شعار قسم مدونات

بعد العراق.. هل توجه إيران أسلحتها نحو الكويت والسعودية؟

blogs جابر الصباح و الملك سلمان

كنت مثل جميع المعنيين بالشأن العراقي أنتظر جولة تشكيل الحكومة لمعرفة من الرابح في هذه المرحلة المفصلية من حياة العراق والمنطقة، لكن وبعد نجاح إيران بفرض نفسها بقوة خلال مفاوضات الكتل السياسية، ونجاحها بجمع أكبر عدد من الفرقاء السياسيين لاختيار الرئاسات الثلاث وحسم ملف الجدل على تشكيلها، علمت أن الأمر انتهى وهذا زمن "الولي الفقيه" بلا منازع، حيث لا سلطة تعلو على العمامة ولا رأي غير رأيها وعزز ذلك هجوم أحد أعضاء مجلس النواب بمداخلة تهجَّمَ بها على الخليفة العباسي هارون الرشيد باني مجد بغداد وعلمها وعلى نجله المأمون.

 

وهذا الهجوم لاقى قَبولاً من رئيس المجلس وصمتاً مُذلاً من أعضائه، وهذه الأسماء يتغنى بها العراقيون لما لها من رمزية عندهم، وتقترن عاصمتهم بغداد وشوارعها ومناطقها بأسمائهم، وذلك بفضل ما قام به الرشيد لأجل بغداد، حيث عبَّد شوارعها بالحجر وأنارها بفوانيس نفطية، في وقت كانت فيه مدن أخرى مثل باريس ولندن تغوص شوارعها بالوحل، إضافة إلى تحويل بوصلة طلاب العلم والمعرفة إلى قبلة العلم بغداد عاصمة الخلافة العباسية.

 

بعد أحداث البصرة ومحاولة رجل ضعيف مثل بريت ماكغورك مبعوث ترمب للعراق الاعتماد على حيدر العبادي، أرسل ١١ فصيلا عراقيا مسلحا مدعومين من إيران خطابا مفاده أنه في حالة تشكيل حكومة بدعم من أمريكي وإبعادهم عن السلطة، فإنهم سيعلنون القتال ضدها، وبدأت تلك الفصائل فعليا بإحكام قبضتها على محافظة البصرة، بعد اقتحام متظاهرين لمقارها وإحراقها إضافة لحرقهم القنصلية الإيرانية، حيث نشرت تلك الفصائل عناصرها في المدينة واستعرض بعضها أمام السكان، ولم يقف الأمر عند ذلك، وأعلن في البصرة عن تشكيل قوات تعبئة شعبية شبيهة بالبسيج الإيراني.

 

البصرة المطلة على الخليج العربي والحدودية مع إيران والكويت تحولت إلى ثكنة عسكرية بعد نقل فرقة عسكرية مدرعة وأفواج من الشرطة الاتحادية إضافة إلى انتشار فصائل مسلحة

وبحسب مصدر عسكري رفيع أكد أن تلك القوات وأنشطة أخرى تُموَّل من فرق بيع النفط، حيث ارتفع سعر البرميل الواحد قرابة ٢٠ دولاراً عن السعر المحدد في الموازنة العامة، اللافت أنَّ عملية نقل الأسلحة الثقيلة والمعدات للألوية العشرة في البصرة تمت المباشرة بها بعد ساعاتٍ من تشكيلها، وهو سيناريو شبيه بتشكيل الحشد الشعبي الذي كشف عن بعض تفاصيله نوري المالكي رئيس الوزراء السابق عندما ذكر أن هذا المشروع تمت المباشرة به قبل عامين من دخول داعش للعراق أي عام 2012 ووقتها لم يكن هناك أي تهديد أمني سوى تظاهرات سلمية لا تهدد الأمن ولا تستدعي كل ذلك التحشيد.

 

البصرة المطلة على الخليج العربي والحدودية مع إيران والكويت تحولت إلى ثكنة عسكرية بعد نقل فرقة عسكرية مدرعة وأفواج من الشرطة الاتحادية إضافة إلى انتشار فصائل مسلحة، إذ تعد محافظة البصرة المغذي الرئيسي من المقاتلين لتلك الفصائل، كما أضيف للقوات هناك ما سمي مؤخرا بقوات التعبئة وقوامها ٣٠ ألف مقاتل، موزعين على عشرة ألوية عسكرية، وهذه القوات لم يصوت عليها البرلمان ضمن قوات الحشد، ولا يوجد لها أي تبويب قانوني أو مالي، ما يعني أنها فرضت على الدولة بالقوة.

 

ولا يوجد من يعترض أو يفكر بالاعتراض، فكتلة البناء المقربة والمدعومة من طهران ستشكل الحكومة المقبلة، بعد أن مررت مرشحها لرئاسة مجلس النواب بأغلبية الأصوات، ما يعني أنها تستطيع تمرير رئيس الوزراء بالطريقة ذاتها وهي من ستدير البلاد لأربع سنوات قادمة، وبحسب التسريبات الأولية لتشكيل الحكومة فإن تحالف الفتح المتكون من مجموعة فصائل مسلحة سيحصل على حقيبة وزارة الداخلية، أي أن أمن البلاد سيكون تحت وصاية تلك الفصائل.

