شعار قسم مدونات

"التشيبول".. كيف صنعت الشركات العائلية مجد كوريا الجنوبية؟

BLOGS التشيبول

مؤسسات اقتصادية اقتحمت منتوجاتها كل منازل العالم، سامسونغ، هيونداي، إل جي.. شركات وأخرى تفوقت في ميادينها واحتلت العالم بسلعها جاعلة لنفسها مكانة كبرى في عجلة عالم المال الكوري الجنوبي وعصب اقتصاده، هذه الشركات والتي تُعرف محليا باسم التشيبول (من تشاي"الثروة" وبول "عشيرة") كلها امبراطوريات أسرية تتبع لنظام السلالة العائلية وتقوم على مبدأ الوراثة.

اعتمدت التجربة الغربية الاقتصادية على تبني نظرية ادم سميت في بناء شركات متخصصة، والتي تقود إلى زيادة الفاعلية والانتاجية حسب نظرية سميت فتأسست بذلك صناعات التخصص، حيث تتخصص الشركات في مجال ضيق وتترك بقية عمليات السلسلة الاقتصادية لمن هم أكثر دقة في المجال، فشركة أبل مثلا الأمريكية متخصصة في الأجهزة الذكية وتفوض عمليات الجمع والتصدير والتوزيع لمختصين في ذلك المجال.

غير أن امبراطوريات التشيبول الاقتصادية لم تتبنى هذا المفهوم عند بداية ظهورها مطلع  الستينيات، فقد قامت تلك الشركات العائلية الكبرى على مبدأ التنوع الاقتصادي، بامتلاكها لشركات فرعية في الاستيراد والتصدير والتجزئة والمال والصناعات، فكونت بذلك اكتفاء ذاتيا وجعلت من بلد كان في الماضي القريب سوقا زراعية متواضعة واحدا من أكبر الاقتصادات في العالم.

التشيبول.. من رحم الزايباتسو الياباني
النظام الأسري من الأثار الثقافية التي لا تتناسب مع اقتصاد القرن الواحد والعشرين، رغم رأسماليتها الحقة تظهر روح الاشتراكية داخل هاته الشركات لكون رأسمالها ملكية مشتركة

يُعتقد أن نظام التشيبول هو امتداد لنظام الزايباستو الياباني، فكلاهما يتقاسمان نفس الأحرف والمعنى، والزايباتسو مثل التشيبول عبارة عن تكتلات اقتصادية تقوم على مبدأ العائلة وتسيطر على اقتصاد اليابان كليا وأبرز شركاتها المتبقية حاليا شركة ميتسوبيشي للسيارات والخدمات التي قاومت الزمن والضغوطات، ورغم أن هاته السطوة تكسرت من طرف الحكومة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها ذبت في جذور كوريا الجنوبية لأنها كانت محتلة من طرف اليابان وتقوت الشركات العائلية في كوريا الجنوبية أكثر بعد الانقلاب الذي قاده الجنرال بارك شونغ عام 1961 وتوليه منصب الرئاسة سنة 1963، فقد سعي بارك لبناء كوريا الجنوبية التي تعتمد على نفسها ولا تعتمد على القوة العظمى.

التشيبول والقفزة في مؤشرات الاقتصاد العالمي

سعى الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية أنذاك لتأسيس اقتصاد قوي يقوم على الاكتفاء الذاتي والتصدير، فأعطت حكومته الأفضلية للقروض الموجهة لأعمال التصدير والصناعات المحلية، وبمرور الوقت توسعت شركات التشيبول لتخلق قطاعات صناعية جديدة وتستفيد من التعامل مع الأسواق الأجنبية، مما دفع باقتصاد كوريا الجنوبية للأمام، فنمت الصادرات من 4 في المائة من الناتج المحلي الخام سنة 1961 إلى أكثر من أربعين في المائة سنة 2016، وهي واحدة من أعلى المعدلات في العالم، كما ارتفع متوسط الدخل لدى الكورين الجنوبين من 120 دولارا سنويا إلى 2 ألف دولار سنة 2016 .

ولا أحد يستطيع نكران فضل شركات التشيبول على كوريا الجنوبية، فتاريخ تأسيس هاته الشركات الذي مهدت له الحكومة عن طريق تسهيلات بنكية خلق عقدا ورابطا أخلاقيا بين الشركات والحكومة متمثلا في واجبات هاته الشركات اتجاه الدولة والمجتمع الكوري، خلقت الوظائف واستثمرت وكانت خير سفير لكوريا الجنوبية في العالم  وعززت من مكانها وأهلت كوادرها المحلية.

التقارب والتكافل بين الحكومة والتشيبول يلقى معارضة داخل كوريا أخرها الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد والتي سلطت الضوء على العلاقة الحميمة التي تجمع النخبة السياسية بالشركات الكبرى
التقارب والتكافل بين الحكومة والتشيبول يلقى معارضة داخل كوريا أخرها الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد والتي سلطت الضوء على العلاقة الحميمة التي تجمع النخبة السياسية بالشركات الكبرى

أزمات من حين لأخر.. فهل ستصمد الروابط العائلية للأبد؟

بالرغم من قصص نجاح التشيبول يرى بعض المحللين السياسيين والاقتصادين أن النظام الأسري من الأثار الثقافية التي لا تتناسب مع اقتصاد القرن الواحد والعشرين، رغم رأسماليتها الحقة تظهر روح الاشتراكية داخل هاته الشركات لكون رأسمالها ملكية مشتركة مما يؤثر بجعلها تخضع لتداول بمضاعفات أقل في البورصة العالمية من نظرائها في أوروبا والولايات المتحدة في ظاهرة تسمى الخصم الكوري، أما داخليا فتتعالى الاصوات في كوريا المنتقدة لتكتل الثروات في حفنة قليلة من الأسر وخنقها للشركات الصغرى والمتوسطة.

 

كما أن التقارب والتكافل بين الحكومة والتشيبول يلقى معارضة داخل كوريا أخرها الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد والتي سلطت الضوء على العلاقة الحميمة التي تجمع النخبة السياسية بالشركات الكبرى مما أدى للإطاحة بالرئيسة باك غن هيه سنة 2016  عقب اتهامات لها بالتواطئ مع شركة سامسونغ في دعم برامج خيرية مقابل الحصول على الدعم الرئاسي والتسهيلات الضريبية . فهل هاته الشركات حاليا ملاذ للتهرب الضريبي وتجميع السلط أم أنها إرث اقتصادي كوري جنوبي لا يمكن فصله عن السياسة والثقافة والتاريخ؟ وماذا تعرفون عن الشركات العائلية في بلدان العرب؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.