شعار قسم مدونات

استفتاء كُردستان.. هذه هي الحلول لإحياء مشروع الدولة الموؤودة!

blogs كردستان

مُنذُ أكثرَ مِن قرنٍ والشعبُ الكُرديُ يكافحُ ويُناضلُ مِن أجلِ حُلمه في الاستقلال وطموحاته القوميةِ العادلة والمشروعة لتقرير مصيره حالهُ حال بقيةِ الشعوبِ في العالم، تعرّضَ الكُردُ لسنواتٍ طويلةٍ لأشرسَ وأوسع الحملات ضد تطلعاته وكانوا دائماً ضحيةً للتوافقات الدولية ومصالحهم، كانت طموحُ الكُردِ تصطدِمُ دائماً بمطامع السيطرةِ العثمانية والصفوية كما واصطدمت فيما بعد بشوفينية وعنصرية حُكّام العراق الدكتاتوريين، وهنا أذكُر مقولة للبارزاني الخالد الملا مصطفى الذي قاد الحركة التحررية الكُردية لعقود حيث قال إن الثورة والحرب ضد الحكومات لا يعني الحرب ضد شعوبها لأن الحكومات تذهب والشعوب باقية. 

 

أغرقَ هؤلاء كل مطامح الكُرد وتطلعاتهِ في برك الدماء وحرموا الكُرد من حقه بالاستقلال وقيام دولة كُردية، هؤلاء اعتقدوا ويعتقدون أن أرضَ كُردستان هو جزءٌ من الأراضي التركية والفارسية والعربية لذلك قام الكُردُ بثورات عديدة ضد تلك الأنظمة ليثبتوا للعالم أن الكُرد هم أمةٌ عظيمة وماضون نحو تحقيق تطلعاتهم وأن هذه الأرض كُردية وليست لأي دولةٍ محتلة. 

 

قبل سنةٍ من الآن اجتمعت القِوى والأحزاب السياسية في كُردستان العراق واتفقوا على إجراء استفتاءٍ لِيُعبِرُ فيه الشعب الكُردي عن رأيه حول الاستقلال، أُجريَ الاستفتاءُ في يوم 25 أيلول 2017، كان مهندسُ الاستفتاء هو رئيس إقليم كُردستان آنذاك الرئيس مسعود بارزاني، عبّرَ الشعبُ الكُرديُ عن رأيه، والتعبيرُ عن الرأي هي عملية طبيعية جداً حسب القوانين والمواثيق الدولية في كل دول العالم ولم يَكُن اختراقاً للدستور العراقي، لكن الاستفتاء قوبِلَ بحصار اقتصادي على كُردستان من قِبل حكومة بغداد وفرض حظر الطيران فضلاً عن قطع ميزانية الإقليم مسبقاً قبل سنوات من إجراء الاستفتاء.

 

بعد الانتهاء من عملية الاستفتاء ونجاحها والتصويت عليها مِن قِبَل ثلاثة مليون مواطن وبعد الأحداث المؤسفة التي تلت الاستفتاء، بعض الأحزاب السياسية حمّلوا الرئيس مسعود بارزاني مسؤولية هذه الأحداث

الدستور العراقي الذي تم اقراره وتم التصويت عليه من قِبَل الشعب العراقي في إحدى فقراته يقول (إنَّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده) لم يَقُل وحدته وإنما يقول الدستور اتحاده وهذا يعني أن الدستور يُخيّرُ ويُجيزُ الانفصال والاستقلال في حال لم تلتزم الحكومة بالدستور، الحكومة العراقية لم تلتزم بالدستور وخرقت عِدة مواد دستورية التي تَخص الكُرد مثل المادة 140 التي كان من المُقرر تطبيق هذه المادة سنة 2007 ولم يتم تطبيقها من قبل حكومة بغداد، وأيضا عدة مواد دستورية أخرى تم خرقها من قبل حكومة بغداد مثل مسألة النفط والغاز والميزانية والرواتب والبيشمرگة وحصة البيشمرگة من السلاح ومواد دستورية أخرى كثيرة. 

 

الحزب الديمقراطي الكُردستاني وبزعامة الرئيس مسعود بارزاني قاد الاستفتاء وبمشاركة بقية الأحزاب الكُردستانية وتم الاتفاق بينهم على إجراء الاستفتاء وتم تشكيل مجلس سياسي كُردستاني أعلى للتفاوض مع بغداد من أجل التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، لكن سرعان ما ظهرت خيانة جهة محلية كُردية وهم أطراف داخل حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني الذي كان جزءاً من عملية الاستفتاء والمجلس السياسي الأعلى، حيث قاموا وبالتعاون مع ميليشيات العراق وبالتنسيق مع إيران أيضاً بإدخال هذه الميليشيات إلى كركوك من خلال الانسحاب العسكري من قبل القوات التابعة لها وفتح الطريق أمام الميليشيات العراقية وبإشراف إيراني للدخول إلى كركوك. 

