شعار قسم مدونات

بين تشيخوف وبيني.. نهرٌ من الحب!

BLOGS تشيخوف

"قد أبدو لكم كما لو إنني بخير، ولكن لو نظرت بتمعُن عن كثب، فلن تجد فيّ شيئاً واحداً سليماً"

– تشيخوف

 

بدأت بمقولة أنطون تشيخوف لأنه أختصر كثيراً من الكلام وابتدع عاصفة كبيرة في كلامه عن وصف الذات التي تتألم ولا تحظى باهتمام الناس لأن المجتمع الذي نتواجد به يحكم بأحكامه على سعادتك وحزنك من خلال الانطباع الذي نصّدره له ولكن الحقيقة المؤلمة أن هذه الابتسامات التي نوزعها كما نوزع الحلوى ما هي إلا مجاملات نضطر لتركها في نفوس من حولنا لكيلا نجعلهم يشاركوننا أحزاننا وانكساراتنا.

 

تلك الانكسارات التي صفعتنا كثيراً دون اكتراث بمشاعرنا وإحساسنا بالعزلة الدائمة مع الأوراق والقلم نكتب بما تفيض به نفسنا من حب وحزن وفرح وانكسار وقمع من الحياة تمارسه علينا كلما تقدمنا خطوة وحاولنا نسيان لحظات العثرات فيها.. في لحظة من لحظات الحياة علينا أن ننزع ما فينا من خجل وطيبة في القلب للتحدث عن انكساراتنا التي جلدت أرواحنا جلدت ذاتنا جلدت قلوبنا فقط لأننا أحببنا بصدق وقدمنا الكثير دون أن ننتظر المقابل من أحد وهذا ليس بالضعف وإنما هو قوة منحنا إياها الله ليكون العطاء مجبول بفطرتنا التي خلقنا عليها.

 

أيها الناس عليكم أن تعرفوا بأن من تلتقون بهم في هذه الحياة لا يمكنكم الحكم على سعادتهم من خلال شفاههم أو ضحكاتهم فكل ما ترونه هو ألم وانكسار على هيئة ضحكة مزيفة.. لا بد ألا نكون ضمن القطيع الذي يؤذي من حوله في تهكمه على البعض دون أن يعلم ماهية ذاته وروحه فهنا تكمن الإنسانية التي تجعلنا نكتشف ذاتنا ونحترمها فقط عند الإحساس بصدق لذلك نذرف الدموع عندما نرى ما يؤثر بنفوسنا من مشاهد تملأ هذا الكوكب.

 

الحياة التي لا تخلوا من عذاب وألم هي ليست حياة لأن ما يجعلنا نشعر بجمال وتحدي اتجاه أيامنا هي الصعاب التي تجعلنا أقوى مما كنّا عليه

تشيخوف لخص كثيراً من مواقف هذا الحياة في حكمته التي قالها لأنه أراد إيصال رسالة مفادها أنتم لا تعلمون شيء فيكفي منكم ذلك الإيذاء الذي استفز ما بداخلي من مشاعر لأكتب لكم ما كتبته.. يوجد بداخل كل إنسان فينا متسعاً كبيراً من الحياة والحزن والفرح ولكن علينا دوماً أن نركز على الزوايا المضيئة التي يملأها بالحكم.

 

فالحياة التي لا تخلوا من عذاب وألم هي ليست حياة لأن ما يجعلنا نشعر بجمال وتحدي اتجاه أيامنا هي الصعاب التي تجعلنا أقوى مما كنّا عليه فلكل واحدٌ على هذه الأرض ما يجعله منعزل عن الآخرين فالحب يؤلم ويجعلنا نبتعد لكيلا نجرح أحد في صراحتنا وكذلك علينا أن نغلف أحزاننا بالابتسامة حتى لا نضعف ولا نستطيع التحرك نحو المستقبل ذلك المستقبل الذي نريده أن يكون في أبهى صورة.

 

لذلك دعوا الخلق للخالق ولا تحكموا على الناس من وجوههم المتخمة بالضحك فهناك بئرٌ من الأحزان لا يريدون لأحد أن ينظر إليه لأنه لن يُجد سوى الظلام الدامس والأمل المنقطع والطريق الوحيد الذي يضيء هذا البئر هو ابتسامتنا المزيفة.. في داخل كل شخص فينا هناك نفق مليء بالسواد الأعظم نتيجة قرارات وعثرات واجهها في هذه الحياة وما يضيء هذا النفق هو الحب الذي يجعلنا نحب الحياة ومن حولنا بشكل أعمق مما يجعلنا نرسم ضحكاتنا ونحن نمتزج بالحقيقة والسعادة الفعلية وليس مجرد وجودنا فقط كمهرجين نمارس الابتسامة مصاحبة بالألم.

 

تشيخوف يمثلني عندما تحدث بعمق عن ذلك الشعور الذي جعله يكتب وفيه حرقة وانصهار عن المجتمع وعمن حوله فالحياة تكون جميلة عندما نبتعد عن تتبع الآخرين والتهكم على مشاعرهم التي هي مرآة للروح التي تمتد داخلنا وتنعكس على من حولنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.