شعار قسم مدونات

"آخر الفرسان".. رواية تكرس حياة بديع الزمان

blogs-آخر الفرسان

كما عودنا فريد الأنصاري رحمه الله على إطلالاته الشيقة التي تدل على تعدد علومه وأبعاد همته، لقد عهدناه أستاذاً ودكتوراً وفقيهاً وعالماً وشاعراً ومربياً، حيث يسافر بنا من خلال هذه الرواية (آخر الفرسان) – التي سنتحدث عنها – سابحاً في عوالم الأكوان الواقعية والمتخيلة، بدءاً من وجدة، ومكناس، والبيضاء، إلى مرمرة، وسعرد، واسطنبول، لاستكشاف حياة بديع الزمان سعيد النورسي، كي نعيش معه في عوالم الروح وأنوار التجلي.

تأتي هذه الرواية (آخر الفرسان) كعمل روائي ثاني للأديب المغربي فريد الأنصاري بعد روايته الأولى (كشف المحجوب) الصادرة سنة 1999، التي كشف من خلالها طريق مشروعه الفكري. يواصل في هذا العمل الروائي الآخر طريق الإبداع متسلحاً بقلمه السيال؛ حيث يقوم بتحويل التاريخ المُنجز إلى قصة يعيش معها القارئ من خلال سحر الكلمات. متجنباً برودة تفاصيل ذلك التاريخ المنجز، في شخصية بطل هذه الرواية التي هي عبارة عن سيرةً ذاتية لبديع الزمان النورسي؛ الذي صارع من أجل محاربة (أشباح الظلام) المناهضين للدولة العثمانية وسبب سقوطها، لقد ولد العالم التركي الجليل سعيد النورسي في قرية نُوْرْس في تركيا عام 1877م، من أبوين كرديين، في محيط يخيم عليه الجهل والفقر. كما أن حياته لم تكن إلا ملحمة من الوقائع والأحداث، لكن رغم ذلك إلا أنه انكب على طلب العلم منذ نعومته أظافره، وكما أنه عُرف بحفظه مما خول له التهام أمهات المتن مما سيسهل عليه فهم القرآن العظيم وتفسير نصوصه وبيان مرامي آياته البينات ضمن رؤية تبلورت مع الزمن ومع أطوار رحلة العمر.

الرواية تجسد حياة الكاتب وحياة سعيد النورسي ومكابدته، وكذلك المحن التي خاضها من أجل الدفاع عن الدين .إن كان بطل هذه الرواية سعيد النورسي قد رحل إلا أنه قد ترك وراءه: كليات رسائل النور

كما أنه حارب الجهل، وحارب أيضا الفساد وأعداء الدين؛ سواء كانت محاربته تلك بالسلاح ضد أعداء وطنه وأعداء الدين كالحروب التي قادها ضد الروس والألبان، أو داخل وطنها في معترك السياسة في فترة – سعيد القديم – التي تمتد من ولادته 1960م، إلى مرحلة إقامته الجبرية في بارلا سنة 1926م. حيث قام في هذه المرحلة بخدمة الإسلام، بالدخول في عالم السياسة وذلك عن طريق كتابة المقالات لرد شبهات حزب الاتحاد والترقي. كما تخللتها أيضاً مرحلة انقلابه إلى سعيد الجديد، وهي المرحلة الثانية من حياته التي نرى فيها أن سعيد الجديد قد طلّق الحياة السياسية تحت شعاره المعروف "أعوذ بالله من الشيطان والسياسية" كما أخذ على عاتقه مسألة "إنقاذ الإيمان" في تركيا وذلك بعدما تيقن استحالة خدمة الإسلام عن طريق السياسة؛ حيث أغلقت المدارس الدينية والجوامع والمساجد. لكنه رغم تركه لساحة السياسة إلا أنه ظل ملاحقاً من طرف (أشباح الظلام) حيث ثم أخذه إلى المحاكم ست مرات، لكن لم تكن لهم أي دلائل ملموسة على أنه يقوم بشيء مخالف للنظام. لكن رغم ملاحقتهم له الا أنه استطاع كتابة رسائله (رسائل النور) – التي كتبت ونشرت بصورة سرية حينها – حيث كان يريد من خلالها إنقاذ الإيمان، لكنها لاقت محاربة شديدة من قبل نظام الحكم العلماني السائد في تركيا في ذلك الوقت.

لقد تضمنت هذه الرواية الكثير من تاريخ اسطنبول خاصة وتركيا عامة؛ كيف تحولت تلك المدن العامرة بالإيمان إلى مدن يسودها الجهل ومحاربة الإيمان وأهله، وكذلك كيف ساد الظلم جراء الاعتقالات أو إخراس أصوات المآذن فيظن رائيها حينئذ أنها لن تقوم لها قيامة أخرى، لكن الليل رغم طوله إلا أن النهار قادم بنوره ليكشف الظلمات، لقد توزعت الرواية على سبعة فصول، وخُصِصَ لكل فصل عنوان أصلي تحته عناوين فرعية، وجاءت العناوين رمزية تحتاج إلى ذكاء القارئ لفك دلالتها:

الفصل الأول: الأشباح تُهاجم المدينة "جهود علمنة تركيا".

الفصل الثاني: مُكابَدات سعيد القديم "قبل النبوغ والفتح القرآني".

الفصل الثالث: إسطنبول، بين الأولياء والأشقياء "شخصيات أثّرَت في تاريخ تركيا: عبد الحميد الثاني، كراصو".

الفصل الرابع: تجلّيات الموت "عرض للمعاناة والمكابدات".

الفصل الخامس: مكابدات سعيد الجديد "التدافُع العلماني والإسلامي بعد تَفتق الموهبة الإيمانية".

الفصل السادس: منفى "بارلا"… مولد النور والجمال: انتشار "رسائل النور" رغم التضييق.

الفصل السابع والأخير: تجلّيات الحُزن الجميل "يرصد اللحظات الأخيرة من حياة -النورسي-".

 إن هذه الرواية تجسد حياة الكاتب وحياة سعيد النورسي ومكابدته، وكذلك المحن التي خاضها من أجل الدفاع عن الدين .إن كان بطل هذه الرواية سعيد النورسي قد رحل إلا أنه قد ترك وراءه: "كليات رسائل النور" التي كرست كل ما استلهمه من نور القرآن الكريم من معاني الإيمان. كما أن الكاتب بدوره قد رحل تاركاً وراءه عمله -آخر الفرسان- مكرسا به حياة كابدت المحنة بجميع أصنافها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.