شعار قسم مدونات

المشهد الجزائري.. ثلاثية الثيرن المتصارعة (4)

blogs الجزائر

يبدو مستقبل الجزائر ضبابيا في ظلّ صراع الأجنحة وتضارب مصالحها وولاءاتها الخارجية، وعلاقات كلّ مجموعة مع القوى الدولية، وشأن الجزائر في إفريقيا كشأن مصر في الشرق الأوسط وباكستان في منطقة أوراسيا، حيث تولي كلّ من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين أهمية قصوى لوضع الجزائر ونظامها، وتسعى كلّ دولة إلى بسط نفوذها ودعم مرشّحها في الانتخابات المقبلة.

وإن كانت فرنسا تعوّل على الدولة العميقة وكيلها الحصري في منظومة الحكم، والراعي الأوّل لمجموعة تيزي وزو فإنّها لا تضع بيضها في سلّة واحدة، فهي من جهة تقف خلف هذا الكيان الموازي وتسنده استخباراتيا وماليا وإعلاميا، ومن جهة ثانية تدفع بمجموعة بوتفليقة إلى الواجهة أيضا حيث يشكّل بوتفليقة كنزا استراتيجيا لفرنسا منذ كان وزيرا للخارجية في السبعينات وهو معروف بعلاقاته مع من يسميهم "أصدقاؤه الفرنسيون"، وتجسّد ذلك بعد تولّيه السلطة في 1999 حيث أضحت فرنسا "الشريك" الاقتصادي الأوّل للجزائر، أو الناهب الأوّل لخيراتها، وقد تجلّت خاتمة العلاقة الحميمة بين التفالقة وباريس في اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين الموقعة في 20 ديسمبر 2012 ثمّ ترتيبات فال دوغراس بعد سنة من ذلك.

 

وما كان بوتفليقة ليواصل العهدة الرابعة لولا الدعم الفرنسي الذي تلقّاه حينذاك، وما كان للفرنسيين أن يدعموه لولا الضمانات التي منحهم إيّاها بدء بمنح شركة توتال حقّ التنقيب عن الغاز الصخري ومواصلة تنفيذ مخطط فرنسة التعليم عن طريق الوزيرة بن غبريط، وليس انتهاء بالإبقاء على تسيير القطاعات الحيوية حصريا لفائدة الفرنسيين، حيث تسيطر شركاتهم على الموانئ والمطارات وشبكة الترامواي والمترو، وهي قطاعات يفترض بدولة سيّدة أن تسيّرها بنفسها نظرا إلى أهمّيتها في الأمن الوطني، وأنّى لوكلاء الاستعمار الجديد أن يفعلوا.

يبقى الرّوس والصينيون قوتي الظلّ المؤثرتين في السياسة الداخلية الجزائرية اللتان لا يتحدّث عن تأثيرهما أحد وكأنّهما غير موجودتين، في حين تشكّل مجموعة قيادة الأركان الطّرف الأقرب للروس

أمّا الأمريكيون فلهم في الصراع وكيل ليس أقلّ وزنا من الفرنسيين، إذ يظلّ التفالقة خدما طيّعين يوازنون بين مصلحتي السيّدين الأمريكي والفرنسي ويقسّمان عليهما صفقات النفط بما يرضيهما معا، وعلى مرّ 13 سنة كان للولايات المتّحدة رجل قويّ في السلطة يتولّى إدارة قطاع الطاقة، وهو الوزير المغضوب عليه فرنسيا، المرضيّ عليه أمريكيا ونعني به الوزير الأسبق والمرشّح المحتمل شكيب خليل المتّهم بعقد صفقات مشبوهة سابقا والمبرّئ منذ عودته إلى الجزائر بعد سقوط صنم الدولة العميقة الجنرال توفيق.

هذا الأخير وإن بدا أكثر ميلا للفرنسيين إلاّ أنّه يحافظ على علاقات متينة مع الطرف الأمريكي، ويجوز القول أنّ توفيق هو الرجل الثاني المتفق عليه بين الأمريكان والفرنسيين بعد الرئيس بوتفليقة. ويبقى الرّوس والصينيون قوتي الظلّ المؤثرتين في السياسة الداخلية الجزائرية اللتان لا يتحدّث عن تأثيرهما أحد وكأنّهما غير موجودتين، في حين تشكّل مجموعة قيادة الأركان الطّرف الأقرب للروس، إذ من المعلوم أنّ النخبة العسكرية في أغلبها تكوّنت ودرست في الكليات الحربية الروسية، ويحافظ عناصرها على علاقات وطيدة مع الكاي جي بي، وموسكو هي المورّد الأوّل للجيش الجزائري بالأسلحة، إضافة إلى الصينيين في مجال توريد منظومات الصواريخ، دون نسيان الأمريكيين والأوكرانيين والايطاليين والفرنسيين، ولكلّ هؤلاء أدوار متفاوتة في رقعة الشطرنج الجزائرية.

