شعار قسم مدونات

عن الصحة والسياسة وأحلامٌ آخرى..!

blogs رجل يبكي إبنه

عندما تستيقظ فجأة لتجد أن أسبوعاً مر من عمرك وأنت طريح الفراش، قد تعيد النظر في كل ما حولك أو تعود للدوران من جديد في مدار أيامك قبل أن تمرض وتمارس حياتك بشكل طبيعي. ولأنني من الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم خارقين أقوياء، يشربون لترين من الماء، يحافظون على غذاء صحي يتجنبون كل ما قرأوا أنه قد يكون السبب الأول في ارتفاع ضغط الدم وما إلى ذلك ولا يضعون سوى قوالب السكر الأسمر في مشروباتهم الساخنة كنت متأكدة إني بهذا أحافظ على صحتي بأسلوب غذائي سليم ومعتدل.. في المقابل أن ممن لديهم فوبيا أو رهاب المستشفيات والأطباء ووصفات الدواء بالنسبة لي لا تتجاوز بندول أكسترا عندما يدق الصداع مطرقتهُ فوق رأسي، وكوني أتمتع بكل هذهِ الثقة أرفض حتى إجراء بعض الفحوصات البسيطة للاطمئنان على صحتي العامة!

وفجأة شاء الله أن أمرض كما لم يحدث معي من قبل ارتفاع حرارة جعلني طريحة في الفراش غير مدركة ماذا يحدث من حولي مرت الأيام طويلة بكل ما تحملهُ من وجع كنت مدركة بأن ذلك لم يحدث عبثاً، جميعنا معرضين للمرض لوعكة صحية ولكن كنت أمارس الهذيان والتفكير في آن واحد، ماذا يشعر من يتلقون العلاج الكيميائي هل عظامهم تؤلمهم بهذا الشكل؟! طيب كيف يتحملون ذلك كم هم شجعان وكم نحن لا ندرك حجم النِعمة التي لدينا كوننا بخير وبكامل صحتنا طوال الوقت. كيف يتحول طعم الماء المشروب الألذ بالنسبة لي إلى هذا الطعم غير المستساغ كيف يقضي المرضى الليل في المستشفيات الباردة بينما نكون نحن في الخارج نعيش الحياة بطبيعية وحرية دون مواعيد وجع تتكرر كلاً حسب حاجتهُ، نعيد ضبط منبه الصباح وننام بسلام دون مسكن للآلام وآخر للأحلام!

ما الذي يدفعني لسرد كل هذا للقارئ؟! إنه الوجع يا أعزاءي الوجع لا سواه.. الوجع الذي يشعرنا كم نحن ضعفاء مهما تخيلنا في لحظة ما إننا نمسك بزمام الأمور ونكون أحد نجوم هذا العالم ونقوم بدور أبطاله بمسرحية تراجيديا خالصة الوجع يشعرنا بتفاهة ما يدور من حولنا، بعبثية الحروب وبشاعتها، باللاجدوى التي نقوم بها ونحن نحاول أن نصحح مسار السياسة في بلادنا وكأن هنالك صانع قرار يحمل بيدهُ القرار نحن لا نفعل شيء سوى إننا نزود الناس بإحصائيات عن الخسار التي كان من الممكن أن تكون سبباً في سعادة شعوبهم لو جرت أحداث التاريخ على نحو أفضل.

الوجع كل الوجع يهون ويهدأ ويطيب بالإيمان، إنه الإيمان، الإيمان بدعاء ترجوا فيه الله بأن تكون بخير وصحة، الإيمان بالشفاء وبقدرتك على إعادة تشغيل حركة أيامك

نحن نصنع للثوار ساحات فوق السطور لتبقى ثوراتهم قائمة هذا ما نفعلهُ ونحن نكتب في السياسة ومن أجلها ونتداول موضوعاتها بثقة وكأننا حققنا نصر ونحن نؤرخ خيبات شعوبنا. الوجع يعيد ثقافتنا إلى الضفة الأخرى من العالم حيث ترف الأيام الهادئة ونعمة الصباحات التي تستطيع فيها القيام من سريرك نحو المطبخ لتعد فطورك أو قهوتك، الوجع يجعلنا ننظر لهذهِ الهواتف كونها مُنبه للضجيج لا أكثر أداة تربطك بأشخاص مزيفون بضحكاتهم وكلماتهم بحضورهم وغيابهم، حتى نشرات الأخبار المتواصلة تمارس الزيف لأن في النهاية ستقوم الحرب ويعيد البشر إعادة اعمار الأرض دون الكثير من العواجل المستعجلة.

الوجع كل الوجع يهون ويهدأ ويطيب بالإيمان، إنه الإيمان، الإيمان بدعاء ترجوا فيه الله بأن تكون بخير وصحة، الإيمان بالشفاء وبقدرتك على إعادة تشغيل حركة أيامك. الإيمان بفكرة إنك بخير قد تجعلك فعلاً بخير. الوجع هو الوجع ما أن يمر حتى نعود ندور في عالمنا من جديد، هنالك تجارب في الحياة مهما كانت بسيطة لكنها تشعرنا بنعمة الأيام الجديدة الهادئة، تشعرنا بنعمة الأشخاص الذين يركضون للاطمئنان عنا أو وضع زهرة عند سريرنا، تشعرنا بأننا مسؤولون بشكل أو بآخر بأن نحارب ونُجاهد ونطالب مراراً وتكراراً بأن تتوقف الحروب بأن تخرس هذهِ البنادق وأن نزف الشباب في أوطاننا نحو أحلامهم لا نحو جبهات القتال ومهما كان صوت القتل مرتفع لنجعل صوت السلام أعلى ، صوت الحرية والحب والجمال لنرددها مهما كان هنالك وجع لابد أن تنتصر هي في يوم .

بينما أكتب هذهِ السطور هنالك حالة في مدينة البصرة جنوب العراق، لا أعرف ما اسميها كوني لم اتابع الوضع السياسي خلال الأسبوع الماضي لكن هنالك شهداء وجرحى وأماكن تُحرق وأخرى حُرقت، وهنالك دول تدعوا مواطنيها لمغادرة العراق هنا بدوري أدعوا هذهِ الدول أن تسترد مواطنيها وتكف يدها وتصريحاتها وتدخلها وخيرها وشرها عن العراق وسيكون هذا الوطن بألف خير وسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.