شعار قسم مدونات

بين نار الذكوريّة وجحيم النسويّة!

blogs النسوية و الذكورية

وقفنا ننظر إلى حربٍ يعشقُ كلّ من طرفيّها الطرفَ الآخر، يدَّعون الحقدَ والكراهيَّة كذبًا ووهمًا، يمثّلونَ البغضاءَ ليرضونَ كبريائهم، كالنبتةِ تسترقُ شعاعَ الشمسِ ثم تشتمها ولولاها لمَا أَزهَرتْ قطّ، ترى الرجلَ يحاربُ المرأةِ وينشرُ بغضَه وحقدَه هنا وهناك، يجعلُ من نفسِه الحاكمَ والمؤدِّب لها، وهو لو إعوجَّ لا ندري من يؤَدّبه! يحرّضُ عليها وينتقصُ من كرامتِها ثم عندَ أوّلَ إمرأةٍ يقابِلُها يطلبُ منها الزواجَ، وإن كانَ عازبا تراهُ أرادَ التعدّد، وراحَ يتحدّثُ عن فوائدَ التعدّد وإيجابية الزوجة الثانية، وبدأ يناقضُ نفسَهُ بنفسِه.

 

يقيمُ حَربًا ويهيئ جيشًا من الرجالِ على منشوراتِه، وعندَما يغلقُ الهاتفَ يرحلُ إلى أقربِ أنثى يستمدّ مِنها عَطفًا وطمأنينة، وإنْ غضَبَ من زوجتِه راحَ إلى أمّه يستمدّ من حنانها ويطلبُ مشورتَها، لا يذهب لأخيهِ ولا لأبيهِ بل لإمرأةٍ قد أنجبتهُ لهذهِ الحياةِ، ثمّ يعود إلى مواقعِ التواصلِ الاجتماعي وينثرُ عقده تجاه النّساءِ هُنا وبين الناس مرةً أخرى، يستدلُّ بآياتِ الله وأحاديثُ رسولِه، يتلاعبُ بمعانيها بالشكلِ الذي يرضي هواه ويتماشى مع عقدته النفسيّة، ثم تأتي إحداهنَّ وتحضّرُ جيشًا من النّسوة، ويبدأنَ بالردِّ على جيشِ الذكورِ ذاك وتُقرَعُ فيما بعد طبولِ الحرب، وتُقدَحُ نيرانها، وتنشرُ إحداهنَّ منشوراتٍ تحريضيّةٍ لا تمتّ للواقعِ بصلة.

 

تراها تدّعي أنّ النسوةَ لا تحتاجُ للرجلِ على الإطلاق، كما يدّعي أيضًا الطرفَ المقابلَ من الرجالِ عكسَ ذلك، وعندَ أولَ فرصةٍ تراها تذهبُ إلى طبيبٍ رجلٍ فضلًا عن طبيبةٍ أنثى، مصفّفَ شعرٍ رجل عوضًا عن مصففةَ شعرٍ أنثى، ولو سألتَها لمَ ذلك!، قالت: إنّ الرجلَ يتقنُ مهنتَه بشكلٍ أفضل من الأنثى،  فتثبتُ لمَن حولها أنّ المرأةَ عدوّةَ نفسَها ، تناقضُ نفسَها بنفسِها، وبعدَ منشوراتٍ طويلةٍ من تحريضِ جمهورِها من النّسوة ، تغلقُ هاتفها وترحلُ إلى زوجِها أو رجلٍ قد أحبّته،  تنسفُ منشوراتها عندَ أولِ كلمةٍ جميلةٍ ينطقُها ذلك الرجل، تنغمسُ في الحبِّ حتى أطرافها عند أولِ اهتمامٍ تناله.

