شعار قسم مدونات

لماذا حولوا الإسلام لدين الخرافات؟

blogs خرافات

"رسالة إلى أربعين شخصًا تسمع بعدها خبرًا جميلًا.. وأخرى إن لم تُرسل إلى عشرة ستغضب عليك ملائكة السماء، كلمات إن لم تحفظها ستصبح مسخًا، وصورة إن لم تصدق معجزة الفوتوشوب فيها فأنت مسكون من الشيطان.. حتى أن هناك قبرًا إن لم تقبّله لن تُوفَّق!" هذه ليست مؤامراتٍ ماسونية ولا مخططات صهيونية، هذه خرافات يصدقها عقلٌ ومجتمع بسيط! أهذا ما يحتاجه إسلام اليوم من نضال!؟ إسلام اليوم الذي يُسجن فيه عالمٌ وينّصب فيه جاهل؟ إسلام اليوم الذي يواجه حرباً موحدّة؟ أيحتاج إسلامنا عقلاً باهتاً يصدق كل ما يسمع ويُنقل من حيٍ إلى مدينة في عالم الجهل والخرافة؟ 

قد يعود السبب في تصديق الناس لهذه الخرافات هو عقيدة التوريث المبنية على وراثة الخرافة أباً عن جد، وخوفاً أيضاً من لعنة التفكير، كما في قوله تعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ"، كما أن الترويج الإعلامي في وقتنا الحالي حول هذه العقيدة إلى وراثة تواصلية من صفحة إلكترونية إلى أخرى؛ فصار سهلا على المرء أن تتوه خطاه، فالتائهين والمشتتين كُثر! كما أن حالة الخوف والقلق التي يعيشها الإنسان قد تدفعه للانخراط في تيار وهمي، فقد يدفعه يأسه لتجربة جميع الطرق التي قد تنقذه، فجميع مراجعي الدجّالين يعانون من مشكلة الخوف؛ خوفٌ من فقدٍ أو فشلٍ أو تعثُّر! وقد يحاولون جاهداً تنقية هذه الفكرة من الشوائب في مخيلاتهم حتى يصدقونها أكثر.

نحن من ينشئ الخرافات ويصدقها ويعيدنا خطوة للخلف، ونركن كل أسبابنا إلى نظريات المؤامرة، متناسين بأن بنياننا ليس صلبًا وفينا من الاعوجاج ما قد يُكسر!

ولكن السبب الرئيسي كما أعتقد هو الآراء المختلفة لأصحاب وطوائف الدين والتي سببت فجوة بين الإنسان ودينه الحقيقي، وبين فطرته واستخدام عقله لصالحها؛ فكل طائفة تعتقد بأن خرافتها أكثر ذكاءً من خرافة طائفة أخرى، وذلك بالطبع بسبب اختلاف التفسير والذي يرتكز على الثوابت الأساسية في الاعتقاد. وبما أن الإنسان هو من أوجد الخرافات، فمن يصدّق وأي مذهب يعتنق؟ من السهل إذن على التائه ترك النص الأساسي للقرآن، وتوكيل فهمه لما قد يصادفه حتى لو كان مصدراً غير موثوق، أو تحويله إلى نغمة وترتيلة في فكر الصوفيّة؛ فيصدّق أن  الأضرحة وقبور الصالحين تبارك معيشتهم، وأن سيداً في القبر سيحكم حياتهم إذا ما ابتهلوا له، وأن الطقوس المشابهة للوثنية قد تقربهم من الله أكثر، وأن من الممكن رؤية الملائكة بقالب الزهد المفرط أو حتى بشفائهم من الأمراض بمباركة درويش!

لا بد بأن انعدام الثقافية الفكرية في أصحاب الخرافة يسبب حريقًا لا يؤذي دخانه من يصدقون الخرافة وحسب، بل أولئك أيضاً الذين وضعوا الإسلام موضع شك، والذين وراهنوا على تخلف بعض المتأسلمين، وحتى أولئك الذين أخذوا من الخرافة صورة كافية عن الإسلام! ولا بدّ بأن الانقسام الروحي لوحدة الصف الإسلامي بدعوى الخرافات يجعل منه دينًا خاملًا! حتى صار الدفاع عن هذه الخرافات سببًا للحرب الأهلية في الدين الواحد، والفتنة حقيقةً أشد من القتل! نحن من ينشئ الخرافات ويصدقها ويعيدنا خطوة للخلف، ونركن كل أسبابنا إلى نظريات المؤامرة، متناسين بأن بنياننا ليس صلبًا وفينا من الاعوجاج ما قد يُكسر!

نحن لسنا مطالبين بمجهود تزيين هذه الخزعبلات وتأكيد صحتها من عدمه، في الوقت الذي يكون الإسلام فيه بحاجة إلى تقوية شوكته، ونفي شبهات المتطرفين بقالب الإرهاب، ولسنا مطالبين بأن ننتمي إلى كفةٍ لنُرجِّحها على الأخرى، في الوقت الذي يكون فيه الميزان مختلّاً؛ ولكننا مطالبين بأن ننشئ عقلاً إسلامياً واعياً، يستقل بقراره ويطمئن، ويقرأ قبل أن يصدّق. لا أؤمن حتماً بالدراويش، وأعتقد بأن زمن المعجزات انتهى، ولا يمكن أن يشفيني وليٌّ ببركته ولا ستحميني خرزةٌ زرقاء، ولكن ما أؤمن به أن يُستخدم العقل الذي شكّ به محمد، فقاده الشك إلى اليقين، وتكذيب الخرافة إلى نفيها، وأؤمن أيضاً بأن هذا العقل سيُستخدم لفهم نصوص القرآن وليس الخروج عنها، ولا اعتزال أحكامها، فالإسلام دين عقلٍ وليس خرافة، ولا إسلام من دون قرآن!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.