شعار قسم مدونات

التاريخ والحضارة.. بعيدا عن جدل العلمانية!

blogs قراءة

تستفز عقلي كتب التاريخ، بشخصيات بارزة وأخرى مجهولة وضعت أفكار بمثابة لبنات للحاضر والمستقبل، لكننا وبكل تفوّق استطعنا الانجرار وراء القطيعة فتركنا التاريخ يأكل بعضه على الرفوف المنسية، لا في الحقيقة نحن من نتآكل بتفاهاتنا، التاريخ يتأملنا بدل أن نتأمله، ولا داعي للدخول في الجدل حول مقولة: " التاريخ لا يعيد نفسه"، هذا لا يعنينا فنحن أمة ضحكت من جهلها الأمم، كيف ونحن نجهل التاريخ لم نُعرّج على تفاصيله ونأتي لإعادة ما قيل كالببغاء، فما أدرانا أن يُعيد التاريخ نفسه ونحن لم نقرأ فيه سطراً واحداً بتدبُّر؟

هناك من يقود حملات الانفتاح التي لا طائل منها إلاّ التهريج والركض وراء الشهرة، يربط التخلف الذي نعيشه بتعلقنا بالتاريخ وما كان عليه أجدادنا، يحصر الأمور في دائرة الأعراف والتقاليد، ونسي أنّه يدُّس أفكارا لا تتناسب وخصوصيته كإنسان له جذور حتى لو حاول التنصّل منها، وسيحدث أن يكشف غطاءه التقليدي في أول مشكلة يتعرض لها، أو بالأحرى في أول نقاش سيخوضه حينها ستظهر ملامحه الحقيقية وأخجل من نفسي حين أربطها بموروثٍ ما، حاشاها الأصالة أن تتعلّق بالتخلف، وهذا هو الضياع الذي نعيشه اليوم، فنحن نأخذ اقتباساً من هذا وذاك، إذ ليس لنا الوقت لتصفح صفحات التاريخ من أول سطر إلى آخره، بل نتعجّل أخذ المختصرات، التي جعلت منّا أضحوكة وفزاعة في ذات الوقت.

لا أدري ما الذي قادني للحديث عن هذا الموضوع، لكن لا بأس من المحاولة في وقت الجميع فيه مشغول بمواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقع "صراحة" الذي أغرقهم في دائرة الوهم أكثر، وما أبعدهم عن الصراحة وما أقربهم من الوقاحة، فالذي تنقصه الشجاعة لمواجهتك في وجهك بعيوبك التي لا تصل إلى حد أكاذيبهم الملفّقة التي تجاوزت قذائف الهاون التي فجرت دولا وشرَّدت شعوبا وأمما، يراسلك عبر موقع الكذب ذاك ليعبٍّر لك إما عن كرهه الشديد، أو حبّه العميق فيترك لك المجال للتخمين وسوء الظن.

كلّ تيار سواءً كان ليبيراليا ديمقراطيا يُنادي بالعلمانية أو تيارا سلفيا أو إخوانيا يُنادي بالشورى وتطبيق الدين، فكلاهما يتصارعان على الماديات لكن بطريقة متعاكسة

موقع الصراحة ذلك يمكن اسقاطه على مرحلة اللاشجاعة التي نعيشها، فأقل ما يقال عنّا أنّنا أشباه مواطنين، ودولنا أشبه ما تكون بالعصر الحجري، أما الحديث عن الحضارة فبات وهمًا، فأين هي الأخلاق والقيم والعلم والتراث والأصالة والدين والحكمة التي يمكن اسقاطها فحتى الجانب المادي للحضارة غائب، فما العزاء يفيدنا ولا حتى زلزال أو تسونامي سيمحيان عارنا وأُفولنا.

حينما يتهافت الشباب على التغني بالعلمانية وأبسط قول هو: "نعم الحل هو في أن نتعلمن، فالدين خاص بجوهر الإنسان ولا طائل منه في السياسة"، وهل جاهدت جهلك يا صديقي وقرأت الكتب التي تشرح العلمانية لغة واصطلاحا، هل حاولت أن تتعرّف على أسباب ظهورها، والدوافع منها، أم أنّك أفلحت في أخذ الاختصارات وتريد اسقاطها على مجتمعك، سأقولها على مجتمعات تتخبَّط في اللاشيء، فهل يا ترى ستعنيها سلفيتك أو علمانيتك؟

 

لا وألف لا هي تركض وراء "الخبزة"، وعند أول أزمة تتجه نحو صومعتها تناجي الله أن يُفرّج كربها، فكيف لك أن تدعو الناس إلى العلمانية بوجه الإلحاد، وأنت تجهل بأن الإنسان باختلاف ديانته حينما يفرح أو يحزن يرفع يديه إلى الله، فلا داعي أن تربط الروحانيات بالماديات، وكن شجاعا في إيصال فكرتك حتى لو كانت متطرفة، فتلك التيارات هدفها السلطة لذا تجدها تستغل الدين فتنفيه بالعلمانية، وما أجهل هؤلاء بالدين وبالعلمانية في ذات الوقت.

للأسف كلّ تيار سواءً كان ليبيراليا ديمقراطيا يُنادي بالعلمانية أو تيارا سلفيا أو إخوانيا يُنادي بالشورى وتطبيق الدين، فكلاهما يتصارعان على الماديات لكن بطريقة متعاكسة فالعلماني يُشوّه صورة الدين كي يستولي على السلطة، والآخر يشوّه صورة الحرية والديمقراطية التي لم يخلوا أي دين منها لكن بتسميات مختلفة من أجل أن يستولي على الكرسي، وما أبشعهما كلاهما.

الأفضل لك أن تكفر بالتحزب وتُلحد بكل فكر متطرف، أن تعيش إنسانيتك بدل أن تنجرّ وراء إيديولوجيات مُستهلكة بائسة تتلاعب بالظروف الصعبة وضعف الإنسان أمام رغباته وحاجاته الضرورية، ولك قبل أن ترتمي في أحضان هذه التيارات أن تفتح كتاباً وتبحث في التاريخ، أو أن تفتح قاموسا وتفهم معنى المصطلحات، أو أن تجعل قلبك دليلك قبل أن تتحوّل إلى إمَّعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.