شعار قسم مدونات

خمر في المسجد الأقصى.. ماذا بعد؟

blogs الأقصى

كتبت هنا في حزيران/يونيو من العام الجاري 2018 تحت عنوان  (الحزن والشوق للمسرى الأسير) عن ظاهرة جديدة لفتت نظري في زيارتي الأخيرة إلى بيت المقدس في رمضان الماضي وهي وجود مجندات من الشرطة الإسرائيلية برفقة رجال شرطة على بوابات المسجد الأقصى يشربون العصير ويتناولون الطعام، غير آبهين بمشاعر المسلمين في شهر الصيام أولا، ولا يقيمون وزنا بفعلتهم إلى قدسية وحرمة المكان ثانيا. قدرت أن هذا السلوك المغاير لسلوكهم في سنوات خلت إشارة إلى أنهم لا يعتبرون المكان خاصا بالمسلمين بل هو شراكة بين المسلمين واليهود، مؤقتا إلى أن تتهيأ الفرصة وينتزعوه عنوة من المسلمين.

 

بعد حوالي ثلاثة أشهر يوم الأحد التاسع من أيلول/سبتمبر 2018 نرى نحن الممنوعون من دخول المسجد الأقصى مقطع فيديو ويرى شهود العيان أحد ضباط الشرطة الإسرائيلية يدخل إلى باحات المسجد الأقصى ويحمل في يده زجاجة خمر.. وقد قام حراس المسجد الأقصى، كان الله في عونهم على ثقل وعظم المسئولية في زمن (العلو الكبير) بإجباره على إخراج زجاجة الخمر من ساحات المسجد، وهذا مقطع فيديو يوثق جانبا من الحدث الفظيع:-

 

وحسب ما تناقلته وكالات الأخبار فإن الضابط قد زعم أن هذه الزجاجة هي (هدية) تلقاها على الباب بمناسبة عيد رأس السنة العبرية…طبعا في الأمر ما هو أكبر من ذلك، والجو العام والأحداث لا تدع أي مجال لاعتبار الأمر حدثا عرضيا عابرا. إدخال أحد ضباط الشرطة الخمر إلى ثالث المساجد قدسية عند المسلمين، وهو قبلة المسلمين الأولى، ومسرى النبي محمد –صلى الله عليه وآله وسلم- تزامن مع تكرار ما يراد أن يكون حدثا طبيعيا روتينيا، وأعني اقتحام المستوطنين اليهود باحات المسجد الأقصى وتأدية بعضهم طقوسا تلمودية فيه.. هذا الحدث صار يوميا تقريبا، ويشارك في عمليات الاقتحام شخصيات حكومية، مثل وزير الزراعة (يوري أرئيل) إضافة إلى ضباط مخابرات وشرطة وغيرهم.

 

فالأمر مدروس ومخطط له جيدا، ففي الوقت الذي يقتحم فيه هؤلاء المغضوب عليهم مسجدنا المبارك يتم الحكم بمنع مرابطين ومرابطات من دخول المسجد الأقصى لفترات زمنية معينة بعد اعتقالهم، وهذا الإجراء (منع دخول المسجد) يشمل بعض موظفي الأوقاف. الخطير في الأمر أن اقتحام المسجد الأقصى يوميا صار في الأخبار كأنه حدث عادي روتيني، وهذا أحد أهداف سلطات الاحتلال، أي جعل الأمر يبدو طبيعيا، أو خبرا أشبه بخبر وضع حاجز عسكري على أحد شوارع وطرق الضفة الغربية، فلا يحرك الخبر مشاعر الناس، بحكم التكرار والاعتياد.

 

وربما لتثبيت هذا الواقع، أي اقتحامهم للمسجد الأقصى وتأدية طقوسهم في باحاته، يخلقون حدثا أكبر أو أخطر ليصبح الحدث السابق، غير ذي أهمية أو أقل أولوية لمواجهته…إنها سياسة خبيثة متواصلة، تصعد وتهبط ولها مراحل وخطط منذ أن وقع المسجد الأقصى في قبضة الاحتلال الصهيوني قبل أكثر من نصف قرن. في العام الماضي حاولوا فرض واقع جديد بتركيب بوابات إلكترونية على مداخل المسجد؛ ولكن المقدسيين رفضوا الأمر وانتفضوا وأظهروا أن هذا الإجراء لن يتم إلا على جثثهم، فتراجعت سلطات الاحتلال تراجعا تكتيكيا، لتواصل مخططاتها. الآن نحن أمام سابقة إدخال الخمر إلى المسجد الأقصى، وهو حدث شنيع ينبغي مواجهته والتصدي له، ولكن تكراره، يعني أن المواجهة ستكون مع من يحمل الخمر، وربما مع من سيشربها في باحاته، وليس ضد قطعان المستوطنين الذين يقتحمونه.

 

ليس للأقصى حاليا مع بالغ الأسى من أمة المليار ونصف المليار إلا ثلة من المرابطين والمرابطات، الذين يدافعون عنه بأرواحهم.. أما الاحتلال فهو ممعن في سياسة التهويد التدريجي

لا شيء مستبعد أو مستغرب؛ فالمستوطنون وحكومتهم وجيشهم، يرون أن ترمب أعطاهم ويعطيهم وسيعطيهم المزيد من المزايا والتسهيلات لاستكمال تهويد الأراضي الفلسطينية عامة، والقدس خاصة، ويعرفون أن العرب والمسلمين يغرقون في مشكلاتهم بين بعضهم أو في أمور أقطارهم ومشكلاتها المختلفة، وأن غالبية أنظمة حكمهم لن تجرؤ على مواجهة إسرائيل مرضاة لأمريكا، أو لسبب أو أسباب أخرى، وأن أكبر شيء سيصدر عنها هو بيان شجب واستنكار مكرر نسمعه منذ عشرات السنين.

 

ليس للأقصى حاليا مع بالغ الأسى من أمة المليار ونصف المليار إلا ثلة من المرابطين والمرابطات، الذين يدافعون عنه بأرواحهم.. أما الاحتلال فهو ممعن في سياسة التهويد التدريجي واستفزاز مشاعر المسلمين فيكون رد الفعل من الأمة المسلمة هو هو. وقد كتبت إحدى المرابطات اللواتي اخترن درب ذات الشوكة دفاعا عن المسجد الأقصى وهي السيدة خديجة خويص على صفحتها في فيسبوك:-

 

"هل ننتظرُ أن نراهم سكارى في #الأقصى!!؟
أم ننتظرُ حتى يقيموا هيكلا !!؟

والله باطنُ الأرض خير لنا من ظاهرها، أو ادفنوا رؤوسكم في الترابِ خجلاً من تقاعسكم !!"

 

نعم أختاه قد ترينهم سكارى في باحات الأقصى، وقد يفعلون الفواحش جهارا نهارا في أروقته ومصلياته فقد طغى الخطب وفدح الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لك الله يا مسرى المصطفى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.