى أن ينتفع بها من ضعفت همته عن قراءة الكتاب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.