 

في تقرير مهم لوكالة رويترز كشفت فيه عن إدخال إيران صواريخ باليستية للعراق بهدف ضرب أهداف في دول معادية لها، وعزز ذلك تقارير صحفية أخرى أكدت ما جاءت به الوكالة العالمية، وعلى الرغم من نفي وزارة الخارجية العراقية تلك التقارير فإنها لم تأتِ بجديد بعد إيصال طهران خدماتها في توصيل الصواريخ بعيدة المدى إلى اليمن وسوريا ولبنان، فلماذا لا تصل إلى العراق بعد هيمنتها شبه الكاملة عليه سياسيا وأمنيا واقتصاديا؟

 

محاولات الكويت والسعودية لحماية أنفسهم من الداخل الشيعي المتشدد بالعراق لم تكن موفقة، حيث اعتمد الطرفان على مقتدى الصدر ولكن استخدم تمويلهم له بتوسيع النفوذ الإيراني بالعراق
محاولات الكويت والسعودية لحماية أنفسهم من الداخل الشيعي المتشدد بالعراق لم تكن موفقة، حيث اعتمد الطرفان على مقتدى الصدر ولكن استخدم تمويلهم له بتوسيع النفوذ الإيراني بالعراق
 

النفي العراقي قابله تأكيد أمريكي، حيث أعرب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في تغريدة على حسابه بتويتر عن قلقه من نقل الصواريخ الإيرانية إلى العراق وعدَّه انتهاكا لقرار مجلس الأمن 2231  وبالتزامن مع تقارير نقل طهران لصواريخها الباليستية إلى العراق كشفت طهران عن تطويرها لصواريخها بعيدة المدى لتمكينها من حمل رؤوس نووية، ما يفسر على أنه نقل دفاعات طهران من الحدود الإيرانية إلى حدود دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها السعودية والكويت قد تكون تلك الدول المحطة الأقرب للنزاع الأمريكي – الإيراني في المنطقة بعد ابتلاع إيران للعراق والخسارة المذلة للولايات المتحدة فيه.

 

محاولات الكويت والسعودية لحماية أنفسهم من الداخل الشيعي المتشدد في العراق لم تكن موفقة حتى الآن، حيث اعتمد الطرفان على مقتدى الصدر طيلة السنوات الماضية واستخدم تمويلهم له بتوسيع النفوذ الإيراني في العراق على عكس ما كان مخططاً من قبلهم، ولا أدري على ماذا اعتمد البلدان للوثوق بمقتدى لهذه الدرجة، حتى يمولوا نشاطه السياسي والعسكري على الرغم من أنه الأكثر تقلباً على شركائه وخصومه على حد سواء، ولم يثبت له نهج واضح. كما أن محاولات استمالة عمار الحكيم ودعمه ماديا أيضا لم تكن موفقة لا سيما أن الصراع داخل المجلس الأعلى كان على الزعامة بين الخط الأول وخط عمار الذي لا يكاد يحسب على الخط الثالث في المجلس أقلها بالنسبة لمن هم في الخط الأول ومن جيل والده، وتحالف الصدر مع كتلة البناء التي أشرف على تشكيلها قاسم سليماني خير دليل على "حربائية" وتلون الصدر.

 

يشرف الآن على انتشار قوات الحشد الشعبي وتشكيل قوات التعبئة أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد، المهندس الذي عاش في الكويت منذ عام 1979 وحكم عليه بالإعدام عام 1985 بعد إدانته بتفجيرات عدة أبرزها السفارتان الأمريكية والفرنسية، إضافة إلى اتهامه بمحاولة اغتيال أمير الكويت جابر الصباح، وعلى الرغم من إدراجه ضمن القائمة السوداء الخاصة بالمطلوبين في أعمال إرهابية والتي تصدرها واشنطن فإن الرجل الذي عاش في إيران بعد تفجيرات الكويت وتزوج هناك كما فعل والده جعفر قبل انتقاله للبصرة ليرزق بنجله جمال جعفر "أبومهدي" المطلوب في الكويت وأمريكا وللإنتربول، لكنه يتحرك كيفما يشاء وبدعم دولي، كما أن تحالف الفتح "الحشد الشعبي" يقود كتلة البناء في مفاوضات تشكيل الحكومة ما يعني أن مشروع الحشد والتعبئة الشعبية ماض في العراق وهو نسخة محدثة من النسخة في إيران لا سيما بعد انضواء جهات سنية وكردية في هذا المشروع.

 

وفي ظل المعطيات في العراق وسوريا واليمن ولبنان على دول عدة انتظار دورها في المشروع الذي قال قيس الخزعلي إنه ما عاد هلالا وأصبح بدرا، وبحسب نشر القوات الحالية ومناطق التعبئة والصواريخ الموجهة يبدو أن وجهة طهران المقبلة هي المواجهة المباشرة مع الكويت والرياض سواء كوسيلة للضغط على واشنطن أو بهدف تصدير ما يسمى بالثورة الإسلامية لا سيما في ظل وجود أرض خصبة في كلا البلدين على المستويين السياسي والديني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.