شعار قسم مدونات

حين تقرر أن تواجه!

blogs مواجهة

يستحيل على الإنسان عيش حياة ثابتة في ظل التقلبات الحاصلة في دنياه، والتي لا تستدعي الاستسلام أمامها بقدر ما أنها تتطلب التوفر على قدرات تمكنه من مجابهتها بكل ما يملكه، مما يعني أن خوض غمار الحياة وعبور منحدراتها بأمان يحتاج إلى المجازفة لا الإدبار؛ فالخوف والحذر يمنع من نيل أشياء كثيرة يستلزم أخذها سلوك طريق المواجهة الممزوجة بالمخاطرة المعقلنة، فحين يكون المرء في خضم مواجهة أمر من أمور الدنيا تفتح له ضمنيا أبواب ومخرجات متعددة بفعل نهجه المعتمد، وبالرغم من أن كل من يختار هذا القرار يتعرض لخسائر قاسية تحتاج للتحمل والصبر الجميل، إلا أن محصلة الاختيار الشجاع تكون ثمينة جدا بفضل العوائد المكتسبة من خلاله.

 

لا يوجد على هذه البسيطة إنسان لا يريد تحقيق أي شيء في حياته، فكل الناس يحاولون الحصول على ما يبتغونه، لكن ليس الجميع يعرفون كيف يفعلون ذلك، فهناك من يكرر محاولاته ويستنفذ طاقاته ويمتص حماسه دون تحقيق ما يصبو له ويطمح إلى بلوغه، وقد يكون الخلل في الطريق المتبع في ذلك، لذا نتساءل بكل بساطة: كيف نتعامل مع تحديات الحياة ومصاعبها المستمرة؟ وما هو الطريق المناسب الذي يجب أن نسلكه لكسب أكبر قدر من النجاحات الممكنة دون فقدان التصالح القائم مع ذواتنا ودون خسارة أخلاقنا ومبادئنا التي نعتز بها؟

 

على الرغم من أن الحياة من حولك لا تبدو لك سهلة ومطابقة لما تتمناه وتحلم به لقساوة وصعوبة ما تحمله من أزمات ومصاعب يختلف التعامل معها من شخص لآخر، وقد يحتم على الإنسان مواجهتها بشراسة للتغلب عليها لأن تجنبها سيزيد من حدة قساوتها، وبالرغم من أننا جميعا نواجه هذه الحياة بكل تفاصيلها إلا أن لكل فرد منا طريقته الخاصة في التعامل معها لهذا تختلف أيضا النتائج المحققة والمرجوة.

 

كن جديرا بأن تعيش حياة تليق بك مادام أن هنالك متسع من الوقت في دنياك التي لم تنتهي بعد، إذ لا يلزمك سوى مواجهة واقعك بكل ما تملك من إمكانيات، وإياك أن تهرب منه

ما أكثر المواقف التي يلزم فيها اتخاذ قرار المواجهة للتأثير على التوجه السلبي الذي تم اختياره سلفا، والذي كان سببا في وقوع ما لا يحمد عقباه، فلا يستطيع أحد إخفاء أضرار الهزائم التي يتعرض لها في حياته، لكن هناك من يقدر على تجاوزها وعدم التأثر بها بشكل مبالغ فيه على الأمد البعيد، وهذا مما يعين الإنسان على المواصلة في مواجهة كل ما يعترض سبيله بجرأة، ويرجع الحصول على تلك القدرة إلى عدة أمور أهمها:

 

-ليس هنالك خيار اسمه الهروب من الواقع في قائمة اختيارات من يقرر أن يواجهه بالفعل الأمور التي تحدث معه في هذه الحياة المليئة بالفتن والبلايا.

 

-اعتبار الهزيمة في أي مواجهة دنيوية مجرد مرحلة عابرة وليست نهاية العالم، لذا فالهزائم رغم وجود جانب سلبي فيها على الأمد القصير إلا أنها في المجمل تقوي المرء وتجعله أكثر قوة وصلابة.

 

-الإيمان القوي بالذات، فبه يكون الإنسان قادرا على مواجهة الحياة بكامل تجليتها القاسية والمؤلمة، والتي يمكن أن تظهر السوء الذي تبطنه بشكل غير متوقع.

 

-امتلاك التفكير العملي المحفز على مواجهة كل ما يقع لا يأتي عبثا هكذا، بل إنه نتاج تراكم تجارب وخبرات بفعل التعرض لمواقف حياتية كثيرة تساهم بشكل غير مباشر في التوفر على تلك العقلية اللاإستسلامية.

 

-حث وتحريض النفس دائما على المبادرة والسعي قدما في مواجهة ما يعترض السبيل بدون أي تخوف أو مماطلة، فمهما كانت العوائق والهزائم التي تعاش إلا أنها غير كافية لأن تجعل المرء مستسلما قانطا من رحمة ربه أمام كل ما يواجهه.

 

-عدم وضع النفس في موقع الضحية، فلعب هذا الدور في الحياة من أكبر ما يمكنه أن يضعف من قدرات الإنسان على مواجهة ما يقابله في الدنيا، لأن داخله يصبح هامدا بفعل انهيار قواه التي اضمرت بذلك التصرف الجبان المتبع.

إن الشيء المؤكد الذي ينبغي الإيمان به هو ألا أحد على وجه هذه الأرض يمكن له أن يعرفك أكثر مما تعرف نفسك أنت، فاختيارك لقرار المواجهة يعني بالأساس أن تحيا بعزيمة شامخة، فالدنيا لا تعاش بسهولة دون عناء وجهد، ولا يوجد بها غير الطرق المختصرة بل إن طرقها متعددة، فالمواجهة رغم أنها ليست بالطريق السهل إلا أنها تخرج منك أروع ما فيك من لآلئ مكنونة وفريدة، كما أنها تكسبك مهارات وقدرات لا مثيل لها.

