شعار قسم مدونات

القراءة.. مفتاح العقول وسر نهضة الأمم

مدونات - القراءة

القراءة هي مُفتاح العقول وطريق لنضج الأفكار ووسيلة لرقيّك ولتكون مُميزاً على من حولك، إن منهجية القراءة غائبة عن مجتمعاتنا العربية بشكل كبير، إلا على ثُلة مُعينة أصبحوا في نظر الناس أنهم مثقفين أو الهاربين من واقعهم إلى الأزمنة الغابرة والقصص الواهمة والحكايات الكاذبة. فأصبح يُنظر إليهم بنظرة وكأنهم يختلفوا على من حولهم، أو أنهم يرتكبون عمل شنيع مُنافي للطبيعة الإنسانيّة، ونسوا أنه أول ما نُزّل على نبيّ الإسلام الذي جاء من باديتهم القديمة في الجزيرة العربيّة عند الصحراء الخاوية، أمرٌ رباني بكلمة جامعة وجيزة كانت بداية لخير الأديان ألا وهي "اقْرَأْ".

مع كل التطور الحديث الذي طرأ في القرن الحالي وانتشار الوسائل المُلهية بأشكالها وأنواعها حتى أصبح الواحد منّا يتفنن في هدر وقتل الوقت دون فائدة، فإما تراه مُتنقلاً بين قنوات التلفاز أو بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها وألوانها المُتعددة، و يظن أيضاً بأنها الطريقة الحديثة والعصريّة للثقافة والعلم والمعرفة! وأصبحت منشورات (الفيس بوك) تُغني عن قراءة الكُتُب والموسوعات، والتنقل بين المواقع الإلكترونيّة كالتنقل بين الدواوين والمجلدات، وكل هذا في الحقيقة لا يُساوي إلا نسبة قليلة جداً من المعرفة والتي لا تزيد في ثقافة المرء وتعلّمه إلا معلومات طفيفة وبسيطة سرعان ما تذهب وتفنى.

ساعدوا أبنائكم على القراءة وشجعوهم عليها، اجعلوا هناك تنافس بينهم، زيدوا من معرفتهم، اجعلوهم يفقهوا حياتهم جيداً، ربوهم على حُبِّ المُطالعة.

نزع ثقافة القراءة من البيوت وعدم تربية الأطفال عليها واستبدال الكتاب بالآيباد وجعل من المكتبة المنزلية مكاناً للزينة والتحف، وتعطيل المكتبة المدرسيّة وجعلها مزاراً، لهو المرض العُضال الذي تعاني منه مجتمعاتنا العربية. وهذا سبب من أسباب تأخرها علمياً وحضرياً وثقافياً، بل سبب لنشوب الحروب والنزاعات لعدم فهمهم تاريخهم الماضي ومعرفتهم لواقعهم وتنبأهم لمُستقبلهم. كيف ذلك ونحن أمة اقرأ، أمة القرآن والعلم، أمّة من أسس دينها القراءة والبحث والاكتشاف، وإن لم يوجد دليلٌ إلا قول الله "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" لكانت كافية شافية وافية. أمّة اقترن عملها بالعلم فلا تجد تقرأ آية فيها أمرٌ بالعمل إلا وكان العلم قبلها "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" وقُصد بالإيمان هنا بالعلم كما ذكر عدد من المفسرون، ولو تأمل أحدنا لكلمتي "علم" و"عمل" لوجدهما جناساً من ذاتِ الحروف!

وأين نحن من قول الإمام أحمد بن حنبل – رضي الله عنه ورحمه – حين قيل له في آخر عمره، مهلاً عليك يا أبا عبد الله فلقد طلبت العلم حتى بلغت من العمر كبراً عتيّا فقال كلمته الشهيرة: "من المحبرة إلى المقبرة"!  إن أمّتنا العربيّة والإسلاميّة لهي في أشدّ الحاجة اليوم للقراءة والبحث والاطلاع لمواكبة باقي الأمم فكريّاً وثقافيّاً وعلميّاً وسياسيّاً واجتماعيا. نحتاج أن نقرأ لأنفسنا ونغذي عقولنا ونزيد من معرفتنا الشخصيّة في كل مجالات الحياة، من تاريخ وعقيدة وفلسفة وتنميّة بشريّة وذاتيّة ومواكبة العلم والتكنولوجيا، نحتاج أن نحيّ الكتاب في حياتنا وأن يكون هناك قسطٌ من يومنا للقراءة والاطلاع في أيّ مُوضوعٍ وأيّ مجالٍ بعيداً عن التخصُصِّ العلمي لكلٍ منّا. بل يحتاج كل فردٍ منّا أن يجلس مع نفسه وينفرد مع كتابه وينعش روحه ويُغذِّي عقله ويقوي معرفته ويزيد ثقافته فيُنضج تفكيره ويزدهر عقلهُ وخياله.

أتعجب جداً من ممن إذا سألته وقلتُ له ما هي هِواياتك يقول لك: القراءة! القراءة يا عزيزي أمرٌ فطري وغذاءٌ عقلي وروحي ضروري وليس بالأمر الخياري أو المزاجي أو بالرغبة والهوى، واعلم وتأكد أن مواقع الإنترنت لن تزيد ثقافتك ومنشورات الفيس بوك لن تجعلك قارئ وتغريدات تويتر لا تعطيك قلماً لتصبح كاتب! وأنه بقدر قراءتك ينضج عقلك، وبقدر ثقافتك تعلو مكانتك. فساعدوا أبنائكم على القراءة وشجعوهم عليها، اجعلوا هناك تنافس بينهم، زيدوا من معرفتهم، اجعلوهم يفقهوا حياتهم جيداً، ربوهم على حُبِّ المُطالعة والقراءة، أعينوهم عليها، اجعلوا هديتكم لهم مُختلفة أحياناً وأهدوهم كِتاباً أو قصّة بسيطة، فأمّة اقرأ لم ولن تنهض وتقوم إلا عندما تقرأ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.