مخطئ من يظنّ أنّ روسيا والصين تتنازلان عن حقّهما في ترتيب بيت النظام الجزائري، علما أنّ ذلك خاضع إلى التوافق مع الطرفين الأكثر قوّة أي فرنسا والولايات المتّحدة، ومن المستبعد جدّا أن يكون لهما مرشّح مستقلّ عن إرادة باريس وواشنطن، هكذا تبدو صورة المشهد الجزائري في بعده الجيوسياسي في النطاق الشمال إفريقي والمغاربي. وبالعودة إلى احتمالات التحالف والحسم بين الثلاثية المتصارعة نجمل السيناريوهات المحتملة لمستقبل الجزائر كالآتي:

1- حلف بوتفليقة – الدولة العميقة:

قد يضطرّ الرئيس إلى عقد تحالف مرة أخرى مع الكيان الموازي المتمكّن من معظم مفاصل الدولة كما حدث سنة 1999 ليواصل عهدة خامسة أو يستخلف الرئيس بشقيقه السعيد، كما قد يلجأ إلى ترشيح واحد من جماعة تلمسان ليحلّ محلّه، ومن بين الأسماء المحتملة نجد كلاّ من: الطيب بلعيز، الطيب لوح، عبد الغني الهامل، يوسف يوسفي، مراد مدلسي، عبد القادر بن صالح، مع ترجيح كفّة الأول والثاني بعد شقيق الرئيس مباشرة، وكلّهم ينتمون إلى مجموعة تلمسان، وهو ما تفضّله الدولة العميقة إذ تستخدم واجهة تلمسان لإخفاء وجه مجموعة تيزي وزو. إن حصل هذا فمن المرجّح استمرار الوضع على ما هو عليه لعهدة أخرى على الأقل، وسيضطرّ الحلف إلى تقديم تنازلات أخرى لفرنسا، وسيرسّخ الانتداب أكثر ويزيد وضع الجزائر تدهورا، سنصبح دولة وظيفية تشبه مصر في السنوات الأخيرة لحسني مبارك، بل قد نتجاوز ذلك لنكون باكستانا جديدا في شمال افريقيا، مع احتمال انفجار الوضع أمنيا.

2- حلف بوتفليقة – القايديون:

في حال إصرار مجموعة تيزي وزو على تعظيم هيمنتها سيلعب بوتفليقة لعبة مغايرة بالاعتماد على قيادة الأركان لهزم الكيان الموازي، إذ لا يمكنه النجاح منفردا نظرا إلى قوّة المجموعة وسيطرتها على الأذرع المالية والاعلامية التي ستستغلها لتدمير البوتفليقيين خاصة إذا علمنا أنّ ملفات خطيرة بين يدي الكيان الموازي ويمكن استخدامها ضدّ أقطاب التفالقة بسهولة، إعلاميا فقط تستطيع الدولة العميقة ضرب كتلة بوتفليقة بالقاضية، دون الحديث عن المساومات المتعلقة بالضغط المادي على الرئيس وتهييج الشارع عن طريق رفع أسعار السلع الأساسية وقطع التموين وغيرها من الأساليب التي برعت فيها الدولة العميقة منذ أحداث أكتوبر 1988، وسيكون لرجل الأعمال يسعد ربراب الدور الأكثر أهمية على الجبهة الاجتماعية إذا ما لجأت الدولة العميقة لهذا النوع من المساومات باعتباره يحتكر سوق السلع الأساسية ويسيّرها وفقما ترغب مجموعة تيزي وزو.

