شعار قسم مدونات

محمد بن عبد الكريم الخطابي.. مؤسس حرب العصابات

blogs-عبدالكريم الخطابي

بعد نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، ولعدة معضلات اقتصادية واجتماعية زحفت الدول الأوروبية نحو القارتين الآسيوية والأفريقية، فأصبحت الموضة أن تحتل دولة أو كحال فرنسا وبريطانيا مجموعة دول، بل وتقسيم العالم بينهما. بأفريقيا وبالضبط شماله كان الزحف البريطاني إلى حدود مصر والإيطالي بليبيا ومن تونس الخضراء إلى الجزائر كانت أمنا فرنسا صاحبة البيت، وبقي المغرب كآخر دولة غير مستعمرة بالشمال الأفريقي. إن كان موقع المغرب الاستراتيجي في وقت ما هو سبب سعده وهناه، ففي هذه الفترة كان جالب السوء له، فجعله مهب أطماع بريطانيا الراغبة في السيطرة على معبر جبل طارق بعد أن سيطرت على معبر قناة السويس، وفرنسا الطامحة لتتمة العقد الشمال أفريقي بترصيع الجوهرة عليه، وإسبانيا التي خسرت كوبا، وكانت تحتل قبلها سبتة ومليلية. وألمانيا الساعية للسيطرة على البحر الأبيض المتوسط.

سنة 1911 بدأ الاكتساح الفرنسي للمغرب من حدوده الشرقية والإسباني من شمال المغرب انطلاقا من سبتة ومليلية وبالجنوب المغربي بالصحراء المغربية، مع اتفاق فرنسي بريطاني أن تبقى مدينة طنجة منطقة دولية. حاولت إسبانيا من خلال احتلال منطقة الريف استمالة القبائل الأمازيغية والتقرب منها وهو ما فشلت فيه مع المقاوم محمد أمزيان الذي أذاق المر والعلقم للجيش الإسباني لكن بمساعدة قبائل أخرى من بينهم عبد الكريم الخطابي وابنه محمد بن عبد الكريم الخطابي.

 

استطاعت إسبانيا أن تكسر شوكة مقاومة محمد أمزيان، هذا التعاون ساعد في أن يكمل محمد دراسته بمليلية ثم سلمنقة الإسبانية وان يعمل كقاضي شؤون المسلمين بمليلية وصحفي بتليغراف ديل ريف وتحصل على عدة أوسمة منها وسام من درجة فارس ووسام الاستحقاق العسكري لدورة في إطلاق سراح الرهائن الإسبان من مقاومة أمزيان، وأيضا ميدالية إفريقيا. بعد الحرب العالمية الأولى محمد بن عبد الكريم الخطابي سيؤيد الدولة العثمانية واستطاع التواصل مع المخابرات الألمانية التي وعدته بتجهيزه بالعتاد والسلاح، بعدها سيتم سجنه لـ 11 شهرا بسجون مليلية بتهمة الإخلال بواجبه الوظيفي.

الريف يشتعل

سنة 1919 يبدأ عبد الكريم الخطابي الأب بإعداد العدة للمقاومة، لكن قبل أن يكمل مشواره توفي سنة 1920 وما زالت الشكوك حول موته مسموما، تولى بعدها محمد بن عبد الكريم الخطابي المشعل وبدأ يحشد قبائل الريف للثورة واستطاع في ظرف وجيز أن يصبح كابوس الإسبان في المغرب بضربات خاطفة على مخافر الشرطة. سنة 1921 إسبانيا تقرر التخلص من الخطابي بحشد جيش تعداده 30000 مقاتل إسباني مسلحين بأحدث الأسلحة والمدافع وبتغطية جوية من الطائرات إضافة إلى 5000 مقاتل مغربي من الخونة. في مواجهة بضعة ألاف من مقاتلي الريف بأسلحة خفيفة. فكانت معركة أنوال وصمة العار على جبين الجيش الإسباني إلى يومنا هذا.

الهزيمة الإسبانية كانت صدمة للعالم أجمع، فتم إقالة الحكومة الإسبانية وتم تغير وزير الدفاع، وأٍرسلت إسبانيا جيشا تعداده 100000 جندي نظامي، وكانت الهزيمة الثانية على حدود مليلية، دفعت قائد الجيش الإسباني لطلب عقد سلام مع الخطابي الذي رفض. سنة 1922 حاولت إسبانيا تنزيل 50000 مقاتل بالحسيمة لكن كان الرد قاسيا بقتل الجميع وتدمير جميع السفن الإسبانية بالمدافع، بعد ذلك طلبت إسبانيا من محمد هدنة لأيام مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى الإسبان وتطلق إسبانيا كل الأسرى المغاربة وتدفع إسبانيا 4 مليون فرنك للحكومة الريفية. سنة 1923 ومع تزايد زحف الخطابي وقصفه مليلية بالمدافع، ومطالبة الإسبان بالسلام، قرر الخطابي فرض شروطه وهي: 20 مليون فرنك – 15 طائرة حربية – 100 ألف بندقية – 120 بطارية مدفع، وتنسحب اسبانيا عن المناطق الداخلية. رفضت إسبانيا شروط الخطابي، لكنها انسحبت تحت ضغط هجمات الخطابي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.