 

تم تفسير الاستفتاء بشكلٍ خاطئ لأن الاستفتاء كان إبداءً للرأي ولم يَقُل المسؤولين الكُرد أنه سيتم الانفصال عن العراق بعد يوم من الاستفتاء وإنما قال الكُرد وبالتحديد مهندس الاستفتاء الرئيس مسعود بارزاني أن الاستفتاء هو تعبير عن رأي الشعب الكُردي وأن عملية الانفصال عن العراق سيتم من خلال التفاوض والاتفاق مع بغداد على كل شيء، لكن حكومة بغداد وبمساعدة دول إقليمية جعلوا من الاستفتاء حُجةً لضرب الكُرد من جديد كما في المرات السابقة، دخلوا كركوك بقوة السلاح وبخيانة جهات محلية كُردية وبالتنسيق مع إيران، حاولوا دخول أربيل ودهوك لكن البيشمرگة تصدّت لهجمات الميليشيات العراقية التابعة لدولة إقليمية ودحرت هجماتهم وكبدتهم خسائر أيضاً، وهذا خرقٌ أخر للدستور حيث استخدمت الحكومة العراقية وميليشياتها السلاح ضد الشعب الكُردي الذي يعتبرونه في تصريحاتهم جزءٌ لا يتجزأ من العراق والعراقيين. 

 

ثلاثة مليون من الشعب الكُردي صوّتوا لصالح الانفصال عن العراق والاستقلال، هنا يجب التساؤل لماذا أقدم الكُردُ على الاستفتاء؟، والجواب بسيطٌ جداً وهو أن حكومة بغداد لم تحترم الدستور ولم تطبق المواد الدستورية التي تصب في مصلحة الكُرد، وهذا جعل من الكُرد بالتوصل إلى قناعة أنه لا يمكن الاستمرار مع بغداد، وأبسط دليل على ذلك هي معركة البيشمرگة مع تنظيم داعش، لم تقدم حكومة بغداد أي دعم مالي ولم تقدم أسلحة للبيشمرگة في معركتهم ضد هذا التنظيم المتطرف بل بالعكس تماماً قطعوا ميزانية الإقليم ولم يدفعوا رواتب موظفي الإقليم وبنفس الوقت استقبل الإقليم أكثر من مليون نازح عراقي.

undefined 

بعد الانتهاء من عملية الاستفتاء ونجاحها والتصويت عليها مِن قِبَل ثلاثة مليون مواطن وبمشاركة كافة الأحزاب السياسية وبعد الأحداث المؤسفة التي تلت الاستفتاء من خيانة وفرض الحصار وحظر الطيران والهجوم على الكُرد من قبل ميليشيات العراق، بعض الأحزاب السياسية حمّلوا الرئيس مسعود بارزاني مسؤولية هذه الأحداث وأبعدوا أنفسهم عن مسؤولية هذه الأحداث بعد ما كانوا جزءاً من العملية، بالمقابل استقال الرئيس عن منصبه كرئيس للإقليم ورفض أي تمديد لمدة رئاسته وتحمل المسؤولية أيضاً، تلك الجهات التي انسحبت ظنوا أن الحزب الديمقراطي سيخسر كل شيء بعدما حملوهم مسؤولية الأحداث لكن الشعب الكُردي أدلى بصوته لصالح هذا الحزب مرة أخرى في انتخابات برلمان العراق وأصبح الحزب الديمقراطي الكُردستاني الحزب الأكبر والأول على العراق من حيث عدد المقاعد في برلمان العراق، والمسؤولين الذين كانوا ينوون اشعال نار الحرب بين الكُرد والعرب عاقبهم الشعب العراقي في الانتخابات أيضا وابعدوهم عن نيل فرصة الحصول على كرسي الحكم من جديد.

 

بعد كل ما ذكرناه بشكل وجيز ومختصر نحاول أن نعرض الحلول اللازمة حول كيفية العبور من هذه المرحلة، فبعد كل ما جرى وبحسب رأيي الشخصي أرى أن الحل الأمثل:

 

١- هو الجلوس على طاولة المفاوضات لأن ما يتم تحقيقه بالسلم لا يمكن تحقيقه بالعنف.

 

٢- لا بُدّ من تفعيل دور السلك الدبلوماسي والعلاقات الدولية كونها تعمل على تحسين العلاقات مع العالم الخارجي مثل الدول العظمى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

 

٣- زيادة التنسيق مع المنظمات الدولية التي من شأنها إيصال معاناة الشعب الكُردي إلى العالم الخارجي. 

 

٤- والاستفادة من تجارب الدول التي حصلت على استقلالها حديثاً مثل البوسنة وتيمور الشرقية وجنوب السودان.

 

٥- العمل على وحدة الصف الكُردي داخلياً بين الشعب والأحزاب والجهات السياسية فَبدونِ وحدة الصف الكُردي لا يُمكن أن يحقق الكُردُ حلمهم في قيام دولة كُردية.

 

٦- إنشاء لوبي في دول الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى من خلال الجاليات الكُردية هناك ودعمها بشكل كامل من كافة النواحي.

 

٧- إجراء تغييرات للدبلوماسيين الكُرد في السفارات العراقية في العالم ووضع أشخاص دبلوماسيين أقوياء لتقوية علاقة الكُرد بالعالم الخارجي ومتابعة الجاليات الكُردية في الخارج.

 

٨- جلب الشركات العالمية الضخمة للعمل والاستثمار في كُردستان.

 

في النهاية أقول أن حوالي أربعين مليون كُردي لا يملكون دولة مستقلة في حين أن هناك دول نسبة سكانهم بضع عشرات من الآلاف وعندهم دولٌ مستقلة، على المجتمع الدولي والإقليمي أن ينظروا إلى مسالة حق تقرير مصير الكُرد بنظرة إيجابية وأن يقرأ التاريخ الكُردي المليء بالماسي والظلم والاضطهاد والقتل الذي مارسته أنظمة عدة ضد الشعب الكُردي لِيعلموا وبشهادة التأريخ كم عانى الكُرد. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.