 

من الغباء أن تدع كل ما يقع لك قادرا على تشويش ذهنك، فهذا لا محالة سيفقدك المانع الذي يمسكك عن الوقوع رهينة الاندفاع بتهور نحو القيام بردات فعل غير مدروسة
من الغباء أن تدع كل ما يقع لك قادرا على تشويش ذهنك، فهذا لا محالة سيفقدك المانع الذي يمسكك عن الوقوع رهينة الاندفاع بتهور نحو القيام بردات فعل غير مدروسة
 

وتبقى مصاعب الحياة التي تواجهنا في عمومها هي نفسها تقريبا بالنسبة لمعظم الناس؛ فكلنا يسعى إلى النجاح المهني أو الاجتماعي أو الأسري أو العلائقي بخلق علاقات إنسانية متينة مع الآخرين، وكل ذلك مرتبط ارتباطا وثيقا ببناء تفكير مقاوم لما يبعث السلبية والسوداوية؛ بتمكين العقل من الاعتقاد الراسخ بأن المواجهة هو المسار الصحيح الذي يلزم اختياره للعيش في وفاق وتصالح مع الذات والآخر، دون التأثر بكل الانزلاقات الناجمة عن المعكرات والمثبطات التي قد تأتي من المحيط المعاش فيه أو جراء كثرة المجهودات المتعبة التي تبذل بفعل اختيار طريق المواجهة. والمواجهة بعيدا عن كونها نوعا من التحدي الذي يساهم بشكل كبير في قهر وإزالة مخاوف المرء التي تعرقل مسيرته الدنيوية، فهي أيضا أسلوب حياة عملي يقوم على أساس مقارعة المشكلات والعقبات والتحديات التي تقابل الفرد في مشواره الحياتي، لبلوغ أهدافه بشرف وعزة ولنصرة مبادئه وقيمه.

 

وتجدر الإشارة إلى أن المواجهة تظل قرارا شخصيا غير مفروض على أحد، لأن المرء هو من يحدد أي طريق سيسلكه في حياته، وهذا ما يؤكد بأن هذا القرار دائما موجود كاختيار حر، لكنه ليس خيارا سهلا رغم أنه الأنسب للتغلب على القوى السلبية التي تمتص الطاقة والحماس، إلا أنه يكون الأسلوب الحياتي الأصوب في العديد من المواقف الحياتية، لكن ما يجب معرفته أن عدم اتخاذ قرار المواجهة في حالات كثيرة يمكن أن يكون أكبر مانع لتحقيق ما يراد الوصول إليه، فقد يكون الشيء الوحيد المنقوص للحصول على ما يبتغى في الدنيا.

 

ستكون لديك القدرة على تجاوز الأمور التي تعيقك إن استطعت أن تواجهها بشكل مباشر، لذا يتحتم على من يريد أن يحيا حياة الأخيار تخطي الكثير من الحواجز والموانع عن طريق المواجهة لا الهروب منها مخافة مما تحمله من مشقة مجهدة للنفس وخسائر مؤلمة لها. إن المواجهات القائمة في الحياة الدنيا تحتاج لقلب صلد، وإن هزمت في الجولات الأولى فذلك لا يحسم في نتيجة صراعك، ومادامت روحك في جسدك لم تصعد بعد فإن الوقت الذي مُنح لك لتعيشه لم يستنفذ، لذا استجمع قواك فالجولة الأخيرة لم تحن بعد، فكر فيما ستحظى به بعد فوزك؛ فهذا من أكبر الدوافع المحصلة والمتوفرة لديك لتعود أكثر قوة.

 

ومن الغباء أن تدع كل ما يقع لك قادرا على تشويش ذهنك، فهذا لا محالة سيفقدك المانع الذي يمسكك عن الوقوع رهينة الاندفاع بتهور نحو القيام بردات فعل غير مدروسة، ومن العيب أن تلوم غيرك وتربط جميع ما يحصل لك بتصرف غيرك، لكنه ليس من الخطأ أن تشعر بالندم اللحظي على ما تعرضت له، لأنه ضروري وفي الغالب ما يكون معينا لك على مراجعة أوراقك جيدا، وإصلاح مكامن الخلل لتتمكن من تجاوز ما أنت فيه، وهذا بحد ذاته قوة دافعة لك لسلوك طريق المواجهة ومنع الشعور باليأس جراء انهزامك في معركة حياتية.

 

كن جديرا بأن تعيش حياة تليق بك مادام أن هنالك متسع من الوقت في دنياك التي لم تنتهي بعد، إذ لا يلزمك سوى مواجهة واقعك بكل ما تملك من إمكانيات، وإياك أن تهرب منه وتحاول العيش في الأوهام والوساوس والتخوفات التي تقيدك عن فعل ما تقدر عليه أو تنقص من قدراتك الخفية التي تمتلكها لكنك لم تكتشفها بعد في بواطن نفسك. ولعل من بين أهم الأشياء التي ينبغي ألا نغفل عن ذكرها في الختام: اعتبار اتخاذ قرار المواجهة تصرفا نبيلا خصوصا عندما يسلك ذلك الطريق بيقين ثابت وقناعة راسخة بأنه السبيل الوحيد الذي يدعك تنتصر به للقيم والأخلاق الراقية بروح إنسانية عالية، بالرغم مما يعترضك فيه من حواجز وعرة وعوائق مؤلمة، وإن انتهى مشوارك الحياتي وغادرت هذا العالم سترحل منه مرفوع الرأس معتزا بسلوكك الرصين ومواقفك الشجاعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.