لقد كانت حكمَة الخالق في خلقِ كلّ من الجنسين على نحوٍ يجعله موافقاً للآخر، ملبياً لحاجته الفطريّة: نفسيّة وعقليّة وجسديّة، بحيث يجدُ عندَه الراحةَ والطمأنينةَ والاستقرار

فيا معشرَ الرجالِ والنساء، إناثًا وذكورًا، اتقوا الله في أنفسِكم ولا تشعِلوا حربًا أنتم لستمْ بكفءٍ لها، حرب تجعلون فيها من شركائكم أعداء، فواللهِ لو أنّ الرجل أفضل من المرأةِ لخلق الله الرجال في الجنّة، وأرسلَ النساءَ إلى الدنيا، ولو كانت النساء أكثر فضلًا من الرجال، لجعلهنّ الله في الجنة وأرسلَ للدنيا رجالًا فقط، ولكنّ حكمةَ اللهِ فوقَ قدرة عقولنا، ثمّ إن ّالله قد خلقَ من كلِّ شيءٍ زوجين، الذكرُ والأنثى، ولا فضل بينهما إلا بالتقوى، وهنيئًا لمن كان بينَهما إلى الله أكثرُ قربًا، جعل الله بينهما المودةَ والرحمة، وأبتْ بعض النفوس المريضة إلّا أن تشوّهَها وتبدّلَ مفاهيمَ الحياةِ الاشتراكيّة التّي جعلَها الله فيما بينهما.

يقول السيّد قطب رحمه الله: والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصوّر هذه العلاقة تصويراً موحياً، وكأنّما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحسّ: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها).. (..وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً..) .. (إنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).. فيدركونَ حكمَة الخالق في خلقِ كلّ من الجنسين على نحوٍ يجعله موافقاً للآخر، ملبياً لحاجته الفطريّة: نفسيّة وعقليّة وجسديّة، بحيث يجدُ عندَه الراحةَ والطمأنينةَ والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء، والمودّة والرحمة، لأنّ تركيبهما النفسيّ والعصبيّ والعضويّ ملحوظ فيه تلبية رغائب كلّ منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثّل في جيل جديد.. في ظلال القرآن (5. 2763).

 

لماذا يئوّل البعض آياتَ اللهِ وأحاديثَ رسولِهِ كيفَما يحلو له؟

قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم: (ما رأيتُ من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبُ للبِّ الرجلِ الحازِم من إحداكنّ..) فكتبَ رجلٌ على صفحتِه في مواقعِ التواصلِ الاجتماعي: نحنُ أفضلُ من النساءِ، لديهنّ عقلٌ لا يساوي ربعَ عقلنا، ولدينَا دين يساوي أضعافَ دينهنَّ، وبهذا قد فضَّلنا الله عليهنّ، وراحَ يستشهد بالحديثِ ذاتِه.. ثمَّ كتَبتْ إحدى النساء منشوراً تردُّ عليهِ قائلة: بل نَحنُ النساء قد فضّلنا الله عليكُم بأنّنا قد زادَنا بالعاطفةِ والرحمةِ عليكم، نَستشعرُ بالآخرين فضلًا عنكم، وخفّف الله عنّا مشقّةَ الصلاةِ والصيّامِ بعذرٍ دينيّ، ثمّ ندخُلَ الجنّة برحمةِ اللهِ ونحنُ لا نُصلّي سَبعةَ أيامٍ في الشهرِ الواحد، وقلبُنا يتَّسع لمالا تتّسعُه قلوبكم، واستشهدَت أيضًا بذاتِ حديثِ رسولِ الله.

فوقفتُ أتأمّلُ هذا وهذه، وكيفَ أنّهما قد فَسَّرا ذاتِ الحديثِ وذاتِ الحروفِ ولكنْ على هيئَةِ معنى مختلفٍ تمامًا، وكيفَ أنّ كليها يتحدثُ باسمِ الإسلامِ، وحاشا للإسلامِ أنْ يأتي بتلك العقد، الإسلامُ فطرةِ اللهِ التي فَطرَ النَّاسَ عليها فطرة سليمة وسويّة لا تدخلها شائبة، يفطر الله الناس على فطرةٍ يسودُها الاستبدادُ والبغضُ والحقد؟ يقودنا الله إلى أنْ نحيا بسلامٍ، ونقودُ أنفسَنا إلى أنْ نهلكها في الحروبِ والصراعات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.