شعار قسم مدونات

أوسلو.. ربع قرن من التيه!

blogs اتفاقية أوسلو

لا يحتاج المرء لكثير تفكير أو لعمق بصيرة ولا حتى لأدنى متابعة ورصد لما جرى عبر ربع قرن من الزمن منذ توقيع اتفاقية أوسلو كي يستنتج مدى كارثيتها على القضية الفلسطينية شعباً وأرضاً؟! بل ربما يكفي جمع شهادات عرّابيها والذين نظّروا لها ووقعوا عليها للاستدلال على حجم خطورتها خلال مسار الحركة الوطنية الفلسطينية ولعل آخرها تصريحات صائب عريقات حول جدلية الخطأ في التوقيع أو المضمون عبر طرح هزلي ممجوج.

 

وعلى سبيل الذكر لا الحصر قال رئيس السلطة محمود عباس في تأكيد واقع السلطة الفلسطينية بأنها "بلا سلطة"، والاحتلال بات "من دون كلفة"، جاء ذلك عندما كان يتحدث في كلمتين منفصلتين أمام المجلس المركزي، ومجلس الأمن الدولي خلال العام الجاري. عباس الذي يوصف بأنه "مهندس اتفاق أوسلو"، وافق ومن معه على إحالة قضايا القدس والمستوطنات واللاجئين والترتيبات الأمنية والحدود إلى مفاوضات باتت لا منتهية، وعملية تسوية أقر عباس بنفسه أنه لم يحصل تقدم فيها منذ توقيع الاتفاق سنة 1993، ويقول المراقبون إنها باتت مفاوضات من أجل المفاوضات.

 

على الأرض، وبعد 25 سنة على اتفاق أوسلو، ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة من 111 ألفًا إلى 750 ألف مستوطن. والعام الماضي، كشفت إحصائيات فلسطينية أن عدد المستوطنين تضاعف في الضفة الغربية المحتلة سبع مرات منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، مبينة أن وتيرة الاستيطان ارتفعت ضمن اتفاقيات التسوية أكثر منها خلال الحروب.

 

لا يمكن الرضوخ والخضوع لحالة الانقسام الفلسطيني والانتظار لعقد آخر من الزمان ولا ينبغي الاستمرار في هذا الاستنزاف في الوقت والجهد فقد آن الأوان لإحداث اختراق ما في مسار المصالحة المعطل

في كل الأحوال التشخيص اليوم بات واضحاً لانعكاس أوسلو السلبي على المشهد الفلسطيني ولا يمكن لعاقل أن يختلف مع ذلك إلا إذا كان مرتزق أو مرتهن لمصلحة شخصية بحتة هذا بالطبع إذا كنا لا نريد أن ندخل في مصطلحات كالتخوين وغيرها. وحتى لا نغرق في سوداوية المشهد وانسداد الأفق الذي جلبته أوسلو وما تبعها من تنازلات أدخلت المشروع الوطني الفلسطيني برمته في مأزق وأزمة نرى أنه من الضرورة بمكان التركيز على حلول ومخارج لهذه الأزمة والمأزق الذي أصاب الكل الوطني الفلسطيني بالمناسبة، ولم تنحصر تبعاته على أصحاب مشروع أوسلو فقط.

 

اليوم وفي ظل إدارة ترامب المتماهية لأقصى حد مع اليمين الصهيوني الحاكم يتم التركيز على شطب ركائز القضية الفلسطينية والإجهاز على مرتكزاتها وثوابتها الأساسية من القدس مروراً بحق العودة ليظهر أن كل ما جرى من استيطان وتهويد وفرض وقائع على الأرض ليس سوى مقدمات للوصول إلى الهدف الأساسي المتمثل بشطب القضية الفلسطينية وإزاحتها تماماً عبر ما يسمى صفقة القرن التي يجري تنفيذها دون الإعلان عنها ضمن خطة أمريكية محكمة بحيث يتم الإعلان عنها بعد الانتهاء من التنفيذ.

 

لا شك القضية الفلسطينية تؤثر وتتأثر في مستويات عدة عربية وإسلامية وإقليمية ودولية لكن المستوى المحلي الوطني الفلسطيني المحلي هو الأقدر على التأثير بمجرياتها والكرة في الملعب الفلسطيني وبرسم صناع القرار فيه وهذا ما أثبتته أحداث قرن بكامله. وعليه لا يمكن الرضوخ والخضوع لحالة الانقسام الفلسطيني والانتظار لعقد آخر من الزمان ولا ينبغي الاستمرار في هذا الاستنزاف في الوقت والجهد فقد آن الأوان لإحداث اختراق ما في مسار المصالحة المعطل والخلاص من جولات المماطلة والتسويف الذي بات واضحاً لكل ذي لب أنها متعمدة ومقصودة سواء عبر أجندات شخصية أو تدخلات خارجية.

 

هذا الاختراق الذي ننشد لن يحدثه بتقديرنا سوى الشعب الفلسطيني المتضرر الأساس وفي ذات الوقت هو صاحب الكلمة الفصل فالشعب الذي أبدع في اجتراح مسيرات العودة والشعب الذي قدم طوال قرن كل هذه التضحيات الجسام هو الأولى في أخذ زمام المبادرة وتجاوز كل هذه المرحلة بعجرها وبجرها لهو قادر على إحداث هذا الاختراق وإن كان ثمة رهان ومعوّل فهو من دون شك عليه فقد بلغ السيل الزبى حيث نقف على حافة الهاوية ونكاد نقترب من نقطة اللاعودة. وعليه فهي دعوة مفتوحة لإطلاق تيار شعبي منعتق من أية ضغوط ومتحرر من أية أجندات وغير خاضع لابتزاز المال السياسي المشروط لا يحكمه سقف ولا تحدده حدود سوى حدود فلسطين من بحرها إلى نهرها مهمته الأساس إنتاج حراك وطني مستقل بحق يقطع مع ما سبق من فصول بائسة أرخت بظلالها على الحركة الوطنية الفلسطينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.