شعار قسم مدونات

هل الإله عادل؟

blogs man

هلْ الإله عادل؟ سُئِلتُ هذا السُؤال! ولكنْ، بطريقة مختلفة هذه المرّة! الكثير من النّاس يسأله! ويختلف المضمون فيما يتعلّق بالعدل الإلهي! وهناك مَنْ يُلحد جرّاء هذا السؤال، ولعلّ أشهرها: هو أينَ العدل الإلهي فيما يتعلّق بالويلات والمصائب التي تحلُّ بأُناسٍ دوناً عن غيرهم! ولنْ أتطرّقَ إلى هذا السُؤال في مقالي هذا! وإنّما سأتطرّق إلى الصيغة المُختلفة التي وجّهت إليّ.
 
سألني هذا الرجل -بعيداً عنْ ذكرِ اسمه- أليس من العدل الإلهي أنْ يُعطى البشر نفس الامتحان وذات الابتلاء؟ رددتُ عليه وقلت: وما قصدكُ بهذا؟ فقال لي: تخيّل دكتوراً أو أُستاذاً، يُدرّس طلابه مادةً معيّنة! ومنْ دلائل عدله -على حدِّ قوله- إعطاء طلابه نفس الامتحان في نهاية الفصل؟ أليسَ كذلك؟ فجاوبته: بنعم! ومن هنا بزغتْ شمس السُؤال الثاني، فاسترسل قائلاً: أوليس منَ العدل أيضاً أنْ تكون المدة المحددة للامتحان هي نفسها لجميع الطُلّاب؟ جاوبته بنعمٍ أيضاً، ولكنْ جوابي هذا في إطار سُؤاله فقط! وقلتُ له أكمل تصوّرك هذا لعند آخره! فقال لي: أنَّ الله لا يُعطي نفس الامتحانات لجميع البشر! ولا يُعطي نفس المدّة أيضاً، فهناك منْ يموت شابّاً! وهناك من يُعمّر! فأين العدل في هذا! التزمت الصمت وقلت له: سأجاوب على أسئلتك هذه فيما بعد، ولمْ أجاوب لحدِّ الآن! وقررتُ الإجابة في هذا المقال!

من الأفضل للعوام أنْ تخوض في المعاصي على الخوض في مسائل العدل، القدر، وعلوم الكلام عامّة لأنها ستفضي بالإنسان للوقوع في الكُفر، وحاشانا وإياكم من الوقوع فيه

بدايةً، للإجابة عن هذا السُؤال، يجب توضيح بعض الأمور والتي من شأنها دحض السُؤال في أساسه! أولها: أنَّ السُؤال خطأ في ذاته! أو بمعنى آخر لا يصحَّ هذا السُؤال منطقيّاً! فالسائل هنا افتقر لأساسيات علم المنطق في سُؤاله! فكيف له أنْ يُسقط تصرّفات البشر، وعلمهم المُحدث ويقارنها بعلم الله الأزلي!! هذا من جهة، ومن جهة أخرى هي طريقة الوصف التي وصف بها سُؤاله، وما أعنيه هنا، هو أسئلة الامتحان! فالأُستاذ أو دكتور الجامعة هذا، يُعطي أسئلته بناءً على مادّة أو مساق قامَ بتلقينه لطلّابه فيما سبق! وهذا يعني أنَّ هذا الامتحان هو اختبار لمعلومات فقط Information، وليس اختبار معرفي، يقيس فيه مدى ثقافة أو معرفة طلابه! هو فقط يختبر مدى معلوماتهم في هذا المساق.

