شعار قسم مدونات

"أريد الانتحار".. ردُّ الشيخ الذي صدمني!

مدونات - الانتحار

"يا شيخ أنا تعبان وأشعر بالتعاسة، وقد حاولت إني انتحر مرتين ولم أنجح، والآن وأنا أتكلم معاك أفكر جديا في محاولة الانتحار من جديد، أريدك ترشدني يا شيخ"، كانت هذه كلمات المتصل الذي يصلُ حزنٌ مُتحكمٌ بصوته إلى كُل سامع، تقابله، من هناك عبر شاشة التلفاز، صورة شيخٍ يبتسم، ابتسامة دائمة لطالما أعجبتني، لكن في لحظة واحدة، حين ردَّ على الشاكي بأربع كلمات جافة: "متفكرش في كدا تاني"، "نَمُر للاتصال التالي، السلام عليكم مين معي؟"، شعرت أنها ابتسامة جد بلهاء.

أعتقد أن هذا الشاب الذي اتصل بشيخه، في شتاء بارد من أرض الكنانة، شعر ببرودة الجواب وقسوته على حرارة السؤال ولوعته، أنا المتابع من خلف الشاشة انتابتني موجة غضب وحالة من الضيق في الصدر، وكيف لا أكون كذلك وقد فتح الشاب قلبه للشيخ على أمل إيجاد شيء يريح قلبه، قشة تبقيه فوق الأرض، تربطه بعالمنا القاسي في نظره، الجميل في أصله وطبيعته، لكن الجواب كان موغلا في الجفاء إلى أبعد حد. ما أغضبني حقيقة هو أن الرغبة في المكالمات، والخضوع للسوق والسعي نحو الأرباح، انتصر على كل القيم التي يدعي البرنامج أنه جاء لنشرها في المجتمع، وما أحزنني أن شيخنا له مؤلفات عدة وفيديوهات كثيرة وهو يدعو إلى السعادة والأمل والعيش بحب والثقة في المستقبل، لكن في لحظة الامتحان سقط كل الكلام أمام عدسة الكاميرا وعلى مرأى ومسمع الملايين.

‘لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا’’، حُق على كل واحد منا ألا ينتصر عليه الإحباط، يكفي أن تكون مع الله، بإحياء الإلهي فيك أيها الإنسان وسيكون الله معك

تساءلت مع نفسي، ألم يكن بمقدورك يا شيخ أن تتقمص دور الناصح، أن تلبس جبة المرشد، أن تمثل دور الطبيب؟!، بدل أن ترمي بأربع كلمات من طرف اللسان إلى مشاهدين يتابعون الحلقة بقلوب مفتوحة ومشاعر جياشة.. لقد تعلمت من الحياة أننا حين نشكي همومنا للغير، إنما نتوق لنظرة حب نراها في العين، أو ملمح تعاطف صادق يعلو الوجه، أو صدق مشاعر محمولٍ عبر نبرة الكلمات. كم سيكون شعور الشيخ كبيرا، أو هذا ما أفترض، لو أمكنه أن يُرجع نفسا إلى الحياة بعد أن حسمت أمرها بالرحيل، أن يقنعها بالصمود والمقاومة في وجه الاستسلام واليأس والإحباط، صحيح أن آلامنا في وطننا العربي كبيرة، ومشاكلنا تكاد لا تنتهي، بل تزيد يوما بعد آخر، فنحن، في مشهد درامي حزين، نَحِنُّ بطريقة هستيرية إلى الماضي، بكل ما يعنيه هذا الحنين، من حمولات إيجابية على رأسها الرغبة في احتضان الأمل، ودلالات سلبية في مقدمتها الهروب من المسؤولية الذاتية، لكن، هل الرحيل هو الحل؟

مغادرة الديار بوضع حد للحياة ليست بالأمر الصعب كما يتصور البعض، حتى أنهم قالوا إن الانتحار شجاعة! لأن المنتحر لم يهب الموت ولم يخف منه ولم ينتظره بل ذهب إليه!.. والحقيقة عكس ذلك تماما، المنتحر هو أخوف الناس وأكثرهم أنانية، لم يمت لأنه يفكر في الآخر ولا لأجل الغير، بل أنهى حياته ليرتاح هو فحسب، ليتخلص من آلامه أو أحزانه، ليستريح من همومه ومشاكله. ولو كان صادقا في ادعاء الشجاعة، لجابه كل معالم الحزن البادية على وجه الوطن، ولمد اليد، يد العمل والمبادرة والفعل والإبداع والمقاومة والصمود والثبات والعزيمة إلى كل الخيرين بالبلد، ليزيد في كفتهم وزنا، وفي جمعهم نوعا، وفي صفهم روحا ورقما.

‘‘وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً’’، ما أروعها من آية وما أعظمه من توجيه، وما أسماهما من دلالة. حين نتفكر في هذه الآية نصل لخلاصة واضحة وهي أن الإنسان هو أغلى وأقدس مخلوق، وأن قيمته غير قابلة للقياس، ومكانته ليست محط فصال، هذا خالقه سبحانه، قال في كتابه إن الإنسان يساوي الإنسانية كلها. وحين نردد قول الحبيب لصاحبه: ‘‘لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا’’، حُق على كل واحد منا ألا ينتصر عليه الإحباط، يكفي أن تكون مع الله، بإحياء الإلهي فيك أيها الإنسان وسيكون الله معك، ‘‘صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً’’.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.