تزويج القاصرات في المغرب.. اغتيال للطفولة

أفيش لجمعية حقوقوية
طفلة تقف بجوار جدار كتب عليه عبارة رافضة لزواج القاصرات في المغرب (الجزيرة)

الجزيرة نت-الرباط

في جلسة كان الحديث فيها دون ضوابط، وافق عبد الرحيم بأن يزوج طفلته لصديقه رغم أنها تصغره بـ 28 عاما، إذ يقول إن عادات قبيلته بنواحي الجديدة غربي المغرب "لا ترى البنت إلا في بيت زوجها كيفما كان سنها".

عاد والد عائشة وهو فلاح بإحدى قبائل دكالة بمدينة الجديدة الساحلية منتشيا يزف الخبر، ظنا أنه "سيزيح عنه هم الخوف على شرف طفلته الذي يقض مضجعه"، مؤكدا أنه "حرمها من التعليم لأنه كان مرعوبا من هذا المشهد المختبئ في ذهنه".

بدا كل شيء كأنه لحظة مرح بين أطفال القبيلة، ولكن ربما كان ثوب الزفاف الذي تحلم به كل فتاة هو نفسه نهاية لأحلام طفلته. انتزعت عائشة من بين لعبها، وسلمت إلى رجل ينتمي لقبيلة والدها، لكنها لم تلتق به إلا أمام القاضي الذي أبرم عقد زواجهما.

تقف اليوم عائشة على أطلال ما فات من سنوات عمرها وسط أحلام تصغر كلما كبرت طفلتها التي بلغت عامها الثاني، وتروي حكايتها لـ "الجزيرة نت" وهي تنظر في صورة معلقة على حائط غرفتها قالت إنها "التقطت لها قبل زواجها"، بدا وجهها في الصورة مشرقا وملامحها طفولية، لكنها اليوم جسد هزيل ووجه نحيف وعينان يبدو عليهما تعب شديد.

تتذكر تفاصيل عام ونصف العام فقط قضته في منزل زوجها ذي الأربعين عاما، قالت بعينين دامعتين إنه "كان يضربها بشدة ويشتمها باستمرار".

وحكى والدها أنه عندما زارها "ارتمت على صدره تنتحب بشدة"، فـ "استبد به الغضب جراء ما تعانيه ابنته من زوجها وعائلته"، وأعادها إلى منزله بعدما اكتشف أنها "لن تستطيع إكمال حياتها في منزل ذلك الرجل الذي قال إنه "كان يواعد نساء أخريات في بيته، ويطرد زوجته لتبيت في فناء المنزل بحجة صغر سنها وتفكيرها الطفولي الذي لا يرتقي إلى تفكيره" حسب قوله.

‪إحدى المحاكم الابتدائية في مدينة مراكش‬ (الفرنسية)
‪إحدى المحاكم الابتدائية في مدينة مراكش‬ (الفرنسية)

وفي الوقت الذي تفرح فيه قريناتها عندما يحصلن على لعبة في هيئة طفلة، رزقت عائشة بعد هذا الألم بطفلة حقيقية تصغرها بأربع عشرة عاما، وكل ما تذكره عن يوم ميلاد طفلتها أنها استلقت على سرير تصرخ بأعلى صوتها عسى أن تخفف صرخاتها من حدة آلام مخاض كان عسيرا، وهي آلام لا تتناسب مع جسمها النحيل والصغير.

تدرك اليوم عائشة على بعد أربع سنوات من تجربتها، أن هذا الزواج سلبها من جسدها، وأحل محلها "امرأة" تتحمل مسؤولية أثقلت كاهلها.

اغتيال للطفولة
حكاية عائشة التي حصلت على الطلاق من زوجها تشبه حكايات أخرى تختلف في الأسباب والذرائع، إلا أن النتيجة واحدة وهي طفلات تتزوج من غير أن تجد صرخة "لا أريد الزواج أبي" صدى عند ولي أمرها.

وتعرف وتيرة هذا النوع من الزواج بالمغرب ارتفاعا من سنة إلى أخرى، حيث بلغت حسب الإحصائيات الرسمية 35 ألفا و152 زواجا عام 2013، مقابل 18 ألفا و341 عقدا في العام 2004، ويتم الكثير من هذه الزيجات بقراءة الفاتحة بعيدا عن أي توثيق قانوني.

وتقول أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء خلود السباعي إن الأرقام الدالة على ارتفاع زيجات القاصرات "صارت غير مقبولة"، منتقدة جهل كثير من العائلات بالمخاطر التي يتسبب فيها تزويج البنات في سن صغيرة، دون مراعاة لعدم اكتمال بلوغها وقدرتها الجسدية والنفسية على تحمل الحياة الزوجية.

ووصفت خلود زواج القاصر بـ "الاغتيال المقيت للطفولة وحقوقها"، وطالبت بتغيير النص القانوني الذي يسمح للقاضي بسلطة التقدير في تزويج قاصرات بناء على بنيتهن الجسمية، وقد أثبتت الأرقام الرسمية قبول القضاء ملفات طلبات الزواج لمن هن أقل من 12 عاما بنسبة 85.5% مقابل رفض 14.5% من الطلبات.

سلطة القاضي
وبينما تطالب أطراف عديدة بمنع زواج القاصرات بصفة نهائية، فإن أخرى تنادي بتحديد سن زواجهن في 16 سنة، مع تعليل القاضي واعتبار تقارب السن بين الطرفين المعنيين به، وذلك لأن "زواج القاصرات قد يكون الحل الأنفع أحيانا عندما يتعلق الأمر بتسوية زواج أم عازبة".

وتنبه المحامية بهيئة المحامين بالدار البيضاء سعاد أسد إلى أن الضمانات المنصوص عليها في مسطرة زواج القاصر لا تحترم، خاصة ما يتعلق منها بإجراء الخبرة الطبية اللازمة، والاستعانة بالخبرة الاجتماعية المتخصصة كعنصر أساسي يدخل ضمن العناصر المكونة لسلطة القاضي في الإذن بتزويج القاصرات.

المصدر : الجزيرة