سوف تسترد الدولة العميقة سيطرتها الشاملة باستغلال عجز الرئيس وغياب شخصية قادرة على أخذ زمام المبادرة من بين المحيطين به، مع تجييش الرأي العام ضدّ شقيقه ومنع ترشّحه وتقديم مرشّح الدولة العميقة وضمان فوزه
سوف تسترد الدولة العميقة سيطرتها الشاملة باستغلال عجز الرئيس وغياب شخصية قادرة على أخذ زمام المبادرة من بين المحيطين به، مع تجييش الرأي العام ضدّ شقيقه ومنع ترشّحه وتقديم مرشّح الدولة العميقة وضمان فوزه
 

كما أنّ هذه الأخيرة تستقوي بفرنسا ومخابراتها وتملك ملفات فال دوغراس وبنود الاتفاقية المبرمة أثناء تطبيب الرئيس هناك، دون إغفال بنود اتفاقية التعاون الاستراتيجي، وهو ما يجعل بوتفليقة تحت ضغط لا يمكن الفكاك منه إلاّ باللجوء إلى مجموعة القايديين، حينذاك لا يُستبعد لجوء الدولة العميقة إلى الفوضى واستعمال الطرق المافياوية وربما تسريع إنشاء ميليشيا الارهابي فرحات مهنّي، ويمكنها فعل هذا أيضا في حالة هيمنة مجموعة القايديين منفردين على السلطة، وقد بدأت إرهاصات التخويف بالارهاب مبكّرا مع حادثة الاعتداء على ثكنة عسكرية وسقوط عدد من الجنود هذه الأيام في سكيكدة شرق الجزائر.

3- استرداد الدولة العميقة لسيطرتها الشاملة:

باستغلال عجز الرئيس وغياب شخصية قادرة على أخذ زمام المبادرة من بين المحيطين به، مع تجييش الرأي العام ضدّ شقيقه ومنع ترشّحه وتقديم مرشّح الدولة العميقة وضمان فوزه، ولن يتأتّى لهم ذلك دون هزم مجموعة القايديين وتعيين واحد من طائفتهم على رأس قيادة الأركان، ولن يكون سوى قائد القوات الجوية عبد القادر لوناس أو قائد الناحية الثانية سعيد باي، ولا تخلُ خزانة الكيان الموازي من شخصيات جاهزة لتولّي المهمة أبرزها: الوزيران رمضان لعمامرة وأحمد أويحي، ورجل الأعمال يسعد ربراب، وسعيد سعدي، ومحسن بلعباس، وبن فليس، وبن بيتور، وربّما الاستعانة بواحد من الوجوه المغمورة للأحزاب الليبرالية أو اليسارية ذات العقيدة الاستئصالية. كما سلف ذكره فإنّ الدولة العميقة قويّة إلى درجة تستطيع من خلالها حسم الصراع لصالحها ما لم تجد حسما من القايديين الذين يستحيل محالفتهم.

4- حسم الصراع من القايديين:

يستلزم ذلك السيطرة على قيادة الأركان كلّيا مع مختلف القوات والنواحي، وكسر هيمنة الدولة العميقة على الادارة والمال والاعلام، وإن كان ذلك صعبا جدّا إلاّ أنّه ممكن إذا ما استعانت الجماعة بما تملك من ملفات ضدّ خصومها وضمنت ولاء بعض أثرياء الحرب بطريقة ما.

يحتاج نجاح القايديين إلى تقديم مرشح للرئاسيات يشترط ألاّ يكون من وجوه النظام ولا من العسكر أيضا، مع ما في ذلك من ضرورة لرمي الحقيقة للجماهير وهذا ما لم يتعلّم العسكريون الجزائريون فعله في السابق ولم يأخذوه عن الدولة العميقة، إن لجأ القايديون إلى ذلك سيضطرّون إلى الدفع بوزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، أو نبش الأرشيف والاستعانة بمولود حمروش، مع إمكانية ضئيلة للدفع بمرشح غير معروف شعبيا. أمّا سيناريو حسم الصراع من طرف التفالقة منفردين فيبدو بعيد الحدوث نظرا إلى وزن الخصمين المنافسين.

يشار إلى أنّ هذه السيناريوهات تظلّ صالحة حتى في حال وفاة بوتفليقة قبل موعد الرئاسيات، فذلك لنن يؤثّر إلا فيما يتعلّق بتسريع تنفيذ أحدها تماشيا مع متطّبات الظرف الزمني. في كل هذا الخضمّ قد يتساءل أحد: ما محلّ الشعب من الإعراب؟ والجواب أنّ الشعب في كلّ الحالات خارج السياق، سيتمّ توجيهه من طرف الإعلام الموجّه صوب ما يبتغيه الطرف القويّ في حلبة الصراع، وسيلوّح الشعب بقطعة القماش للثور المنتصر في المعركة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.