على الجانب الآخر، امتحان ربّ العزّة لنا هو امتحان فضفاض! ويقع تحت معايير لا يُمكن أنْ تُقارن بامتحان أعدّه البشر أيّها الأخوة!!! هو امتحان تحكمه حريّة الاختيار، والإرادة التي أودعها الله في كلِّ إنسان، فهو امتحان معرفي على أعلى مستوى! امتحان لمعرفة الإنسان فيما سيلاقيه من حوادث في حياته الدنيا! ومن هنا ننطلق إلى السُؤال الثاني والذي بالضرورة ينصبّ في السؤال الأوّل لا محالة! وسأستعين بما قاله الإمام أبو حامد الغزّالي -رحمه الله رحمةً واسعة- إذ قال فيما يخصُّ قدرة الله على تحويل كأس من الزجاج إلى حصان: أنَّ هذا لا يتعلّق بقدرة الله! وهذا السُؤال خطأ ولا يصحُّ لعدّة أسباب! أنَّ التحويل هذا يحكمه معياران؛ الأوّل هو الصورة، والثاني هو المادّة، فإنْ قلنا بتحويل الصورة مع بقاء المادّة فهذا طبيعي ويستطيع أيّ إنسان القيام بهذا! ولكنْ، إن قُمنا بتحويل الكأس هذه إلى حصان حيّ -على حدّ زعمهم- فيقول هنا: هذا ليسَ بتحويل! وإنّما هذا خلقٌ جديد بالمطلق.

بناءً على ما أسلفتُ في الفقرة السابقة، سنجد أنَّ السُؤال المطروح لا يتعلّق بعدل الله جلَّ وعلا، وأنَّ السُؤال وطريقة الربط اعتباطية ولا علاقة وتشابه بين الحالين بالمطلق! ويقولُ الإمام الغزّالي أيضاً: أنَّ عقل الإنسان سيقف عندَ مسائل معيّنة، ولن يستطيع تخيّلها حتّى! لأنّه لم يُصمم لاستيعابها. ومن هذه المسائل هي علم الله الأزلي الذي لن نستطيع تصوّره مهما فعلنا! وفي هذا يقول ربُّ العزّة: "لا يُسأَلُ عمّا يفعل وهم يُسألون"، وفي نظري أنَّ هذه الآية تغيب عن معظمنا في كثير من التساؤلات والشكوك، فلو عقلناها بحقّ، ففي أثناء هذه التساؤلات سنصل لمعنى لن نستطيع تصوّره وهذه الآية هي الناهية لكل ما يجول في عقولنا بشكلٍ أو بآخر.

ومن أجلِ تبيان ما لدي في هذه المسألة بشكل سليم وواضح، سأوردُ أيضاً ما قيل في الأحاديث النبوية، وهذه المسألة بلا شكّ تندرج تحت بند القدر وتصاريفه، والخوض فيها بدون علم هو ما يوصلنا إلى تأويلات ما أنزل الله بها من سُلطان! وفتحنا الطريق لنُقحِمَ أنفسنا في تشابه الابتلاءات والمِحن، ومقارنتها باختبار معلوماتي بشريّ! وفي هذا سأوردُ الحديث النبوي التالي:

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ، حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَبِ، فَقَالَ: «بِهَذَا أُمِرْتُمْ، أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ، تَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، بِهَذَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ» قَالَ: فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَتَخَلُّفِي عَنْهُ. وقدْ قال سيدنا محمد-صلّى الله عليه وسلّم-: إذا ذُكرَ القدر فأمسكوا! وفي هذه دعوة صريحة للسكوت عندَ ذكر القدر، وعدم الخوض في تأويلاته دونَ علمٍ راسخ ومسبق فيه! ولا عجبَ في هذا! فنرى ابن رُشد الفيلسوف العملاق، والذي قضى حياته في الفلسفة وفي الدفاع عنها كمنهج، إذ يقول: إنَّ مسألة القدر هي من أعقد المسائل التي مرّت على العقل البشري!

وأنا من منبري هذا، وفي هذا المقال، أدعو بدعوة الإمام أبو حامد الغزّالي، والتي خطّها في كتابه "المُنقذ من الضلال" مع العلم أنّني خضتُ في آحادِ المسألة وحاولت شرحها قدرَ الإمكان، ولكنّني دائماً أردد ما قاله، وهو أنْ لا نخوض في هذه المسائل! وقال أنّه من الأفضل للعوام أنْ تخوض في المعاصي على الخوض في مسائل العدل، القدر، وعلوم الكلام عامّة لأنها ستفضي بالإنسان للوقوع في الكُفر، وحاشانا وإياكم من الوقوع فيه.

والسلامُ على من اتبع الهدى!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.